«سخنوت» وسقوط ورقة التوت
بقلم: رفعت إبراهيم البدوي
تشهد العلاقات بين روسيا والكيان الصهيوني نوعاً من التفسخ، يصعب معه رأب الصدع الذي أصاب الأرضية التي بنيت على أساسها، منذ عهد البروستريكا الروسية.
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 شباط الماضي، اتسمت العلاقات بين موسكو وتل أبيب بالفتور بل بالتباعد المتزايد وذلك على ضوء مواقف العدو الصهيوني المناهضة للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إضافة إلى تصويت حكومة العدو الإسرائيلي ضد روسيا بالمحافل الدولية، وصولاً إلى حديث رئيس وزراء العدو يائر لابيد عن «جرائم حرب» روسية في أوكرانيا.
لم يخف العدو الصهيوني تأييده للرئيس الأوكراني زيلنسكي، بل إن تل ابيب جنحت بوضوح نحو تدريب القوات الأوكرانية ودعمها بالعتاد والسلاح في مواجهة القوات الروسية هناك.
مؤخراً ظهرت صعوبة إيجاد لغة مشتركة بين روسيا والكيان الصهيوني، ليس فقط بسبب تعقيد العلاقات بين الكرملين ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، إنما تصدع العلاقة جاء نتيجة اكتشاف روسيا ممارسات الغدر والتجسس غير المشروعة التي نفذتها الوكالة اليهودية في موسكو «سخنوت» إضافة إلى تضارب المصالح بين البلدين في سورية وفلسطين.
وفي هذا المجال، وجهت محكمة باسماني الجزائية في موسكو، اتهامات قضائية عدة ومباشرة للوكالة اليهودية في روسيا تتعلق بانتهاكات قوانين حماية البيانات الروسية، وبتسهيل هجرة الأدمغة الروسية، وبتجنيد بعض العلماء الروس لمصلحة العدو الصهيوني، ومن المقرر اتخاذ قرار روسي بحل الوكالة اليهودية للهجرة سخنوت وإغلاقها بالاستناد إلى ممارساتها المهددة للأمن القومي الروسي.
هكذا سقطت ورقة التوت عن سخنوت، وانكشف الدور الحقيقي لهذا الوكر الذي يعج بالمؤامرات الخبيثة والتي تعدت فيها مهمة رعاية مصالح اليهود، كغطاء للقيام بعمليات تجسس منظمة لمصلحة الكيان الصهيوني، وبالغدر والخيانة حتى للدول التي تعتبر صديقة للعدو الإسرائيلي.
في الظاهر، يكتسي التوجّه الروسي إلى حلّ الوكالة اليهودية للهجرة «سخنوت»، حلّة قانونية بعد اتّهام موسكو للوكالة بأنها تجمع وتحتفظ وتنقل معطيات حول مواطنين روس بصورة مخالفة للقانون، ولذلك يجب إغلاقها. ويشير إلى نهاية العصر الذهبي بين موسكو وتل أبيب، على خلفيّة انحياز تل أبيب إلى المعسكر الغربي، بعدما بدا أن مرحلة إمساك إسرائيل العصا من المنتصف فيما يخصّ الحرب على أوكرانيا قد انتهت.
الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف وفي تصريح لافت قال يجب عدم تسييس قضية حل الوكالة اليهودية في موسكو، وإن القرار الروسي جاء بعد التحقق والتثبت من أعمال الوكالة المخالفة للقوانين الروسية، وبناء على ممارساتها التي لا تتوافق مع المصلحة القومية لروسيا.
في محضر الاتهامات التي وجّهتها وزارة العدل الروسية للوكالة اليهودية، تهمة العمل على تشجيع هجرة الأدمغة العلمية من روسيا، وبأنّها تولي أفضليّة لهجرة مواطني روسيا الذين يعملون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والطاقة والأعمال التجارية.
موقع «يديعوت أحرونوت» نقل عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: نحن في معركة حقيقة مع روسيا وإن القرار الروسي لا يتعلّق بإغلاق ماكدونالدز»، مشيراً إلى أن «إغلاق سخنوت تحت غطاء قانوني هو مسألة سياسية، ولن نسكت عنها».
من المعروف أن إسرائيل تضمّ أكثر من مليون مواطن يهودي أصولهم من الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت الوكالة اليهودية للهجرة قد بدأت نشاطاتها في روسيا في عام 1989، أي قبل عامين من سقوط الاتحاد السوفييتي. أما بعد سقوطه فقد وصل إلى الكيان الصهيوني مئات آلاف اليهود آتين من جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي السابق والذين كانت سخنوت قد أسهمت في تسهيل هجرتهم إلى الكيان الصهيوني.
وفقاً لأرقام حكومة العدو الإسرائيلي فقد هاجر 20246 روسياً إلى إسرائيل بين كانون الثاني وتموز 2022، مع ارتفاع الأعداد من نحو 700 شهرياً في شهر شباط إلى أكثر من ثلاثة آلاف في آذار، مقارنة مع 15930 روسياً هاجروا إلى الكيان الصهيوني في عام 2019 بأكمله.
تجدر الإشارة إلى أن العمل التجسسي وجمع المعلومات التي مارسته سخنوت، ليس محصوراً بروسيا بل بكل الدول العربية المطبعة مع هذا الكيان، وهكذا يتأكد لنا أن داتا الدول والمعلومات المتعلقة بالأمن القومي لكل الدول العربية المطبعة، صارت بتصرف هذا الكيان الناقض للعهود ولكل الاتفاقات، شيمته الغدر والتجسس والاغتيال، وآخرها انكشاف الخلاف بين المخابرات المصرية والإسرائيلية الناتج عن التنصل الإسرائيلي من تعهدات كان قدمها للجانب المصري قضت بعدم قصف غزه أو الإقدام على اغتيال قادة الجهاد.
خبر محاولة اغتيال الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين الملقب بملهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو، من دون شك هو رسالة موجهة إلى بوتين الذي تلقى ضربة موجعة رغم نجاة دوغين ومقتل ابنته داريا بدلاً منه ونستطيع القول إن محاولة الاغتيال قد تخطت الخطوط الحمر الروسية.
ثمن الجريمة سيكون باهظاً بالنسبة لمرتكبيها فاغتيال ابنة الكسندر دوغين نيابة عن والدها جاء بسبب أفكار ونظرية الأخير المتشددة ضد النموذج الغربي المتصهين، والتي تعتبر الدافع الأساسي لانقلاب بوتين على نظام الغرب الليبرالي المتوحش، والسعي لإعادة الوزن الدولي إلى روسيا.
بعد الهجمات الأوكرانية الموجعة على القرم، والتي نفذتها قوات غربية إسرائيلية بواسطة صواريخ جافلين الأميركية المتطورة وباسم الجيش الأوكراني، يأتي انفجار موسكو الموجع ما يعني دخول عمليات الاغتيال إلى دائرة الصراع بين روسيا والغرب، كلها مؤشرات على اشتداد أوار الحرب الجارية بين روسيا الطامحة إلى كسر الاحتكار الأميركي بحكم العالم، وبين غرب مستشرس للحفاظ على إمبراطوريته، وباعتبار أن الكيان الصهيوني هو المحرك الأساسي لهذا الغرب المتوحش ضد روسيا فهذا يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة تتمثل ببلوغ نقطة اللاعودة.
مما لا شك فيه أن توتر العلاقات بين روسيا والكيان الصهيوني آخذ بالتصاعد، رغم الجهد المبذول من الطرفين الروسي والإسرائيلي لوضع هذا التوتر في إطاره الضيق، بيد أن الساحة السورية ستكون مرشحة لترجمة هذا التوتر، وخصوصاً بعد تكرار الاستفزازات الإسرائيلية ضد الهيبة الروسية بدءاً من قصف مطار دمشق وصولاً إلى قصف بعض المواقع السورية في ميناء طرطوس على مقربة من القواعد الروسية.
هناك مقولة معلقة على إحدى قاعات الاستقبال في الكرملين كتب عليها:
من يطرق باب الكرملين بعداء يأتيه الرد مدوياً.