مقالات وآراء

بين الانتخابات الإيرانية وقمة «بوتين ـ بايدن».. هل تكون سورية استثناء؟

بقلم: فراس عزيز ديب 

من الخلطِ بين سورية وليبيا، مروراً بفقدانهِ التوازن، وصولاً إلى ترددهِ في الإجابة عن الكثيرِ من الأسئلةِ الصحفية، حوادث دفعت من يحضر المؤتمرات الصحفية للرئيس الأميركي جو بايدن للقول: إنه يخضع لسيطرةِ مستشاريه.
في الوقت ذاته، فإن التساؤلات حول صحةِ الرئيس دفعت زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس للومِ بايدن على القمة التي عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معللاً ذلكَ بأن هذه القمة منحت بوتين منصة مجانية للظهور.
في المبدأ العام من السذاجةِ انتظار اجتماع القطبين لإيجاد حلولٍ لمشاكلنا في هذا الشرقِ البائس، لكن في الوقت ذاته يبدو انتظار كهذا مرتبطاً بتأثير كل قطب في النزاعات العالقة، تحديداً أن التصريحات الأميركية العدائية التي أطلقها بايدن خلال حملتهِ الانتخابية تجاهَ روسية كانت مثارَ قلقٍ حولَ قدرةِ قممٍ كهذه على السيرِ بعيداً في لملمةِ النزاعات حول العالم.
عادت العلاقات الدبلوماسية بينَ القطبين واتفقا على محاربةِ الإرهاب، هذهِ كلها عناوينَ عريضة لا يمكن البناء عليها أبداً، إذ لا يمكن لرئيسين مهما علا شأنهما أن يتفقا خلال ساعةِ لقاء على كل ما يمكن أن يعكر صفوَ هذا العالم. البناء يكون بانتظارِ النتائج على الأرض، قد لا تكون قمة للاتفاق فقد تكون الاتفاقات تمت والقمة هي الجانب الاستعراضي لما سيكون عليه الوضع مستقبلاً، فهل هناك ما يشي بها؟
أولاً: تخفيض عدد الجنود الأميركيين في الشرق الأوسط
قبل الأمس، نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولٍ أميركي تأكيدهُ نبأَ سحب الولايات المتحدة ثمانية بطاريات صواريخ باتريوت من دولٍ بينها السعودية والكويت في إطار خطة الولايات المتحدة لتخفيض الوجود العسكري في الخارج، وتركيز الجهود لمواجهة الصين وروسيا. مبدئياً يبدو ربط هذا الانسحاب بمواجهة كل من الصين وروسيا كلاماً في الهواء لا معنى لهُ، لكن في الوقت ذاته فإن خطوة كهذه تتمثل بسحب قطعٍ عسكرية موكلة بطريقةٍ أو بأخرى بحماية الحلفاء التقليديين، وليسَ هروباً أميركياً من منطقةِ الخليج كما يفسرهُ البعض الآخر، كلا وجهتي النظر فيهما مبالغة لأننا لو دققنا في الوجه الآخر للحدث لوصلنا لما هو أهم: اطمئنان أميركي لمستقبل السلام في الخليج، هذا يعني أن الدول الخليجية الفاعلة أدركت تماماً أن التهديدات والتهديدات المباشرة مع إيران التي كانت ذريعة أميركية لتكديس السلاح هناك باتت من الماضي، المستقبل القادم هو لفتحِ قنوات اتصالٍ تحديداً بين إيران والمملكة العربية السعودية مهما أظهر الطرفان «تعففاً» عن ذلك، فهل ستبدل نتائج الانتخابات الإيرانية الثقة بهذا المسار؟
ثانياً: الانتخابات الإيرانية
لم تحمل نتائج الانتخابات الإيرانية أي مفاجأةٍ تذكر، إذ إن فوز القاضي السابق إبراهيم رئيسي بمنصبِ الرئيس الجديد كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعاً ربما هو النسبة العالية التي حصل عليها.
مع كل استحقاق رئاسي في إيران تزداد التكهنات حول الاتجاه السياسي للرئيس، هل هو محافظ أم إصلاحي؟ وفي الانتخابات الرئاسية عام 2013، بدت الرغبة الإيرانية بفتحِ قنوات اتصالٍ مع الغرب حول مفاوضات الملف النووي، العامل المساعد الأهم على وصول من يسمونَ أنفسهم تياراً إصلاحياً إلى سدةِ الحكم، هناك من يرى بهذهِ القراءة تقليلاً من شأن الديمقراطية في إيران، لكن على العكس فلكلِّ مجتمع ديمقراطيته التي تناسبه، وانسحاب الشخصيات المحافظة الوازنة وقتها لا ينتقص من قيمة خيار الشعب، وتسهيل وصول تيار ما للسلطة تتطلبه ضرورات المرحلة لا ينتهك قواعد هذه الديمقراطية. في الوقت ذاته يمكننا القول حسب ما يتم تسريبه من مفاوضات فيينا إن القيادة الإيرانية الجديدة ستتسلم مهامها في آب القادم والاتفاق منته لكن ماذا عن العلاقة بالخليج؟
هنا علينا العودة لعقودٍ من الزمن لنكتشف أن العلاقات الإيرانية الخليجية كانت ربما أفضل وأكثر انفتاحاً في عهد الرؤساء المحافظين، حتى ما يُحكى عن كلمة الفصل للمرشد علي خامنئي في كل ما يتعلق بذلك يبدو وكأنه قيمة مضافة، هل يملك أحد تصريحاً للخامنئي يهدد فيهِ أو يتوعد جيرانه في الخليج؟ بالتأكيد لا، لكن هل ستسمح إسرائيل بكل ذلك؟
ثالثاً: التخلص من عبء بنيامين نتنياهو
عندما ماتَ شيمون بيريز عنونت لو فيغارو الفرنسية «رحيل آخر المؤسسين»، ربما وعند انصراف بنيامين نتنياهو كان عليهم أن يعنونوا «انصراف آخر المحاربين»، بعيداً عن العداوة التي نكنها للمجرم بنيامين نتنياهو لكن لو أردنا أن نحلل المكانة التي يتمتع بها في قلب دولة الإجرام الإسرائيلية فإن علينا النظر إليها بموضوعية.
نتنياهو آخر صهيوني له تلكَ المكانة التي يتمتع بها أولئك الذين تربوا على الإيديولوجية المؤسسة للكيان الصهيوني، بعدَ عقودٍ في السلطة بنى خلالها شبكة معقدة من العلاقات في شتى المجالات والاتجاهات، وصولاً لوصفه ببطل التطبيع يبدو معها قرار التخلص منه قراراً غيرَ عادي، فهل سقطَ خيار الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية إلى الأبد؟
إن قلنا نعم، فإن الإجابة ستكون متسرعة، بل وبعدَ المواجهة الأخيرة في قطاع غزة وما حدث من إغلاق كامل للكيان وفشل المنظومات الدفاعية بحمايته، علينا أن نتبعَ كلمةَ نعم بعبارةِ إن سقوط هذا الخيار وسقوط بنيامين نتنياهو نفسه جاء لحمايةِ إسرائيل، لأن الروس والأميركيين أكثر من باتَ يدرك معنى حماقة كهذه.
نعم سقطَ هذا الخيار والإستراتيجية الجديدة للتعاطي يبدو وكأنها تستند إلى فكرةِ هدنة طويلة الأمد في غزة ورام الله، مع تولي مصر لشؤون القطاع بما فيها تجميد دعم قدرات المقاومة، هذا جل ما بات متاحاً للروس والأميركيين تقديمه، فماذا ونحن نتحدث عن مجتمع إسرائيلي أساساً بات يعاني ضعفاً في الطبقة السياسية؟
هذه الهدنة طويلة الأمد ستكون أقل من اتفاق سلام وأكبر من وقف للقتال مع ضماناتٍ دولية بشبهِ دولة فلسطينية قابلة للحياة، هنا لندقق بشكل حكومةِ العدو الجديدة، بعيداً عن الوزراء المنحدرين من أصلٍ عربي، من صاحب فكرة انضمام إحدى الشخصيات الإخوانية المشهورة في الداخل الفلسطيني للحكومة الإسرائيلية؟ هنا يصبح السؤال الأهم: أين سورية من كل ذلك؟
الحالة السورية تبدو استثنائية، فالقرار الأميركي الأخير بتخفيضِ وتيرة العقوبات الناتجة عن قانون قيصر بما يتعلق بالشؤون الإنسانية لا معنى لهُ، ولا يمكن البناء عليه للقول إنه ناتج عن قمة بوتين بايدن، إذ لا يمكن أن تدافع عن الإنسانية من جهة ومن جهة ثانية تسرق خيرات الشعوب. الوضعية الأميركية في سورية قائمة على فكرةِ وجود احتلال قائم، كل خطوة لا تبدأ بزوال هذا الاحتلال والامتناع عن دعم الانفصاليين هي خطوة لا معنى لها، مع العلم أن القيادة السورية لم تغلق يوماً باباً للحوار، وهي حكماً لن تكونَ حجرَ عثرة في وجه التفاهمات الشاملة في المنطقة بما يضمن وحدتها وسيادتها وحقوقها المشروعة، لكن هل من مكانٍ للتفاؤل بحدوث ذلك؟
محكومون بالتفاؤول، فمن الواضح أن الحلول في المنطقة لن تكون جزئية، لكن الصبر وحدهُ ما يجعلك تحقق المزيد من النقاط.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock