فوضى غير مسبوقة في مهنة الإعلام.. ومطالب بوضع حد لهذه “المهزلة”
ثلاثون ساعة تدريبية كفيلة بأن تجعلك «إعلامياً»، وأن تدخلك عالم الإعلام من أوسع أبوابه، فإذا كنت من أصحاب الحلم ما عليك إلا المبادرة والتسجيل، فقد تربحك فرصة عمل في إحدى وسائل الإعلام، بينما يقف خريجو كلية الإعلام في الضفة الثانية ينتظرون الحصول على فرصة عمل بعد أن قضوا 4 سنوات على مقاعد الدراسة.
وفي السياق وصف عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق الدكتور محمد العمر هذه المراكز بالدكاكين الإعلامية التي غايتها الربح، مؤكداً أنه لا يحق لمراكز التدريب من الجانب القانوني والمهني أن يمنح صفة إعلامي للمتدرب بغض النظر عن المدة سواء شهران أو ثلاثة أو ستة لديها.
وأضاف: يبقى خريجو كلية الإعلام يدرسون الجوانب الأكاديمية والتطبيقية بشكل مكثف لمدة 4 سنوات ولا يقال عنهم إعلاميون، مبيّناً إن صفة الإعلامي تحتاج إلى سنوات طويلة وإلى ممارسة أنواع الصحافة كافة.
وبيّن العمر في تصريحه لـ«الوطن» أنه من واجب وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين وضع حد لهذه المهزلة على حد تعبيره، مستنكراً كيف يمكن لشخص يملك المال أن يفتتح مركزاً إعلامياً ويحضر مدرّبين ليقوم باستغلال المتدربين مادياً ومعنوياً، لكون الشهادات تكون مصدقة من وزارة الخارجية، فيعتقدون أنهم تخرجوا وأصبحوا إعلاميين، لافتاً إلى وجود حديث عن العمل على الحد من هذه المراكز غير المرخصة ومحاسبتها، مشيراً إلى أنه في الفترة الأخيرة لم يتم منح أي ترخيص لأي مركز.
وتابع: يجب التأكد من مدى تحقيق أي مركز تدريب إعلامي للشروط سواء الحقيبة التدريبية أم المدربون أو الساعات التدريبية، فإذا لم يحققها يجب على وزارة الإعلام محاسبته حتى لو كان مرخصاً.
وتمنى العمر أن تكون هذه المراكز على مستوى عال من خلال توفير بنى تحتية جاهزة ومرخصة قانونياً، والاعتماد على أكاديميين وخبراء مختصين، لكون كلية الإعلام تفتقر إلى الجانب التطبيقي والعملي، وبالتالي هناك حاجة إلى مراكز تدريبية إعلامية جيدة ومتطورة ومواكبة وقانونية.
وأشار إلى أن الوزارة غير معنية بالتدريب لكون أي مؤسسة إعلامية هي مؤسسة إنتاجية، ومع ذلك نتيجة فقدان المركز الإعلامي في الكلية، تقدم وزارة الإعلام كل التسهيلات لتدريب الطلاب، منوّهاً بأن هذه الدورات ليست بالمستوى المطموح إليه، لأن مركز التدريب يختلف عن المؤسسة الإعلامية، لكون المحررين الذين يقومون بالتدريب يتابعون أشغالهم المطلوبة منهم في المؤسسة التي يعملون بها، وقد لا يعطون نحو 10 بالمئة من وقتهم للطلاب.
من جانبها أكدت نائب عميد كلية الإعلام الدكتورة نهلة عيسى أن هذه الدورات ضرورة ويجب أن تكون ثقافة في مجتمعنا فيما يتعلق بالإعلامي لكون مهنة الإعلام مهنة متجددة ومتغيرة على مدار الثواني في عصرنا الحالي، ولكن بشرط أن تستهدف هذه الدورات أصحاب المهنة العاملين بها أي الإعلاميين الذين يمارسون المهنة، لكونها تفترض امتلاك المزيد من الخبرات، وخاصة أن التعامل يكون مع الأخبار التي تعد نبعاً لا ينضب.
ورفضت عيسى أن تصبح هذه الدورات بديلاً من التحصيل العلمي الأكاديمي للإعلامي واعتبرته أمراً غير مقبول، مشيرة إلى أن الكثير من الذين يتبعون هذه الدورات غير حاصلين على شهادة تعليم إعلامي، فهم إما حاصلون على شهادات ثانوية أو ربما قليل منهم حاصل على شهادات في مجالات أخرى، ويتبعون هذه الدورات ويحصلون على شهادات توهمهم وتؤهلهم قانونياً، نظراً إلى أنها موقعة من اتحاد الصحفيين ووزارة الخارجية للتقدم لوسائل الإعلام بهدف الحصول على وظيفة هي من حق خريج الإعلام باعتباره درس على مدار 4 سنوات تعليماً أكاديمياً متعلقاً بالمهنة.
وبيّنت عيسى أن مهنة الإعلام أصبحت مهنة مستباحة إلى حد كبير وأصبحت مهنة من لا مهنة له، معتبرة أن الدليل على ذلك وجود مئات الأسماء على مواقع التواصل الاجتماعي تطلق على نفسها لقب الإعلامي، بينما هو لم يحصل سوى على الشهادة الثانوية ربما أو اتبع دورة أو دورتين عند غير المتخصصين، لافتة إلى وجود فوضى في سوق التدريب، مشيرة إلى وجود عدد كبير من المدربين ليس لهم علاقة بالإعلام، مضيفة: أعرف أنه لدي طلاب ما يزالون يدرسون على مقاعد الدراسة يقومون بالتدريب خاصة في المحافظات ويتقاضون أجوراً عالية، البعض منهم يعملون في وسائل إعلام غير وطنية، وربما يكونون مراسلين لقنوات عربية أو أجنبية لها حضور جماهيري في سورية، فيقيمون دورات ويستغلون في ذلك أسماءهم، على الرغم من أنهم لا يمتلكون حرفية أو معلومات عن قواعد المهنة، وليس لديهم الخبرة الكافية للتدريب، معتبرة أن التدريب فن وليس بالضرورة أن يكون الحاصل على شهادة الإعلام مدرباً إعلامياً.
وشددت عيسى على ضرورة ضبط هذا الموضوع، وأن يتصدى اتحاد الصحفيين لعملية ضبط سوق التدريب، مشيرة إلى أن اتحاد الصحفيين لديه شق تدريبي للإعلاميين والصحفيين ينفذه على مدار العام وهذا أمر محمود، ولكنه يقيم أيضاً دورات لغير المتخصصين لافتة إلى أن هذه الدورات يفترض أن تكون بغرض الحصول على ثقافة إعلامية لغير المتخصصين وليس مستنداً للحصول على عمل إعلامي.
وأشارت إلى وجود فوضى غير مسبوقة في المهنة، رغم أن حجم السوق صغير إلى حد كبير، منوّهة بأن من يتبعوا هذه الدورات باتوا ينافسون خريجي الإعلام على سوق العمل الضيق ما يشجع وسائل الإعلام على الاستعانة بهم لأن أجورهم قد تكون أقل من أجور خريجي الإعلام، مضيفة: هذه ظاهرة غير محمودة وتنعكس سلباً على المهنة وعلى العاملين فيها.
وإلى ذلك يعتبر الدكتور في كلية الإعلام أحمد الشعراوي أن التدريب مهم جداً وهو الطريق الأوحد لإحداث نقلة وتطور بشرط أن يكون المدرب خبيراً لا يبحث عن المال، إضافة إلى ضرورة أن يكون المركز التدريبي وفقاً للمعايير الدولية للتدريب، متفقاً مع وصف العمر بأن بعضها يكون أشبه بالدكاكين لا ترقى لأن تكون بمستوى معهد تدريبي، مشيراً إلى أن أي مركز تدريب يسعى إلى التجارة مع مدرب فاشل يؤدي إلى الإساءة لعملية التدريب الجيد والمدرب الجيد.
ولفت إلى وجود بعض المراكز التي تبحث عن المدرب الجيد ولا تسعى إلى التجارة، كون عملية التدريب رسالة وليست تجارة، ومن ثم هي غير مربحة ولا تجني المال، مضيفاً: إذا كان قصدك الربح فمن الأفضل أن تفتتح محل ألبسة أو مصنعاً أو شركة، مؤكداً دور الدولة في عملية التدريب الحقيقي التي تعد صعبة جداً على المدرب والمتدرب أيضاً، لأن المدرب يجب أن يبذل أقصى طاقته لإيصال المهارة إلى المتدرب، لكونه في وسائل الإعلام لا يوجد من يقوم بالتعليم، لأن من يمتلك مهارة لا يعطها لعدو محتمل، بما أنه تعلمها بصعوبة وربما دفع عليها المال وربما دفع من عمره ليتعلمها.
ويرى الشعراوي أن صفة الإعلامي مسؤولية كبيرة جداً، أصعب من أن يحملها أحد أو أن يطلقها على نفسه، معتبراً أنه من المعيب لشخص ما أن يكتب كلمة إعلامي قبل اسمه فهذا لقب يطلقه الناس وتطلقه مكانة الشخص في المجتمع ودوره ورد الفعل الذي يصدر عن الجمهور، مشيراً إلى أن الإعلامي الحقيقي دائماً في حالة خوف وتوجس لأنه دائم الشعور بأنه لم يكتسب المعلومات الجديدة كافة، أما الفقاعات قد يبحثون عن الشهرة دون أن يكونوا مشهورين وقد يبحثون عن المجد دون أن يمتلكوا أدنى إمكانياته لذا هم لن ينجحوا.
جلنار العلي