الدعارة.. تمييز تحت سقف القانون!
وفا أحمد
ورد خبر على صفحة وزارة الداخلية السورية الفيسبوكية كالتالي: “نتيجة معلومات واردة لفرع الأمن الجنائي تفيد بوجود فتاتين ترتديان اللباس الفاضح (شورت قصير) في الشارع على خلفية نشر صورهما على مواقع التواصل الاجتماعي وبـ “المتابعة الجدية” و”نصب الكمائن” تم إلقاء القبض عليهن بالجرم المشهود أثناء قيامهن بتصيد الزبائن بلباسهما الفاضح وبرفقة شابين وبالتحقيق تبين إنهما تمارسان الدعارة”.
إذا أردنا تفنيد الكلام أعلاه فنحن أولاً أمام التعدي على إحدى حريات الفرد التي كفلها الدستور وهي حرية اللباس وثانيها انتهاك الخصوصية وجريمة معلوماتية قام بها أصحاب الصفحات الفيسبوكية وهي القيام بتصوير ونشر صور الفتاتان دون إذن والتشهير بهما .
إذا كان ارتداء ملابس سباحة أو قصيرة أمر عادي ومتقبل على الشاطئ يعني أنه غير مبتذل وغير فاضح لكن ارتداؤه في بعض الأماكن كالشارع هو ما يثير الاستهجان والرفض، مع أن ذات اللباس(الشورت) لا يعتبر فاضحاً أيضا بالنسبة لمعاملة السياح وفي بيئات ومناطق معينة في سورية ، فالمشكلة إذا هي معايير اجتماعية تسبغ عاداتها على بلد بكامل تعدداته وتنوعاته .
أمر اللباس مرتبط بعرف المجتمع وعاداته وعلى هذا فاللباس لا يعتبر مخل وخادش سوى لمعتقداتنا المسبقة عنه، وطالما لا مشكلة برؤية التعري على الإنترنت أو التلفاز، فمشكلة المجتمع مع التعري ليست رؤيته إنما ألا يكون من أفراده، وأيضا مخافة “إفساد” الآخرين وهو ما يعيدنا للنقطة الأولى وهي أن اللباس قناعة شخصية من المفترض ألا تؤثر فيها حريات وقناعات الآخرين وإلا تثير استهجان المجتمع المحافظ في بلد متنوع المعتقدات والحريات، كما أن ربط اللباس بالأخلاق هو أمر مناف للواقع فلم يثبت أن الدعارة حكراً فقط على ذوي “اللباس الفاضح” .
الدعارة وما تعنيه من استخدام الجسد كوسيلة لكسب المال هي بكل بشاعتها متفشية تحت غطاء المجتمع الذي يدعي محاربتها، وتزداد وتزدهرحيث ينتشر الفقر والاستغلال والجهل، وغض الطرف عن معالجة الأسباب هي بمثابة إطلاق يد هذه التجارة كحل لصعوبات الحياة ومشاكل المجتمع، وطالما هي تجارة فهي تخضع كغيرها للعرض والطلب وتزداد رخصاً وبشاعة كلما زاد العرض عن الطلب والعكس صحيح، وجرم الدعارة حسب ما يُطلق عليه في القانون السوري هو “بغاء الإناث” حصراً دون الرجل، وتعاقب المرأة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة لا تتعدى 600 ليرة !
وفي وقت يجرم القانون فاحشة المرأة ويعدها جانية فإن ذات القانون لا يعتبرالرجل “جانياً” وينظر له على أنه زبون طالب للمتعة ولا يعاقب إلا في حالة واحدة وهي القيام بأعمال تسهل الدعارة ووسيط لجلب الزبائن !!
قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لعام 1961 والذي لم يطرأ عليه أي تعديل منذ تاريخه يبرز حجم التمييز الممارس على المرأة ويعطي صك براءة للرجل من فعل البغاء، فالقانون في هذه الحالة يميز المرأة عن الرجل في واقعة يعتبرها هو ذاته جريمة تستوجب العقاب فأي معالجة جدية ننتظرها إذا كنا نجرم بائع الجسد ونعفي شاريه؟!
وأي مكافحة جدية نتوخاها من قانون يعتبر طرفي “الفاحشة” أحدهما مجرم والآخر مجرد زبون وطالب متعة ؟!
القانون المذكور لم ولن ينجح في معالجة “تجارة الجنس” طالما هو لا يجرم طرفي العملية، ويلقي الجريمة بكاملها على عاتق المرأة وهذا تحيز واضح لجهة تشجيع الطلب، والمعالجة الجدية تستوجب تجريم المرأة والرجل معاً وتعميم مفهوم أخلاق المجتمع ليشمل كلا الجنسين وعدم حصرها بالمرأة الا إذا كنا نعتبرالرجل معفى من الأخلاق؟!.