هل 2017 بداية انحدار اقتصاد التعاون الخليجي و عودة تجارة الإبل ؟
2017 بدأ تراجع الرهان على اقتصاديات الخليج، رافقه ظهور للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها، وعام 2020 سيكون العام الحاسم للممالك والدويلات الخليجية فقد استشعر المستشارون الأجانب الاقتصاديون والماليون الذين يعملون لدى دول مجلس التعاون الخليجي بالخطر المحدق بهذه الدول. حيث لاحظ العالم الجلبة التي أحدثتها تصريحات الرئيس الأميركي ترامب بخصوص الخليج وما يتعلق بالخطط الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية، والتي تلاها إجراءات وقرارات للبنك المركزي الأميركي وبالذات بالنسبة لأسعار الفائدة التي سيكون لها تأثير كبير في الأوضاع الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي. وهذا الأمر يأتي بسياق حرب اقتصادية غير معلنة على هذه الدولة حيث بدأت بتخفيض سعر برميل النفط الذي أثر بشكل كبير في الواردات لتلك الدول حيث تراوحت أسعار النفط عند مستوى 57 دولاراً للبرميل محققه انخفاضاً لأكثر من ثلثي قيمتها منذ منتصف عام 2014. ويضاف إلى ذلك قيام الولايات المتحدة الأميركية بتوريط تلك الدول في تمويل التيارات الإسلامية المتشددة من أجل تنفيذ المشروع الأميركي في المنطقة والذي سمي الربيع العربي. حيث شرعت دول مجلس التعاون الخليجي لتنفيذ هذا المشروع استنادا إلى إرادات شخصية بعيده كل البعد عن إرادة شعوبها. إضافة إلى توريط المملكة السعودية بحربها على اليمن وبتمويل سعودي صرف من دون أي تمويل من الولايات المتحدة الأميركية.
إن المراقب لما يتخذ من قرارات في دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات والتي تخص التقشف والبدء بخلق ضرائب لم تكن موجودة سابقا يلاحظ تراجعاً في الاقتصاد حيث فرضت الإمارات ضريبة على الدخان والمشروبات الغازية أي المواد الأكثر استهلاكا من 50% إلى 100% ورفعت بدلات التأمين إلى 130% والكهرباء 30% وتم إقرار ضريبة القيمة المضافة الانتقائية. أما في السعودية فتم فرض ضريبة على راتب كل مقيم ما بين 400 إلى 800 ريال إضافه إلى إصدارات سندات الدين والتوجه في الحصول على السيولة من مستثمرين أجانب لعدم كفاية السيولة في تلك الدول نتيجة انخفاض موارد النفط إلى الثلثين. وبدأت دول مجلس التعاون الخليجي باستغلال جودة تصنيفها الائتماني رغم قيام مؤسسات التصنيف بالعديد من التخفيضات الائتمانية. إلا أن الاستمرار بهذه الآلية والرهان على التصنيف الائتماني سيهتز بشكل كبير جداً نتيجة تعاظم الديون في هذه الدول وبالأخص عندما يصيب الضعف الصناديق السيادية المرتبطة بإيرادات النفط المتراجعة والتي ستتراجع في السنين القادم نتيجة بذل الجهود العالمية للاعتماد على الطاقات البديلة والغاز. فدراسة المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي. تشير إلى أن دول الخليج ستعاني اقتصادياً بشكل خانق ما سيؤدي إلى تراجع كل المؤشرات المالية لهذه الدول وستظهر الإشارات السلبية في أسواقها بحلول عام 2020 حيث التراجع سيكون تدريجياً خلال السنوات الأربع القادمة. خلالها سنرى انهياراً لشركات عقارية وصناعية ومالية عملاقة إضافة إلى انهيارات اجتماعيه قد تؤدي إلى حراك دامٍ بتلك الدول وحركة هجرة كبيرة لرجال الأعمال والشركات والعمالة.
لنبدأ من سياسات ترامب الاقتصادية التي تعتبر خطوة إضافية في الحرب الاقتصادية على دول الخليج فالخطوة الأولى ذكرناها أعلاه والتي تخص تمويل الحروب والحركات الإسلامية المتشددة والفوضى الخلاقة واعتماد الطاقة البديلة كالنفط الحجري والغاز والطاقة الشمسية.
وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتخفيضات ضريبية وإنفاق على البنية التحتية وتخفيف القواعد التنظيمية.
تعطي مثل هذه التغييرات دفعة لسياسة مالية تضخمية وأكثر توسعا وأكثر قوة لزيادات الفائدة والتي ستؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية التي ستجبر مجلس الاحتياطي الفدرالي على رفع أسعار الفائدة وستكون في حزيران، وربما يقرر زيادتين فقط للفائدة بحلول نهاية العام. فقد قام البنك المركزي الأميركي 2017 برفع معدل الفائدة مرة أخرى، بعد المرة الأولى التي تمت في أيلول الماضي، ومن المتوقع أيضاً أن يتم رفع معدلات الفائدة على مدار العام الجاري من 3 إلى 4 مرات. وقد قام البنك الفيدرالي بالتركيز في الفترة الماضية على عاملين أساسين هما التضخم ومستويات قوة الاقتصاد الأميركي، والتي تم على أساسها صدور قرار رفع معدل الفائدة بنسبة 0.25% في نهاية العام الماضي.
توجهات ترامب
إن توجهات ترامب للإنفاق على البنية التحتية والتي تستهدف النقل والفضاء والاتصالات والعقارات والطاقة البديلة إنما يهدف منها إلى امتصاص البطالة وتوسيع الاستهلاك وخلق سوق مستقبليه للولايات المتحدة الأميركية أكثر انتشارا وتوسعا في العالم مع لحظ تراجع هذه السوق أمام العملاق الصيني.
إن الاستثمارات في البنية التحتية ستؤدي في المستقبل إلى تخفيض التكلفة للإنتاج وارتفاع القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي. ترامب في الواقع يخطط لتقوية البيت الداخلي الأميركي اقتصادياً ويخطط لانتخابه للمرة الثانية حيث سيحصد نتائج تجعله بطلاً قومياً بامتياز.
إن أي اقتصادي يقوم بتحليل ما طرحه ترامب سيلحظ أن مشاريعه بحاجه إلى سيولة هائلة. وجمع هذه السيولة يلزمه سياسات نقدية دقيقة جدا. ومهما كانت هذه السياسات محكمة فإن الاقتصاد الأميركي سيواجه التضخم لا محالة، حيث سترتفع الكتلة النقدية في التداول نتيجة امتصاص البطالة وما تحتاجه مشاريع البنية التحتية من رأس مال ضخم. أمام ذلك نجد أن مجرد الإعلان عن سياسة اقتصادية من ترامب وقبل اعتمادها وبمجرد قيام الفدرالي الأميركي بخطوة أولية بسيطة، فإن هذه الأمور خلقت جلبة في المصارف المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي ودعتها لاتخاذ قرارات سيكون لها أثار مؤلمة على الاقتصاد والمجتمع فهل المجتمع الخليجي المرفه سيكون قادراً على تحمل هذه الآلام؟
إن رفع أسعار الفائدة الذي أعلنت عنه دول مجلس التعاون الخليجي بواقع 25 نقطة تعتبره رداً على رفع الفدرالي الأميركي لسعر الفائدة في أيلول 2016 هذا الأمر أدى إلى زيادة تكاليف الديون المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن ردة فعل البنوك المركزية الخليجية كانت تستهدف الحفاظ على ربط عملاتها بالدولار الأميركي. أما فيما يتعلّق بقرار السعودية بالإبقاء على معدل اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) من دون تغيير، فنرجح أن يكون لضمان توافر السيولة بمستويات مريحة في النظام المصرفي، وللتدخل، لمنع أسعار فائدة الاقتراض بين البنوك من الارتفاع بشدة. وقد أوضح بنك الكويت المركزي أن خطوة رفع سعر الخصم رداً على رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة كان الهدف من ورائها المحافظة على استمرار تنافسية وجاذبية العملة الوطنية كوعاء للمدخرات المحلية. ووفقاً لحسابات «كامكو»، يتوقع أن ترتفع تكاليف الاقتراض في الكويت بما يقرب من نسبة 11 بالمئة. إلا أنه حتى بعد ارتفاع أسعار الفائدة بين البنوك لأجل ليلة واحدة، فإن أسعار الفائدة بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر قد شهدت اتجاهات مختلطة، حيث ارتفعت في السعودية والكويت وقطر، إلا أنها تراجعت في الإمارات من 1.4029 بالمئة إلى 1.3336 بالمئة، وذلك على الأرجح فإن البنوك تقدم على الإقراض بشروط أبسط. (كامكو للبحوث هي شركة كويتية معنية بمتابعة آخر التطورات والاتجاهات في أسواق المال الإقليمية والعالمية وتحليل آخر المستجدات المالية والتطورات والإحصاءات الاقتصادية).
وعلى الرغم من إبقاء بعض البنوك المركزية أسعار الفائدة من دون تغيير في أعقاب رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة بهدف الحفاظ على مستويات مريحة من السيولة في نظامها الاقتصادي، فإنه يتوقع أن تنعكس أي زيادات مستقبلية في أسعار الفائدة على أسعار الاقتراض بين البنوك، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في المنطقة.
أضاف تقرير كامكو للاستثمار إن تراجع أسعار النفط على مدى العامين الماضيين دفع بالدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى استهداف سياسات كانت قد تعتبر في ظروف أخرى غير قابلة للتحقيق، مؤكداً وجود حاجة ملحة في الوقت الحاضر لجمع رؤوس الأموال لتمويل عجز الموازنات المتوقع في المستقبل القريب، وذلك لأن الفائض المتراكم خلال العقد الماضي أو نحو ذلك لن يكون كافياً إلا لمساندة العجز المستقبلي لفترة محدودة فقط.. ما ورد في تقرير كامكو صحيح فمن خلال مراقبة إصدار السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية في عام 2016 تقريباً مقارنة بالعام السابق بسبب الإصدارات السيادية الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي التي استهدفت سد عجز الموازنة. وقد كان إصدار السعودية لسندات عالمية بقيمة 17.5 مليار دولار في أيلول 2016 هو الإصدار الأكبر للسندات على مستوى الأسواق الناشئة، متخطياً بمراحل الإصدار القطري الذي سبقه خلال العام بقيمة 9 مليارات دولار. وعلى الرغم من أن إجمالي قيمة السندات التي أصدرتها السعودية خلال عام 2016 يساوي تقريباً السندات الإماراتية، فإن هناك فارقا شاسعا في تكوين تلك الأدوات. ففي حالة السعودية كانت الحكومة هي المقترض الوحيد، على حين أنه في الإمارات قامت المؤسسات بالاقتراض. أما الكويت فقد قامت بجمع أموال من خلال إصدار سندات الدين بنهاية عام 2016. إلا أن الحجم الهائل للسندات السعودية جعل الكويت وغيرها من الاقتصادات الإقليمية تأخذ وقفة لترى كيفية استقبال السوق لهذا الطرح المهول. مما سبق نجد أن هناك تعاظماً للحاجة للسيولة يدفع باتجاه الاستدانة وهذه الحاجة ستؤدي إلى استغلال الدول لها لترفع فوائدها ما سيرفع معه التكلفة، وهذا الأمر سيؤدي إلى إرغام دول مجلس التعاون الخليجي لاتباع سياسات نقدية ستؤدي بنهاية المطاف إلى ارتفاع الديون بتكاليف عالية مقابل انخفاض الموارد. وبالتالي فارتفاع تكلفة الإقراض سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وما سيساعد أيضاً في ارتفاع الأسعار هو الارتفاع الذي اعتمدته دول الخليج على أسعار المشتقات النفطية ما سيزيد من التكلفة. سيقابل ذلك انخفاض في قدرة الدخل على الاستهلاك وتراجع في دوران الكتلة النقدية المتداولة ما سيشكل ضغوطاً على تلك الدول لرفع الأجور وهذا سيؤدي بالنهاية إلى التضخم وتراجع كبير في القوة الشرائية لعملتها. وما سيزيد في إضعاف القوة الشرائية هو إصرارها على ربط عملتها بالدولار الذي سيتعرض لتضخم نتيجة مشاريع البنية التحتية وهذا التضخم سيعطي دفعاً إضافياً لإضعاف القوة الشرائية لعملات دول مجلس التعاون الخليجي. مع الإشارة إلى الحاجة المتزايدة للسيولة في السعودية نتيجة تنفيذ الإستراتيجية التنموية التي طرحها ولي ولي العهد السعودي إذا توفرت القدرة على تنفيذها والتي لن تتحقق لأن الضغوط المالية والاقتصادية ستحول دون تحقيقها مع بشائر العجز التي بدأت تعاني منه المملكة وسياسة التقشف أكبر دليل على ذلك.
ارتدادات للبية
إن هذا الوضع الاقتصادي سيكون له ارتدادات سلبيه على الاستثمارات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي وسيترك تأثيرات سلبية في الاستثمارات الأوروبية بهذه الدول. كما سيؤدي إلى خضات قوية في الصناديق السيادية لهذه الدولة، ولغاية 2020 سنشهد انهيارات لهذه الصناديق. وهذا الأمر سينعكس سلبا على موضوع العمالة وبالأخص الآسيوية حيث سيتم تخفيض العمالة ونتيجة ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب ستتراجع تحويلات العمالة إلى بلدانها والتي تبلغ اليوم ما قيمته 140 مليار دولار سنويا والدول التي ستتأثر بذلك مصر الهند الفلبين سيرلانكا الباكستان والتي تشكل سوقاً استهلاكية بالنسبة لمنتجات الدول الأوروبية ما سينعكس سلبا على أوروبا. وستعاني تلك الدول من ارتفاع نسبة البطالة وزيادة في المشاكل الاجتماعية. وأيضاً ستكون لبنان وتركيا من أكثر الدول تأثراً بالوضع الاقتصادي والاجتماعي لدول مجلس التعاون الخليجي فعائدات السياحة ستنخفض بنسبة عالية في السنوات الأربع القادمة ما سيخلق مشاكل اقتصادية لهذه الدول. يضاف إلى ذلك قيام سورية ولبنان ومصر خلال هذه الفترة باستثمار الغاز المكتشف وهو بكميات هائلة ما سينعكس سلباً على أسواق النفط الخليجي الذي يتراجع الاعتماد عليه عالميا وهذا سيشكل ضربة مؤلمة ثانية لموارد الخليج من النفط. وفي واقع الحال إن ما نشهده في سورية سببه وجود الغاز وشعور دول النفط الخليجي بالخطر المحدق بهم فحاولوا السيطرة مستميتين من خلال منظمات إرهابية إلا أنهم فشلوا في ذلك. وثمن فشلهم سيدفعونه غاليا اقتصادياً واجتماعياً.
أتمنى على السوريين أن يمتلكوا الرؤية الصحيحة للمستقبل الآتي، والذي سيثبت لهم أن رهاناتهم على دول الخليج وتركيا خاسرة، وأن رؤية الدولة السورية بخصوص علاقاتها مع دول البريكس وبالأخص روسيا ستكون لها ارتدادات إيجابية تحمي الاقتصاد السوري من ارتدادات الوضع الاقتصادي السيئ الذي ستواجهه دول مجلس التعاون الخليجي خلال أربع السنوات القادمة ولن ينقذها من ذلك إلا العودة للرؤية السورية. فالسؤال هل سيعيد التاريخ نفسه ونشهد ازدهارا لتجارة التمر والإبل ويعود الخليجيون للعمل ببيارات البرتقال في فلسطين.
للحديث تتمة
الوطن اون لاين