هل ينتقل الصراع إلى منبج..؟«درع الفرات» تصل «الباب» و«غضبه» تقترب من السمان بريف الرقة الشمالي
بدأت الميليشيات المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات» التركية، حملة عسكرية للسيطرة على مدينة الباب بريف حلب الشمالي، وذلك وسط قصف جوي مدفعي تركي على مواقع تنظيم داعش في المدينة. وفي الغضون اقتربت «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أميركياً من بلدة السمان في ريف الرقة الشمالي.
وعسكرياً، تراجعت فرص «قوات سورية الديمقراطية» في إطلاق معركة الباب. ويبدو أن السباق على المدينة حسم لمصلحة الميليشيات المدعومة من تركيا. وبإمكان «الديمقراطية» نظرياً الإطباق على الباب عبر فكي كماشة من اتجاهين هما، منبج، تل رفعت. مع ذلك من الواضح أن تلك «الديمقراطية» خرجت من السباق على المدينة، فـ«الديمقراطية» لا تملك الدعم الجوي، كما أنها تتمركز في مواقع تبعد عن الباب أكثر من 15 كيلو متر من جهة الغرب (محور تل رفعت).
وبعد سيطرة الميليشيات المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات» التركية على المناطق المتاخمة للباب من ناحية الشمال باتت في موقع عسكري يمكنها من تعطيل أي مبادرة لـ«الديمقراطية» باتجاه الباب. ويبدو أن واشنطن حسمت أمرها، بأن تكون الباب من حصة الميليشيات المدعومة تركياً، خصوصاً أن طائرات سلاح الجو التركي والتحالف الدولي تشن غارات داعمة لعناصر تلك الميليشيات. وإذا ما سيطرت ميليشيات «الجيش الحر» المشاركة في عملية «درع الفرات» على الباب فليس واضحاً ما إذا كانت ستتجه إلى منبج وبعدها إلى الرقة كما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما ستكون تداعيات ذلك على العلاقات الأميركية التركية. ويطالب الأتراك بخروج «وحدات حماية الشعب» الكردية من مدينة منبج. وترفض واشنطن هذا الأمر. ومؤخراُ، تحركت «الديمقراطية» لتعزيز وضعها العسكري في منبج عبر السيطرة على محيط العريمة قرب الباب، ناقلة خطوط المواجهة المستقبلية حول منبج إلى أقرب نقطة من الباب. وطلبت واشنطن ضمانات من أنقرة بعدم التوجه إلى منبج بعد الباب، مقابل دعمها بغارات طائرات التحالف في السيطرة على المدينة الأخيرة. لكن تركيا رفضت إعطاء هذه الضمانات. وستجد الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب وحرج للغاية إذ نفذ أردوغان تهديداته بالسعي للسيطرة على منبج بعد الباب، خصوصاً أن «الديمقراطية» المسيطرة على منبج هي رأس الحربة في عملية الرقة، التي أطلقها «التحالف الدولي» ضد داعش الأسبوع الماضي. ومن المرجح أن تسعى الميليشيات المدعومة تركياً إلى السيطرة على منبج بعد الباب، مستغلة حالة انعدام وزن تعيشها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وانتقال السلطة في واشنطن، وفوز دونالد ترامب المعجب بأردوغان بانتخابات الرئاسة الأميركية.
هذه الاعتبارات المتعارضة قد تدفع وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» إلى التباطؤ في دعم عملية الباب، وتسييرها بالتوازي مع عملية الرقة.
ويبدو أن إدخال قافلة أسلحة ثقيلة من إقليم كردستان العراق تضم دبابات وسيارات مصفحة يدخل ضمن مخطط «البنتاغون» لتسريع عملية الرقة، وبالتالي فرض توافق بين «الوحدات» والأتراك في شمال سورية يقوم على قبول «حماية الشعب» دور تركي في الرقة مقابل قبول الأخيرة بوجود «الوحدات» في منبج.
وذكرت وكالة «الدرر الشامية» المعارضة أمس أن «فصائل الجيش الحر بدأت معركة السيطرة على مدينة الباب». وبدوره، تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض عن استشهاد شخص على الأقل وسقوط جرحى في مدينة الباب جراء «قصف مكثف بقذائف المدفعية ومن قبل طائرات حربية يعتقد أنها تركية» على مناطق في المدينة.
وأوضح المرصد أن قصف الباب جاء بالترافق مع وصول الميليشيات المدعومة تركياً، إلى تخوم المدينة. وتقع الباب على مسافة 30 كلم من الحدود التركية، وطالما شكلت هدفاً لحملة «درع الفرات» التركية. في المقابل، أعلنت وكالة «أعماق» المقربة من داعش عن مقتل مدني وإصابة ثلاثة آخرين جراء قصفٍ مدفعيّ قالت: إن مصدره الدبابات التركية، استهدف مدينة الباب. وفي صباح الأمس، سيطرت الميليشيات المدعومة تركياً، على سبع قرى بمنطقة الباب، هي قرى سوسيان- الدانا – عولان – قديران – حوزان – تل الهوى). والأخيرة أهمهم لأنها التي ترصد بشكلٍ كاملٍ مدينة الباب.
وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن «لم يعد هناك مفر للجهاديين في الباب سوى الطريق المؤدية إلى الرقة التي تمر عبر مدينة دير حافر جنوباً». وذكر عبد الرحمن في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، أن القوات التركية والميليشيات المتحالفة معها طردت الجهاديين من مساحة تبلغ «2500 كيلو متر مربع في المنطقة الحدودية مع تركيا».
وخلال الأيام الخمسة الأخيرة، سيطرت الميليشيات المدعومة تركياً، على 22 قرية بريف حلب الشمالي الشرقي. وعزت مصادر محلية هذا التقدم إلى قلق الأتراك وحلفائهم من وصول «حماية الشعب» إلى المدينة قبلهم. ونقلت وكالة «الأناضول» عن المصادر التي فضلت إغفال أسمائها لدواع أمنية، أن المليشيات المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات» التركية، سرّعت خلال الأيام الأخيرة من وتيرة هجومها باتجاه مدينة الباب بعد رصدها محاولات تقدم من وحدات حماية الشعب الكردية تجاه المدينة.
في المقابل، عزا مدير المرصد هذا التقدم إلى «الدعم التركي وانسحاب الجهاديين من مناطق عدة من دون خوض معارك».
واستطالت معارك «الديمقراطية» وعمادها «حماية الشعب»، والتي يدعمها «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، مع داعش على مدار أسابيع عدة. ولقد استمرت معركة عين العرب بريف حلب الشرقي (2014) لأكثر من ثلاثة أشهر، في حين انتهت معركة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي (2015) خلال شهر واحد، ومعركة الشدادي بريف الحسكة الشرقي (2016) خلال شهر ونصف، وامتدت معركة منبج بريف حلب الشمالي (2016) لشهرين.
في المقابل، استمرت معارك الميليشيات المدعومة تركياً مع داعش، ليوم واحد (!) مثل: (جرابلس، اخترين، احتمالات)، أو أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة مثل دابق.
ومع اقتراب المسلحين المدعومين تركياً وعناصر «حماية الشعب» من الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، تصاعد التوتر بين الجانبين في الريف الشمالي الغربي من حلب. وعلى ما يبدو تبادل الطرفان السيارات المفخخة فيما بينهما. وأفادت مصادر إعلامية أن سيارة مفخخة انفجرت في مدينة إعزاز، الخاضعة لسيطرة ميليشيات «الجيش الحر»، بعد ساعات من انفجار سيارة أخرى بحاجز لـ«وحدات الحماية الشعبية» في منطقة عفرين المجاورة.
وأوقع انفجار السيارة المفخخة على طريقٍ مزدحم قرب أحد الدوارات في المدخل الغربي لمدينة إعزاز (من ناحية مدينة عفرين)، العديد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الذين تم نقلهم إلى المستشفيات الميدانية القريبة.
وأكدت المصادر أن حصيلة الضحايا قابلةٌ للزيادة بسبب خطورة بعض الإصابات، وتواردت أنباء عن ارتفاع حصيلة الضحايا إلى ثلاثة قتلى. وصباح أمس، ضرب انفجارٌ حاجزاً لـ«حماية الشعب» في منطقة عفرين المجاورة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 50 عنصراً من «حماية الشعب» بين قتيل وجريح. ورجّحت وكالات أنباء كردية أن يكون هذا الانفجار جراء غارة جوية تركية على المنطقة.
وفي مؤشر على الحساسية تجاه واشنطن، تحدث قائد حركة «أحرار الشام الإسلامية» أبو يحيى الحموي ما وصفها بمحاولات الولايات المتحدة لإعاقة نجاح عملية «درع الفرات»، وذلك في تصريحات لموقع «تايم ترك» التركي.
على صعيد عملية الرقة، وصلت قافلة شاحنات أميركية محملة بأسلحة وذخائر من إقليم كردستان العراق إلى مناطق سيطرة «حماية الشعب» التابعة لـ»بيدا»، في محافظة الحسكة، وذلك بعد أيام من إلقاء طائرات أميركية شحنة أسلحة وذخائر للوحدات في شمال الرقة، بحسب موقع «زمان الوصل» المعارض.
ورجحت مصادر أن تكون القافلة متجهة إلى محافظة الرقة، حيث تتواصل عملية غضب الفرات التي أطلقتها قوات سورية الديمقراطية الأسبوع الماضي لمحاصرة وعزل مدينة الرقة قبل اقتحامها وتطهيرها من عناصر داعش.
كما دارت اشتباكات عنيفة على محور شرق البليخ في قرى خنيز، حيث سيطرت «الديمقراطية» على قريتي «خنيز شمالي» و«خنيز وسطاني»، لتنتقل الاشتباكات إلى قرية «خنيز جنوبي»، قبل أن يفجّر تنظيم داعش عربة مفخخة بالقوات المتقدمة.
وبحسب مصادر أهلية فإن سيطرة مسلحي القوات الديمقراطية على «خنيز جنوبي» سيفتح لها الطريق للانتقال إلى الضفة الغربية لنهر البليخ عبر طريق وجسر يصلها بقرية «الطويلعة» شمال بلدة «تل السمن»، الهدف الأهم حالياً لهذه القوات بعد سيطرتها على قرية «الهيشة» الجمعة الماضية.
ودارت اشتباكات عنيفة قرب قرية «الحيوي» بين الطرفين، استهدف خلالها تنظيم داعش مواقع تحالف «قوات سورية الديمقراطية» بقذائف الهاون من مواقعه في قرية الحمود.
وفي غضون ذلك، واصل مواطنون النزوح من قراهم في الريف الشمالي للرقة إلى مناطق بعيدة عن العمليات العسكرية وقصف التحالف.
أنس وهيب الكردي – وكالات