«قمة النصر» أم «قمة الأسد وابن سلمان»؟
جدة – وضاح عبد ربه
قد يحلو للسوريين أن يطلقوا على القمة العربية التي ستنعقد غداً في جدة عنوان قمة «النصر» لسورية.. ويحق للسوريين أن يفرحوا بعودة بلدهم إلى الجامعة العربية بعد اثني عشر عاماً من تعليق عضويته وأن يتمنوا من العرب العودة عن الخطأ أو الأخطاء، وإصلاح ما يمكن إصلاحه في سورية وتجاوز الماضي – بلغة الدبلوماسية السورية- والتطلع إلى المستقبل والعمل العربي المشترك وتحصين المنطقة والشعوب العربية من العواصف الآتية نتيجة التغييرات العالمية و«ولادة» عالم جديد..
لكن، بعيداً عن اللغة الدبلوماسية، ومن أرض جدة في المملكة العربية السعودية، يمكن الجزم بأن القمة لن تكون إلا «قمة الأسد وابن سلمان»، وقمة عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية بين البلدين ولقاء الملك سلمان بن عبد العزيز بعد طول انقطاع بهدف إعادة نسج علاقات سورية سعودية مبنية على قواعد ثابتة أساسها: سيادة واستقلال القرار العربي ورفض الإملاءات الخارجية والتدخل في شؤون البلدان الداخلية والعمل لمصلحة الشعوب وليس لمصلحة دول لا همَّ لها سوى الهيمنة وفرض القرارات التي تخدم مصلحتها فقط.
جدة باتت بالفعل غير.. إذ لم يعد ذلك شعاراً كما كان منذ عقود من الزمن.. وكذلك الرياض وكل مدن المملكة التي تعيش نهضة استثنائية يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان الطامح لجعل بلاده في مصاف الدول المتقدمة التي تعتمد على الإنسان أولاً ومن ثم على الموارد الطبيعية والصناعات الثقيلة وعلى السياحة والترفيه، والأمن والاستقرار محارباً كل فكر رجعي وظلامي منتهجاً سياسة «تصفير» المشاكل التي قد تعترض رؤيته ومشروعه الذي أعده بعناية لبلاده ولمواطنيه.
أحد الدبلوماسيين العرب أسرّ إلى عدد من الإعلاميين أنه على الرغم من عدم المعرفة الشخصية بين الرئيس الأسد والأمير محمد بن سلمان، إلا أن الزعيمين لم يتوقفا عن إرسال التحية والرسائل من خلال شخصيات كانت تلتقي الطرفين..
ومن هذه الرسائل، رسالة شكر وجهها الرئيس الأسد إلى الأمير محمد على محاربته التطرف والفكر الظلامي، مؤكداً أن ذلك لا يخدم فقط المملكة العربية السعودية، بل كل الدول العربية التي كانت ولا تزال ويجب أن تبقى رمزاً للفكر المعتدل المبني على المحبة والتسامح والحوار بين الشعوب والأديان.. أما ابن سلمان فكان يردد لزواره أن بلاده لم تعد طرفاً في الحرب على سورية وأنه شخصياً غير معني بالماضي ويتطلع إلى أفضل العلاقات مع دمشق.
قد يكون من المبكر الحديث عن تفاؤل، أو عن استثمارات عربية كبرى آتية إلى سورية، فالعقوبات الأميركية ما زالت بالمرصاد وتستهدف كل الشعب السوري ومن يدعمه أو يمد يد العون له.. وهذا الكلام يمكن سماعه في كواليس الاجتماعات التحضيرية لقمة جدة.. لكن هذا لا يلغي أن قمة جدة ستدخلنا مرحلة جديدة في العلاقات مع عدة دول عربية باتت مصممة على ضخ بعض المال في سورية، ليس تحدياً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن لوضع حد لأزمة النازحين التي تغرق عدة بلدان عربية مثل الأردن ولبنان، معبرين عن قناعتهم أنه آن الأوان لإعادة تأهيل المناطق المدمرة وتمهيد الطريق لعودة كل سوري إلى منزله ووضع حد لهذه المعضلة التي تكلف المليارات ولا يريد أحد حلها لما يحققه البعض من منفعة مادية أو سياسية واستخدام ملف النازحين للضغط على الدولة السورية.
في جدة، كل الأنظار تتجه إلى اللقاء بين الرئيس بشار الأسد والأمير محمد بن سلمان وإلى اللقاءات التي سيعقدها الرئيس الأسد مع عدد من قادة الدول العربية الذين سيبدؤون بالتوافد اعتباراً من اليوم الخميس إلى جدة.
فالحدث في جدة ليس انعقاد القمة العربية فقط، وخاصة أن انعقادها بات أمراً عادياً لا تكترث له الشعوب العربية نتيجة عدم فاعلية هذه الجامعة على المستوى العربي والعالمي، بل الحدث هذا العام وفي هذه القمة بالذات هو إعادة الروح إلى العلاقات الثنائية بين سورية وأغلبية الدول العربية وتحصينها استعداداً للمرحلة القادمة التي تتطلب تنسيقاً وعملاً عربياً مشتركاً، يحدد موقع العرب في الخريطة العالمية الجديدة، ويمنع الانقسام ويعيد الأمن والاستقرار إلى كل الدول العربية التي تعيش شعوبها نزاعات مفتعلة لا هدف منها سوى الاستيلاء على ثرواتهم الطبيعية.
صمدت سورية، وانتصر الرئيس الأسد بقوة شعبه وجيشه، وشجاعته وإدراكه المبكر بأن سورية لا يمكن أن تُهزم، فحنكة قائدها وثقلها السياسي وموقعها الجغرافي كانت الضمان لتحقيق هذا الانتصار.
صحيح الثمن كان باهظاً، لكنه بكل تأكيد كما قال الأسد: إنه أقل بكثير من ثمن الاستسلام وتسليم سورية للقوى الظلامية التي يطلق عليها «معارضة» بدل «إرهاب» تم تسليحها وتمويلها بهدف تدمير الدولة السورية وقتل السوريين.
في الساعات القليلة المقبلة، ستعيش جدة ومعها عدد كبير من عواصم العالم لحظات استثنائية ذات أبعاد سياسية عديدة، وهي لحظات وصول الرئيس بشار الأسد إلى أرض مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة. وفي هذه اللحظات لا يمكن إلا أن نتذكر الجهد الكبير الذي قامت به الجزائر وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً الشيخ محمد بن زايد وتونس وبغداد، وكل من وقف مع سورية وعمل على نصرة الحق، ومنهم بكل تأكيد الصين وروسيا اللتان دفعتا باتجاه استعادة سورية لمقعدها العربي ووضع حد للحرب الدامية على الشعب السوري المستمرة منذ 12 عاماً.
في مثل هذه الأحداث التاريخية، لا تنفع الكلمات وستكون الصور هي التي تعبّر عن انتصار سورية، وقوة شعبها.
لذلك لننتظر هذه الصور وندعو اللـه ونحن على بعد كيلومترات قليلة من مدينة مكة المكرمة أن يلهم كل العرب العزيمة والقوة لإحقاق الحق والعودة عن أخطاء الماضي، ونصرة سورية والسوريين.