مقالات وآراء

قمة واشنطن مع إفريقيا ومضاعفاتها على أوروبا

بقلم | تحسين حلبي

الدول الاستعمارية الكبرى ما تزال بعد مئة عام على اقتسامها للمستعمرات في قارة إفريقيا وآسيا قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى، تحاول المحافظة على مصالحها الاستعمارية بشتى الطرق والوسائل، ومن هذه الوسائل عقد القمم بين الدول الاستعمارية والدول الإفريقية لاستغلال الفقر والتخلف الذي ولدته في البلدان التي احتلتها في إفريقيا في القرنين الماضيين، فهي تفضل الآن اتباع طرق حديثة تعيد فيها الاقتسام هذه المرة بين الولايات المتحدة وبين الدول الأوروبية.
ما سبق يفسر لجوء هذه الدول الأوروبية إلى عقد مؤتمر قمة هو السادس لقادة إفريقيا مع الاتحاد الأوروبي في شباط عام 2022 ثم عقد مؤتمر لقادة إفريقيا مع الولايات المتحدة لوحدها في كانون الأول في العام نفسه، ويتبين من هذين المؤتمرين عدد من الحقائق والملاحظات أهمها أن تنافساً يجري بين واشنطن والاتحاد الأوروبي على استغلال شعوب إفريقيا بعد أن وجدت هذه الكتلة الكبيرة من الدول الغربية صاحبة التاريخ الاستعماري في إفريقيا، أن دولة كبرى هي الصين تنافسهما بطريقة غير استعمارية ومن دون أن يكون في تاريخها مع هذه الدول الإفريقية ما يمس سيادتها وحريتها على النقيض من التاريخ الاستعماري لدول الغرب، فقد لاحظت الدول الاستعمارية أن الاقتصاد الصيني وسهولة تعامله النزيهة والمتوازن مع الدول الإفريقية منذ عشر سنوات بدأ يغلق أبواباً كثيرة أمام قدرتها على المنافسة وهذا من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الاستغلالية والاحتكارية لدول الغرب وتعطيل قدرتها المألوفة في جني الأرباح على حساب شعوب إفريقيا.
أما الولايات المتحدة فوجدت أن مصالحها كقوة إمبريالية كبرى بدأت تتعارض حتى على صعيد المنافسة مع حلفائها في دول أوروبا، وليس فقط مع الصين القوة المناهضة لسياساتها الإمبريالية في العالم كله.
القمة التي أعدها الرئيس الأميركي جو بايدن لزعماء إفريقيا في الأسبوع الماضي وإعلانه بتخصيص 55 مليار دولار من الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات لمصلحة الدول الإفريقية، أصبحت تشكل ضربة وأزمة لدول الاتحاد الأوروبي التي لم يمر على قمة وعودها للدول الإفريقية سوى تسعة أشهر، وفي تلك القمة الأوروبية – الإفريقية لم يظهر مثل هذا السخاء الذي عرضته واشنطن، وهذا ما يجعل قمة واشنطن مع قادة الدول الإفريقية تشكل محاولة احتكار أميركية تلحق الضرر بالدول الأوروبية وليس بالصين وحدها.
ففي أوروبا توجد 29 دولة، كما أن أكثر من نصف الدول الإفريقية، 54 دولة، يطلق عليها دول الفرانكوفون، التي احتلتها فرنسا في القرنين الماضيين، وهي تستند للغة الفرنسية في ثقافتها واقتصادها، وتعدها باريس في عصر ما بعد الاستعمار، ساحات تأثيرها ونفوذها ومصدر مصالحها، ويبدو أن التحرك الأميركي بمبلغ 55 مليار دولار وغير المسبوق في العلاقات الأميركية مع إفريقيا إضافة لإعطائها العضوية للمؤتمر الإفريقي في منظمة دول العشرين، سيشكل تحدياً فرضه الحليف الأميركي على الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا وألمانيا التي كانت فرنسا توزع لها منذ عقدين بعض المصالح داخل مستعمرات فرنسية سابقة.
ربما يدل هذا على وجود تقاسم بريطاني أميركي أنغلو ساكسوني يجمعها مع أستراليا وكندا ونيوزيلاندا، وهي الدول الناطقة بالإنكليزية التي شكلت تحالفاً سياسياً يطلق عليه اسم «أوكوس» وينبثق عنه تحالف استخباراتي يسمى «خمسة أعين»، فبريطانيا هي الدولة الاستعمارية التي تقاسمت مع فرنسا قارة إفريقيا وولدت عشر دول ناطقة بالإنكليزية منها نيجيريا أكبر الدول الإفريقية، ودولة جنوب إفريقيا، وأصبح من مصلحة بريطانيا بعد خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي أن تعود لوحدها إلى مصالحها ونفوذها في تلك الدول التي استعمرتها سابقاً، وتفضل أن تكون الولايات المتحدة حليفها التاريخي معها كقوة قطب واحد، وبهذه الطريقة ستظل شعوب إفريقيا تكافح من أجل حماية استقلالها ومصادر ثرواتها من أشكال استغلال وهيمنة نفس المستعمرين الذين قاومتهم لانتزاع استقلالها وحريتها، وفي هذه الظروف ستجد أن عالم الاستعمار القديم وهيمنته لن يكون في مقدوره إعادة استغلالها لأن عالم اليوم يوجد فيه قوى كبرى مثل الصين وروسيا تحمل أهدافاً تناهض هيمنة الإمبريالية على مقدرات الشعوب ومستقبل ازدهارها وربما يدل هذا الوضع على أن عالماً متعدد الأقطاب أصبح يشق طريقه، فقد سجل التاريخ في البداية مرحلة تقاسم بريطانيا وفرنسا للمستعمرات ثم سجل مرحلة كفاح الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية مدعومة من الاتحاد السوفييتي من أجل استقلالها، وها هو التاريخ يسجل أن ما بعد حرب الغرب على روسيا في أوكرانيا لن يعود فيه العالم إلى ما كان عليه قبل تلك الحرب، بل سيكون عالماً يشارك في وضع قواعد نظامه جميع القوى وكل الشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock