كشفت وزارة المخابرات الإسرائيلية عن انتهائها من إعداد أول تقرير «قومي» استخباراتي، قيمت فيه الوضع الإسرائيلي ومخاطر المرحلة المقبلة، ونشر الصحفي الإسرائيلي يونا جيرمي بوب في صحيفة «جروزليم بوست» في 19 الشهر الجاري تحليلاً عن هذا التقييم تحت عنوان: «النظام العالمي على حافة الهاوية والتقييم الاستخباراتي القومي» يرى فيه أن «العالم يمر الآن بنقطة تحول تشبه حافة الهاوية بعد سلسلة من الأزمات التي ضربته وسوف تنقله إلى إعادة تنظيم قواعده الجيوسياسية والتكنولوجية والاقتصادية والصحية والمتعلقة بالطاقة، وهذا أحد عناوين ما خلص إليه التقييم الإسرائيلي الاستخباراتي الذي قدمت إسرائيل نسخة منه إلى الولايات المتحدة والدول الغربية، وحصلت صحيفة «جروزليم بوست» على نسخة منه».
يضيف بوب «إن التقييم يرى أن العالم في مختلف مناطقه يتعرض لضربة من مجموعة أزمات، وقدم الفريق الذي أعده توصيات تتعلق بكل المجالات ومنها القوة العسكرية الإسرائيلية، وضرورة التركيز على التحالفات الجيوسياسية المهمة التي تشكل جسرا تكنولوجيا وجيو سياسيا بين البلدان ولسد الفجوات المحتملة في المرونة الوطنية بشكل استباقي».
وكشف عن أن معظم قادة المخابرات المتقاعدين والموجودين على رأس عملهم وشخصيات سياسية شارك في ندوة لإعداد التوصيات وتحديد الأخطار، وتشير الصحيفة إلى أن وزير الاستخبارات اليعازار شتيرن ذكر أن «الوزارة قدمت معلومات استخباراتية بعيدة المدى أوسع بكثير من المقاييس المتبعة في المواضيع الأمنية العامة بهدف تطوير إستراتيجيات ملموسة من أجل المستقبل»، وظهر أن هذا الفريق قدم كل مختص فيه بمقترحات ومسودات خطط تتعلق بالمدى القريب والبعيد وبشكل شمل معظم المواضيع ولم تنحصر في المواضيع العسكرية والأمنية فقط.
يعترف بوب أن التقرير أشار «الى الصعوبة التي ستواجهها إسرائيل في مهمة المحافظة على التوازن المطلوب بين ثلاثة أقطاب متنازعة هي الولايات المتحدة والصين وروسيا، لأن هذه القوى بدأت تنتقل من المنافسة المفتوحة إلى نزاع أكبر بكثير وهذا ما سوف يغير جدول العمل الدولي ويوجهه نحو هذا النزاع بين القوى الكبرى».
ولا شك في أن هذا التحديد لجدول العمل الإسرائيلي الآن مع اشتداد حدة المواجهة بين القوتين الروسية والصينية وحلفائهما من جهة، وبين القوة الكبرى الأميركية وحلفائها من الجهة الأخرى، سيكون قد حظي بأولوية على جدول أعمال فريق هذا «المؤتمر الإسرائيلي- الغربي» وعلى النتائج والتوصيات التي سيتضمنها تقريره لأن جيرمي بوب كشف أن هذا الفريق الإسرائيلي ضم وفدا كبيراً من وزارة الدفاع الكندية ودبلوماسيين وسفراء من الاتحاد الأوروبي واليابان واستراليا وكوريا الجنوبية ودول أوروبية أخرى، ويذكر أن السياسة الخارجية لإسرائيل تعد جزءا من السياسة الإستراتيجية الأميركية بموجب القول الشهير لهنري كيسينجر حين كان مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون عام 1969 ولذلك يصبح من الضرورة على إسرائيل الآن أن تعد سياستها الخارجية بما يتفق ويخدم المواجهة الأميركية -الغربية ضد موسكو وبكين وهي بالتأكيد لا تفضل أبدا أن تحقق موسكو وبكين أي مكاسب في ساحة المواجهة العالمية المتسارعة والمتصاعدة بين القوى الكبرى وهي تجد نفسها بين خيارات صعبة ومضاعفات محفوفة بالأخطار أمام النتائج التي ستحملها هذه المواجهة العالمية، فإذا نتج عنها مفاوضات حول الوضع الأوكراني وجرى التوصل لاتفاق فهذا يعني أن ولادة عالم متعدد الأقطاب متوازن في وضع الحلول المطلوبة لمختلف النزاعات سيولد، وسوف يكون ضد مصلحة إسرائيل، وإذا استمر النزاع طويلاً على الشكل الراهن دون حسم أو مفاوضات، فهذا يعني أن قوة إسرائيل ستتآكل أمام محور المقاومة الحليف الإقليمي لروسيا والصين، وإذا ما تطور وضع الأمر الواقع الراهن بين القوى الكبرى وانتقل لوضع حرب مباشرة بين الفريقين، فستظل إسرائيل خاسرة حتى لو وقع صدام نووي تكتيكي أو إستراتيجي فما يميز هذه المواجهة غير المسبوقة في تاريخ الصراع العالمي بين القوى الكبرى هو اقترابها المتسارع نحو الحافة النووية إذا لم تتوقف الولايات المتحدة عن تصعيدها المتعاظم ضد روسيا، وإذا لم تتوقف فسيبقى خيار أخير هو أن تتوقف دول الاتحاد الأوروبي عن السير وراء التصعيد الأميركي، وحتى في هذه الحالة ستكون إسرائيل خاسرة أيضاً لأن هذه النتيجة ستدشن قواعد نظام عالمي جديد يهدم قواعد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وينهي هيمنة واشنطن وأوروبا على المجتمع الدولي وساحته العالمية.