سوريةسياسة

هكذا فقط يمكن تغيير أو تعديل دستور الجمهورية العربية السورية

أكد رئيس اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس الشعب الدكتور أحمد الكزبري أن أي تعديل جزئي في الدستور يجب أن ينطلق من الدستور النافذ واتباع الآلية المحددة فيه للتعديل الجزئي، وأن وضع دستور جديد هو من اختصاص السلطة التأسيسية الأصلية المختصة والمنتخبة من الشعب والتي يجب أن تعبر عن رأي الشعب الذي هو صاحب القرار.

وأوضح الكزبري، أن تعديل الدستور جزئياً يتم بناء على اقتراح رئيس الجمهورية وكذلك بناء على اقتراح ثلث عدد أعضاء مجلس الشعب وفي كلتا الحالتين يجب أن يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.

ولفت الكزبري إلى أن وضع دستور جديد لا يوجب إجراء انتخابات جديدة سواء كانت رئاسية أم تشريعية، إلا إذا نص الدستور الجديد على ذلك صراحة في الأحكام العامة والانتقالية.

وفي إطار الحديث عن مناقشة إجراء تعديلات على الدستور السوري في مؤتمر الحوار الوطني السوري المرتقب في مدينة سوتشي الروسية أو من خلال مسار جنيف، التقت «الوطن» بعضو الوفد المفاوض في جنيف والخبير القانوني الذي شارك في وضع الدستور الأخير للجمهورية العربية السورية عام ٢٠١٢ المحامي الكزبري.

وقال الكزبري في شرحه لكيفية وضع دستور جديد: يعرف الدستور على أنه مجموعة المبادئ والقواعد الأساسية العليا التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة ويحدد السلطات العامة فيها ويرسم وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها.

وأضاف: «فمن الناحية القانونية، يقع الدستور في قمة الهرم القانوني للدولة، فالدستور هو المرجعية الأساسية للقوانين والتشريعات، ولا يجوز أن يأتي أي قانون متناقضاً مع مبادئ الدستور أو خارج إطارها، ومن الناحية السياسية، يحدد الدستور طبيعة الدولة إن كانت جمهورية أو ملكية، ونظام الحكم فيها سواء أكان رئاسياً أم برلمانياً أم شبه رئاسي، ويتناول السلطات الثلاث من حيث كيفية نشوئها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها، ويحدد شكل العملية السياسية والتفاعلات الديمقراطية، ويرسم فلسفة الحكم المحلي والهيكلة الإدارية للدولة، ويوثق الدستور الشخصية والهوية المتفردة للأمة، وبالنسبة لدولة عريقة مثل سورية، فالدستور لا ينشئ هذه الشخصية بل يصفها وينص على الضمانات التي تحمي هوية الدولة ولغتها وقيمها الأساسية.

وذكر الكزبري، أنه من الناحية الحقوقية، ينص الدستور على حقوق الأفراد وحرياتهم السياسية والدينية والفكرية والمدنية، وأشار إلى أن الدستور يعمل كعقد اجتماعي، يوضح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، ودور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية وتنظيم النشاط الاقتصادي بما يحقق التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع.

وأوضح الكزبري، أن الدستور في الأنظمة الديمقراطية يوضع وفق أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الشعبي.

وأضاف: «يصدر الدستور وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح نافذاً فور صدوره من هذه الجمعية من دون استفتاء شعبي، مثلاً في أميركا أصدر الكونغرس المنعقد في جمعية تأسيسية الدستور الأول عام ١٧٨٧ الذي ما زال معمولاً به حتى الآن، وفي فرنسا دستور عام ١٧٩١ وضعته وأقرته الجمعية الوطنية التأسيسية، وفي سورية دستور عام ١٩٥٠ صدر عن جمعية تأسيسية، تحولت بعد إنجازها لهذه المهمة إلى مجلس للنواب، لذا فإن هذه الجمعية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية.

إلا أن هذه الطريقة بحسب الكزبري تحتوي العديد من المخاطر يمكن تلخيصها بـ«احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود، بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات الأخرى»، «الاعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه الأخيرة على جميع الاختصاصات، ما قد يخلق عجزاً وانسداداً أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت الأزمات»، «احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور، وهذا فعلا ما حدث في دستور الجمعية الفرنسية الرابعة سنة ١٩٤٦، ما بدد الطاقات والمجهودات».

وأوضح الكزبري، أن الأسلوب الثاني لوضع الدستور وهو أسلوب الاستفتاء الدستوري حيث ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة، إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل الأمر إلى جمعية منتخبة من الشعب (فرنسا دستور الجمهورية الرابعة الصادر عام ١٩٤٦) الذي وضعت الجمعية مشروعه ثم عرض على الاستفتاء الشعبي، أو معينة من الحكومة بناء على تكليف صادر عن البرلمان (فرنسا دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام ١٩٥٨) الذي وضعت مشروعه لجنة حكومية ثم عرض على الاستفتاء الشعبي، أو من لجنة خاصة مشكلة بقرار جمهوري خصيصاً لهذا الغرض (سورية دستور عام ١٩٧٣ ودستور عام ٢٠١٢) الذي وضعت مشروعه ثم عرض على الاستفتاء الشعبي، ووفق هذا الأسلوب لا تصبح لمشروع الدستور قيمة قانونية إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه، ويعد تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.

وإن كان الدستور يوضع وفق لجنة مشكلة بمرسوم رئاسي أو أنه يتم تشكيلها من مجلس الشعب؟، قال الكزبري: عندما يتعلق الموضوع بتعديل جزئي فيجب الانطلاق من الدستور النافذ واتباع الآلية المحددة فيه للتعديل الجزئي، أما عندما يتعلق الموضوع بوضع دستور جديد فالسلطة التأسيسية الأصلية هي المختصة والتي يجب أن تعبر عن رأي الشعب الذي هو صاحب القرار ولا يوجد عليه أي قيد في ذلك.

ورداً على سؤال، إن كان وضع دستور جديد يوجب انتخابات جديدة سواء كانت رئاسية أم تشريعية؟ ، قال الكزبري: لا ليس بالضرورة إلا إذا نص الدستور الجديد على ذلك صراحة في الأحكام العامة والانتقالية، فمثلاً نصت المادة /١٥٦/ من دستور الجمهورية العربية السورية على إجراء الانتخابات التشريعية في ظله خلال تسعين يوماً من تاريخ إقراره بالاستفتاء الشعبي.

وحول كيفية اقتراح تعديل الدستور سواء أكان جزئياً أم كلياً؟ وما الأوقات التي يجب فيها التعديل؟، قال الكزبري: يتم تعديل الدستور جزئياً بناء على اقتراح السيد رئيس الجمهورية وكذلك بناء على اقتراح ثلث عدد أعضاء مجلس الشعب وفي كلتا الحالتين يجب أن يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.

وأضاف: يقدم اقتراح التعديل إلى مجلس الشعب الذي يقوم بتشكيل لجنة خاصة من خمسة وعشرين عضواً يراعى الاختصاص في اختيار أعضائها للبحث في اقتراحات التعديل، ثم يعرض تقرير اللجنة الخاصة على المجلس فإذا أقره بأغلبية ثلاثة أرباع عدد أعضائه عُدَّ التعديل نهائياً ويُبلغ إلى السيد رئيس الجمهورية ويدرج في صلب الدستور، أما إذا رفض المجلس اقتراح التعديل فلا يجوز إعادة عرضه قبل انقضاء سنة من تاريخ الرفض.

وتابع: أما تعديل الدستور كلياً فقد سبق الإجابة عنه في معرض الجواب عن السؤال السابق.

ورداً على سؤال، إن كان تعديل بعض مواد الدستور يوجب استفتاء شعبياً أم يكتفى إقرارها من مجلس الشعب ومن إصدارها بموجب مرسوم؟ ، قال الكزبري: في حالة التعديل الجزئي لا حاجة لذلك أما في حالة التعديل الكلي فيجب عرضه على الشعب واستفتائه فيه.

وإن كان يؤيد فكرة الاستفادة من دساتير دول أخرى، وإن تم ذلك أثناء وضع الدستور الحالي للبلاد؟ ، قال الكزبري: إن دراسة القانون الدستوري هو دراسة النظام السياسي من الزاوية القانونية ولا يمكن تفسير النظام السياسي لدولة ما إلا بالرجوع إلى نظامها الاقتصادي والاجتماعي والعقائد السائدة فيها والقيم والتقاليد الثقافية لشعبها، فمن الضروري الاطلاع على دساتير الدول الأخرى ولكن ما ينطبق على مجتمع ما قد لا ينطبق على غيره، فالمجتمع هو مجموعة من الناس تعيش معاً في شكل منظم ترتبط فيما بينها بعلاقات اجتماعية وثقافية، وسورية تقوم على عدد من المكونات وعندما تعتمد مبدأ المواطنة فلا تستطيع الدخول في تفاصيل هذه المكونات، فالمجتمع يحترم الجميع ضمن إطار المواطنة، المواطن له حقوق في الدولة وعليه واجبات تجاهها.

وردا على سؤال، إن كان يشترط أن يكون واضعو الدستور من الحقوقيين أم إنه يجوز مشاركة غيرهم؟، قال الكزبري: الدستور هو وثيقة سياسية قانونية وهو عقد اجتماعي، فيجب أن يشارك في وضعه نخبة من ممثلي الشعب سواء أكانوا حقوقيين أم سياسيين.

محمد منار حميجو – الوطن اون لاين

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock