وزهق الباطل..
لا يمكن لنا نحن السوريين إلا أن نبتهج لخسارة حزب أردوغان انتخابات بلدية إسطنبول بعد أن أعيدت للمرة الثانية، وضخ فيها الزعيم الإخواني كل إمكاناته وإمكانات حزبه الإخواني لكسبها، فكان قرار الشعب التركي مخيباً لآماله وتطلعاته في استعادة أصوات ناخبي المدينة التي حكمها لسنوات وأوصلته إلى سدة الرئاسة، وأوصلته إلى مقولته الشهيرة: «من يحكم إسطنبول يحكم تركيا»، مقولة سيعمل على نفيها اعتباراً من الآن بعد صفعة سياسية قاسية له ولمن يمثلهم.
سبب ابتهاجنا أن نتائج انتخابات إسطنبول لابد وأن تؤدي إلى لجم أحلام وأوهام أردوغان بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، نتائج ستعيده وحزبه، إلى الواقع الذي خطته شعوب المنطقة بتضحياتهم ودمائهم، عاموده، بأن لا مستقبل للإخوان المسلمين في قيادة الدول وتهديد الشعوب الحرة، ولا مستقبل لمن يستثمر في الإرهاب ويدعمه ويموله، ولا مكان لمن ينفذ أبشع الجرائم باسم الدين، ويؤسس لإمبراطوريات من المال الفاسد وينهب الدول والشعوب، ويقلب الدساتير، ويشخصن مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ويوزع المناصب، كل ذلك فقط لأنه توهم أنه السلطان الذي يعيد بناء الإمبراطورية!
في سورية لم نكن يوماً متوهمين، وكنا، شعباً وقيادة، ندرك أن مصير أردوغان لن يختلف كثيراً عن مصير حلفائه وزملائه في التنظيم الإخواني الذين سقطوا واحداً تلو الآخر، ولو طال الزمن، فالديمقراطية لا يمكن أن تكون بوابة تستغلها لاستلام المنصب، ثم تغلقها لتمارس أبشع أنواع الاستبداد!
مبتهجون نعم، وفرحون أيضاً، وننظر إلى هذه النتائج على أنها نصراً لشهدائنا وجرحانا وجيشنا الذي يقاتل جيوش أردوغان الإرهابية في وسط وشمال سورية ويسحقهم وينتقل من نصر إلى آخر، إيماناً وعقيدة منه أن الشعوب لا تهاب الإرهاب العابر للحدود ولا تتنازل عن حريتها وكرامتها ولو كلفها ذلك أغلى ما تملك.
نبتهج لأن خسارة أردوغان وحزبه، تعني أن تركيا باتت اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه عام ٢٠١١ حين كان «سلطانها» يحلم بالصلاة في الجامع الأموي، وباتت اليوم منشغلة بصراع سياسي داخلي قد يمهد لانتخابات رئاسية مبكرة تطيح برأس هرم الإخوان، وببيدق من بيادق المتآمرين على سورية، الأمر الذي قد يعيد هذه الدولة إلى دورها الطبيعي كدولة إقليمية تحترم حدودها الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، وعدم التدخل في شؤون الدول وخاصة دول الجوار وتكافح الإرهاب، لا تدعمه ولا تستثمر فيه.
نعم فرحون ومبتهجون ومبتسمون نحن في سورية لأن الشعب التركي وسكان إسطنبول تحديداً انتصروا للحق، ولأننا نحن في سورية كنا وما زلنا منذ عام ٢٠١١ على حق ونقاتل من أجله، فلا بد لنا أن نستبشر خيراً بالأيام والأشهر القادمة بأن ما شعره أردوغان من خسارة وخيبة لا بد أن يشعره أيضاً كل من بني سعود وبني خليفة وكل من قتل روحاً سورية واحدة، وكل من تآمر علينا، علماً أن فرحنا وابتهاجنا ظهر مع هزيمة كل رئيس دولة من الدول «الصديقة» لسورية والذين كانوا يرسلون المال والسلاح للإرهابيين لقتلنا وتقسيم وطننا، ومنوا جميعهم بهزيمة سياسية، سطرها أبطال الجيش السوري والسوريون عموماً بصمودهم والتفافهم حول قيادتهم.
يقول البعض: إن أردوغان ضعيف أفضل من «لا أردوغان»، وإن الحراك السياسي والأحزاب المرشحة للفوز في المستقبل التركي قد لا تكون في صالح ومصلحة دمشق، لكن وعلى الرغم من هذه الرؤية، أجزم أنه لا يمكن أن يكون لسورية عدو كأردوغان قتل وشرد ملايين السوريين، وعمل كل ما في وسعه وسخر قدراته وقدرات بلده واستقدم عشرات الآلاف من الإرهابيين من أنحاء العالم بهدف تدمير الدولة السورية وتقسيمها.
مجدداً نعم نحن مبتهجون فرحون، وتكتمل فرحتنا مع تحرير آخر شبر من الأراضي السورية ومع سقوط أردوغان وهزيمة بني خليفة وبني سعود ومحور التطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي، ومع سقوط ما يسمى بصفقة القرن التي تهدف إلى بيع القضية الفلسطينية ببضعة قروش سيسددها المستعربون ويقدمونها هدية لإسرائيل لعلها ترضى عنهم وتثبتهم في عروشهم.
لنتذكر دائماً أن الحق لا بد أن ينتصر ولو بعد حين، ومن ينصره اللـه لا غالب له.