الصمت حول تقلبات قيمة الليرة علامة الشفافية!
«صمت مريب».. لعلها أكثر عبارة ترددت لدى التواصل مع العديد من أعضاء مجلس الشعب والأكاديميين للحديث عن أسباب غياب الحكومة لتفسير وتوضيح ما يجري بعد انخفاض سعر الصرف لمستويات تاريخية، بتجاوز الدولار 715 ليرة، ترافق
بارتفاع في الأسعار يزيد على 20 بالمئة لبعض السلع الأساسية، وعن 30 بالمئة لسلع أخرى، ما يعني اشتداد الفقر وانحدار القوة الشرائية للمواطنين إلى مستويات غير مسبوقة، وسط تفاوت طبقي صارخ.
الحكومة، والفريق الاقتصادي، والمصرف المركزي تحديداً، يتبعون بحكم العادة؛ أسطورة دفن رأس النعام في الرمل، لرفضهم مواجهة المشكلات، والنظر إلى الأمور بصورة واقعية، على حين أن المطلوب منهم التحلّي بالشفافية ووضع المواطنين بالصورة الحقيقية لما يجري، وهذا ما يؤكد عليه رئيس الجمهورية بشكل مستمر، ولكن يبدو أن هناك من في الحكومة غير قادر على ذلك، إلا في الخطابات، إذ تردد الحكومة دوماً مقولات الشفافية، من دون أن تعمل بها، وما يجري اليوم خير دليل، فلا الحكومة معنية بشكل جدي وحاسم، ولا فريقها الاقتصادي، ولا المصرف المركزي، فيما يجري!
النائب في مجلس الشعب مجيب الدندن قالها صراحة لـ«الوطن»: «مطلوب تداعي الدولة بكافة سلطاتها لحلّ هذا الموضوع، وعلى الفريق الحكومي والاقتصادي أن يقوموا بإجراءات، ويكونوا شفّافين مثلما وجههم السيد الرئيس، وكما وعدنا رئيس مجلس الوزراء تحت قبة مجلس الشعب»، مضيفاً: «إنهم نائمون، وكأن ليس لهم علاقة بالموضوع، منوهاً بضرورة أن يصبح هناك أشخاص في الفريق الاقتصادي، ذوو قدرات أكبر.
ووصف الدندن صمت الحكومة أمام ما يجري في سعر الصرف والأسعار واشتداد الفقر بأنه «صمت مريب» وسط تخوف المواطنين مما يجري، «وكأن الحكومة والفريق الاقتصادي لا يرون بوضوح ما يجري في السوق، فليس هناك إجراءات حقيقية لمعالجة هذا الواقع».
وأضاف: «البلد صمد، ونحن على أبواب إنجاز نصر، ولكن حقيقةً، الوضع الاقتصادي أصبح لا يطاق، والوضع صعب لكل مواطن سوري، فاليوم لم يعد الدخل يتناسب مع النفقات الباهظة وارتفاع الأسعار، ونحن نرى أن الحكومة لم تقم بإجراءات جدّية، علماً بأن إنجازات الحكومة لا تتناسب أبداً مع ما ينجزه الجيش العربي السوري على الأرض».
وبين أن قيمة الليرة تتراجع في السوق نظراً لبعض الإجراءات الخاطئة، منتقداً مبادرة القطاع الخاص لدعم الليرة، منوهاً بأن سورية دولة قوية، يجب تعزيز سلطتها الرقابية، وأن تقوم بإجراءات فعّالة على الأرض للحدّ من وطأة ارتفاع الأسعار، وهذا يتطلب إجراءات من الحكومة، لا نجدها على الأرض كما يجب.
وسأل الدندن الحكومة «أين الشفافية في التعامل مع المواطنين التي تحدث بها رئيس مجلس الوزراء؟».
وأضاف: «لا نرى شفافية، بل غموض في الملف الاقتصادي، وهذا لا يجوز، فشعبنا مستعد أن يصبر ويتحمل، لكن يجب أن نشرح ونوضح ماذا يجري»، مطالباً بحلول جذرية، مبيناً أن الجميع لا يقوم بالدور المطلوب منه، وليس الحكومة فقط، في إشارة إلى السلطة التشريعية، وحتى الإعلام.
عجز
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، والمسؤول الحكومي السابق الدكتور شفيق عربش، بين «أنه يقرأ الصمت الحكومي أمام ما يحدث في الأسواق بـ«العجز»، وبأنه تعبير عن أن الحكومة «بعيدة عن الواقع، وتمارس بعض أنواع ردود الأفعال التي لا تثمر شيئاً، فلذلك صمت الحكومة أفضل من كلامها الذي يزيد لهيب الأسعار الذي يكوي أغلب أفراد المجتمع».
ووصف الصمت الحكومي والابتعاد عن التصريح بحقيقة الأمور بأن «فاقد الشيء لا يعطيه»، في إشارة منه إلى أن الحكومة لا تملك معلومات دقيقة عما يحصل في الأسواق لتخبر بها المواطنين.
وبين عربش أن حاكم مصرف سورية المركزي لا يعلم ما المطلوب منه، والحكومة لا تخبره برؤيتها في السياسة النقدية، ولا تطلب رأيه فيها، وهو عندما يحتجب عن الظهور الإعلامي فلأنه لا يعرف ماذا سيقول، متسائلاً «هل يعرف الحاكم لماذا تتغير أسعار الدولار بدقة؟ وماذا يفعل نائبه المسؤول عن القطع؟ فليظهر ويتحدث عما يجري في سوق الصرف».
وختم عربش قوله بالتأكيد إننا لن نشهد سوى الصمت، سوى أن نقرأ تسريبات فيسبوكية تفسر ما يجري في الأسواق، وخاصة سوق الصرف، بعيدة عن الواقع.
إيضاح ومحاسبة
النائب حسين راغب بين لـ«الوطن» أن العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في سورية قائمة على أساس التعاون والرقابة، وبالتالي «اليوم نحن أحوج ما نكون لتعزيز التعاون والشراكة بين السلطتين في حوار بناء حول المشاكل التي تواجه المجتمع، من أجل وضع الخطط والحلول للمعالجة في ضوء تحليل عميق للأسباب الجوهرية للمشكلة، وكذلك تفعيل أدوات رقابة مجلس الشعب على الحكومة، واليوم أعضاء مجلس الشعب معنيون في وضع حلول وخطط لمشكلة تدهور سعر الصرف وارتفاع المستوى العام للأسعار وعرضها على الجهات الحكومية التنفيذية لمناقشتها من أجل الوصول إلى صيغة الحل الأفضل لهذه المشكلة».
وأضاف «من خلال واجبنا الدستوري كأعضاء مجلس الشعب في التعاون وممارسة الرقابة السياسية على أداء الحكومة، لا بد من الوقوف والاطلاع من الحكومة على الأسباب التي منعت إلى الآن من إطلاق خطة اقتصادية وطنية في مجال سعر الصرف وارتفاع الأسعار؛ والاطلاع من الحكومة حول توفر أو عدم توفر رؤية في هذا الجانب، وكذلك محاسبة كل مسؤول فاسد أو مقصر أو لا يمتلك رؤية للحل.
ورأى راغب أن المقاربة الموضوعية لهذه المسألة تستلزم معرفة الأسباب الحقيقية لهذا التدهور في سعر الصرف، وأبرزها انكماش الناتج المحلي الإجمالي بسبب توقف المعامل واستهدافها من قبل الإرهابيين بالتدمير أو التفكيك والسرقة، وحالة عدم الأمان بالنسبة لطرق النقل والتوزيع، وخروج أعمال المستثمرين، فبعض الصناعيين والتجار والمستثمرين في قطاعات مختلفة أخرجوا أموالهم مما أضعف موجودات البنوك من القطع الأجنبي وخفض فرص الإنتاج والتشغيل، كذلك اختلال حركة التصدير والاستيراد، والإجراءات القسرية الاقتصادية ضد الشعب السوري من حصار وإرهاب اقتصادي وآخرها مشروع قانون سيعزز المعدّل، بالإضافة إلى ارتفاع كلف عمليات الاستيراد وتراجع التحويلات الخارجية، وفرض حظر على استيراد النفط السوري ما أدى إلى حرمان الخزينة من أكثر من ثلث إيراداتها وبالتالي تخفيض الموازنة العامة للدولة.
وأضاف «حالياً، أجد إضافة للأسباب السابقة أن التدهور المتسارع لسعر الصرف سببه الاضطرابات والأحوال الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، فقد اهتزت الثقة لدى الكثيرين في العملة المحلية، بالإضافة إلى عمليات المضاربة التي قام ويقوم بها البعض من غير المنتمين للوطن والمأجورين المرتبطين ببعض شبكات المضاربة الخارجية، وكذلك البعض يقوم بها على مواقع التواصل الاجتماعي والهدف هو التأثير سلباً على الاقتصاد السوري وإحداث حالة من الإرباك والانهيار الاقتصادي».
أما حول تقييم الدور الحكومي والمصرف المركزي من أجل الحدّ من تدهور سعر الصرف، فقال: «نجد أن المصرف المركزي قام سابقاً بعدد من الإجراءات لم تؤد إلى نتائج ملموسة في السيطرة على سعر الصرف، بل أدت في جزء منها إلى انخفاض غير مبرر في احتياطيات المركزي، كالتدخل المباشر من خلال بيع كميات من القطع الأجنبي للمواطنين، وبيع القطع الأجنبي على شكل شرائح في المزادات العلنية، وضبط عمليات الاستيراد، وملاحقة غير كافية للمضاربين في السوق السوداء، وبالتالي أستطيع القول إنه يجب وضع خطة إستراتيجية لوقف تدهور سعر الصرف تأخذ بالحسبان ضرورة دعم القطاع الإنتاجي، خاصة القطاع الزراعي، ودعم المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة والاطلاع على توجهات الحكومة بهذا الجانب، باعتبار أن الدولة السورية تمتلك مزايا تنافسية في هذه القطاعات، وهناك قدرة عالية على التعافي وسرعة الإنتاج، وبالتالي دعم الجاهزية التنافسية للاقتصاد السوري، وتحقيق قيم مضافة عالية من خلال التصنيع والتصدير».
كما طالب راغب بفرض رسوم جمركية على كافة المنتجات الأجنبية المنافسة للمنتجات المحلية، وإعادة توجيه القطاع المصرفي للقيام بدوره الأساسي في تمويل الاستثمارات الإنتاجية خاصة القطاع الزراعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل دور مجلس النقد والتسليف بحيث تتدخل السلطات النقدية في تحديد سعر الصرف بالشكل الذي يواكب حركة السوق ويقترب من القيمة الحقيقية لسعر الصرف منعاً للمضاربة، وكذلك استمرار دراسة ترشيد تمويل المستوردات لجهة أولوية القمح والمحروقات وتوفير مستلزمات الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب، والأدوية، والاستمرار في ملاحقة المضاربين وإيقاع أقصى الجزاء بحقهم.
علي نزار الآغا