وزير التعليم العالي: مسابقة أعضاء الهيئة التدريسية خلال تشرين الأول بشكل قطعي
تأخر كبير في إسعاف المنظومة التعليمية بدماء جديدة من أساتذة الجامعات، في الوقت الذي تعلم فيه وزارة التعليم العالي حجم المشكلة والحلول كما نعلم أيضاً أن عدداً من الأساتذة الكبار في السن رفضوا التمديد لأسباب صحية ومرضية ولأسباب مادية بحتة أحياناً كي يتمكنوا من ولوج الجامعات الخاصة رغبة في راتب الجامعات الخاص، الذي يقارب 1000 دولار على أقل تقدير على حين لا يتعدى راتب الجامعة الحكومية 150 دولاراً للدكتور برتبة أستاذ.
هذا الأمر أكدته مصادر جامعية لـ«الوطن» مبينة أن هناك نقصاً ملموساً وواضحاً في عدد الأساتذة وتحديداً في الاختصاصات الطبية والهندسية، ومنها العمارة والمعلوماتية إضافة إلى الكيمياء في العلوم، وغيرها من المجالات المطلوبة في الجامعات الخاصة، في الوقت الذي يقدر فيه راتب الأستاذ الجامعي بـ90 ألف ليرة أو أقل من ذلك.
وأضاف أحد عمداء الكليات لـ«الوطن»: بسبب هذا الأمر يفضل عدد من الأساتذة التقاعد وعدم التمديد للتفرغ بشكل كامل للجامعة الخاصة، ناهيك عن تأثير الأزمة في تسرب أعضاء الهيئة التدريسية أو حالات الوفاة.
وقال: من الملحّ المسارعة في إصدار مسابقة أعضاء الهيئة التدريسية بالسرعة القصوى وبمختلف الاختصاصات وسط المغريات المتوافرة في الجامعات الخاصة، ومطالباً بتحسين دخل الأستاذ الجامعي، منوها بأن عدداً من الأساتذة سافروا قبل الأزمة ولم يعودوا وأصبحوا بحكم المستقيل، مؤكدا أن راتب الأستاذ الجديد لا يتجاوز الـ60 ألف ليرة.
تأتي المسابقات كل خمس سنوات خجولة جداً وبأرقام مخجلة فالجامعات التي تحتاج إلى آلاف الأساتذة منحت عشرات الأساتذة فقط وفي الوقت الذي يعاني الكثير من الأقسام شحاً شديداً ونقصاً مخيفاً في الأساتذة، كما هناك نقص حاد في أعضاء الهيئة التدريسية والأساتذة المختصين وخاصة ما يحدث من نزيف للأساتذة في الكليات الطبية والهندسية حيث تم الاعتراف منذ سنوات طويلة بأن معظم الموفدين إلى خارج القطر لمصلحة الأقسام والكليات اعتكفوا عن العودة منذ عام 2011 وبأن 25 بالمئة من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات قد سافروا إلى خارج البلاد، وما يزيد الطين بلةً كما يقال أن الأساتذة الذين كانوا قبل الأزمة في سن الخمسين قد أصبحوا اليوم في سن التقاعد.
وتقدر المؤشرات أن نسبة تفوق الـ60 بالمئة من أساتذة الجامعات أعمارهم بين الـ55 و65، بمعنى أن كادر هذه الجامعات أصبح على أبواب التقاعد وملاك الجامعات لم يتم توسيعه منذ الثمانينيات، بحيث كان عدد الطلاب آنذاك عدة آلاف بينما اليوم أصبح في سورية قرابة مليون طالب جامعي، ولم يتم زيادة عدد الأساتذة الذين لا يتجاوز عددهم 4700 أستاذ فقط بحسب «ما صرح الوزير مؤخراً» مقابل أكثر من 30 جامعة حكومية وخاصة.
والغريب أيضاً أن الوزير كان قد صرح أنهم في صدد الإعلان عن مسابقة أعضاء هيئة تدريسية وإلى اليوم مر على هذه التصريحات أكثر من 9 أشهر و«كأنك يا أبو زيد ما غزيت»!
هذا الأمر يطرح أسئلة كثيرة عن أسباب التأخر، حيث تساءل الدكتور علي من قسم هندسة العمارة: هل يعقل أن يحتاج الإعلان إلى كل هذا الوقت والجهد مع العلم بأن من يعد الإعلانات هي الجامعات بشكل مستقل تماماً، وتعلن عنه كل جامعة على حدة، كما أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من توجيه فقط من الوزير للجامعات لطلب الاحتياجات ومن ثم تنظيم الإعلان!
من جانبه قال الدكتور المحامي طارق: «إن الاحتياجات حددت وفق قانون تنظيم الجامعات بشكل واضح وصريح لكل 100 طالب جامعي عضو هيئة تدريسية واحد كحد أدنى، بينما بحسبة بسيطة فإن كل 3000 طالب مقابل عضو هيئة واحد وهذا يعتبر كارثة تعليمية من حيث جودة الخريجين الذين سينهضون بالبلد مستقبلاً».
هذا وعلمت «الوطن» من مصادر خاصة أن بعض الأقسام ليس على ملاكها أي أحد، والبعض الآخر يقوم 4 أو 5 بتدريس 60 و65 مقرراً جامعياً بينما يجب أن يكون على ملاك أي قسم تم افتتاحه وفق قانون تنظيم الجامعات 25 مدرساً على أقل تقدير!
الكثير من الطلبة الذين التقتهم «الوطن» طرحوا أسئلة كبيرة تقع على عاتق المسؤولين في الوزارة أهمها «جامعات حكومية وكليات وأقسام عديدة افتتحت وليس فيها أي كوادر تستطيع أن تخرج جيلاً من المختصين المؤهلين كي يدخلوا السوق فأين الوزارة من الطاقم التعليمي لهذه الجامعات؟ وهل هي راضية عن واقع هذه الجامعات والكليات؟ ولماذا كل هذه المماطلة في ضخ دماء جديدة ترتقي بها الجامعات وتنهض بجيل من الخريجين الجدد وخاصة الاختصاصات التي لها احتكاك مباشر مع الناس كالطب والصيدلة والهندسة وغيرها؟
هذا وحصلت «الوطن» على مجموعة مؤشرات تعطي انطباعاً كاملاً عن حجم المعاناة التعليمية في بعض الأقسام والكليات في جامعات مختلفة وسنسرد بعضاً منها: قسم علوم البناء والتنفيذ في كلية الهندسة المعمارية بإحدى الجامعات يمتلك صفر عضو هيئة تدريسية من أصل صفر أستاذ..، ونظريات تاريخ العمارة في كلية الهندسة المعمارية يمتلك 3 مدرسين فقط وهم على أبواب التقاعد.
كما أن قسم تخطيط المدن يمتلك 9 أعضاء هيئة ومعظمهم تقدموا بطلبات تقاعد، كما أن قسم الهندسة الطبية الذي افتتح في إحدى الجامعات منذ أربعة أعوام يمتلك على ملاكه صفر عضو هيئة مختص، علماً أن العام القادم سيشهد تخرج أول دفعة من هذا القسم العتيد، كما أنه في قسم التصميم والإنتاج عدد الأساتذة الذي خسرهم القسم خلال عامين 7 أعضاء هيئة والبقية معظمهم على أبواب التقاعد في السنوات القليلة القادمة..، وهناك أستاذ واحد يقوم بتدريس 3 و4 مقررات وحتى أكثر في بعض الأقسام.. وفي إحدى كليات الحقوق هناك حوالي 30 ألف طالب حقوق بين حكومي وموازي ومفتوح بينما أعضاء الهيئة التدريسية لا يتجاوزون 60 عضواً فقط.
نستخلص مما سبق حجم المعاناة والنقص الكبير في عدد الأساتذة، الذي لم نجد له أي تفسير أو مبرر رغم الكثير من التصريحات، ولماذا لا يتم استيعاب خريجي الدكتوراه في الأقسام التي تخرجوا منها والذين لا يتعدى عددهم جزءاً يسيراً جداً من حاجة هذه الأقسام لهم بعد أن تكلفت الجامعة عناء تعليمهم سنوات طويلة قبل أن تتلقفهم جامعات الخارج برواتبها المغرية؟ وهل فعلاً أعطت الوزارة توجيهاتها للجامعات للبدء برصد وتحديد احتياجاتها الفعلية، كما كان يحدث في المسابقات الماضية حيث كان هناك أقسام لا تمتلك أي أساتذة ولم ترفع احتياجاتها على الإطلاق «بقدرة قادر» فكيف مر هذا الأمر؟ وكيف وضعت هذه الاحتياجات؟
بدوره كشف وزير التعليم العالي بسام إبراهيم لـ«الوطن» عن اهتمامه المباشر بالتنسيق مع رؤساء الجامعات بتسريع الإعلان عن المسابقة خلال تشرين الأول كحد أقصى وبشكل قطعي.
وبين إبراهيم أنه وإلى تاريخه يتم تعيين عدد من الأساتذة من المسابقة الماضية، كاشفاً عن ترميم 470 عضو هيئة تدريسية بموجبها.
وعن عدم وجود أي عضو هيئة على ملاك بعض الأقسام، قال إبراهيم: هناك عدد من الأساتذة لا يتقدمون لهذه الأقسام، مبرراً أن سبب التأخير هو الانتهاء من أمور المسابقة الماضية، كما تم الإعلان عن مسابقة أعضاء الهيئة الفنية في الجامعات من حملة الماجستير.
ولفت وزير التعليم إلى شمولية المسابقة لمختلف الاختصاصات، مع التركيز على الصيدلة والعمارة والمعلوماتية وطب الأسنان والطب البشري، وعدد من المقاعد للتربية والزراعة، مع رصد الشواغر في الأقسام وخاصة من الأساتذة المتقاعدين.
وكشف إبراهيم أن ألفي معيد تم إيفادهم قبل الأزمة ولم يعودوا.
مضيفاً في سياقه: نسبة الإعارة من الجامعات الحكومية 20 بالمئة بعد العرض وموافقة المجالس الجامعة المختصة وحسب الحاجة وبما لا يؤثر في العملية التعليمية في الجامعة الأم.
فادي بك الشريف