إسرائيل تستبدل الحرب بالتهويل
بقلم: رفعت إبراهيم البدوي
بعد إخفاق حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي يترأسها بنيامين نتنياهو، في محاولاته لاحتواء الاحتجاجات والانقسام العمودي، الذي ضرب المجتمع ومجمل مفاصل الكيان الإسرائيلي الغاصب سياسياً وعسكرياً جراء قرار التعديلات القضائية، التي أقرها الكنيست الإسرائيلي مؤخراً، لم يعد أمام الكيان من حيل سوى استبدال القوة بصراخ الخائف، منبهاً من خطر خيمة حزب اللـه التي نصبت داخل الأراضي اللبنانية، في محاولة يائسة من حكومة نتنياهو للتغطية على تآكل قوة إسرائيل من الداخل.
إذاً تحتج إسرائيل على قيام «حزب الله» اللبناني بنصب خيمة على الحدود، منذ حزيران الماضي، كما طلبت إسرائيل من الدبلوماسية الفرنسية الضغط على لبنان لإزالتها، على حين رفض لبنان الضغوط الفرنسية معللاً ذلك بأن الخيمة أقيمت داخل الأراضي اللبنانية، مع المطالبة بانسحاب إسرائيل من الجزء اللبناني من قرية الغجر.
نتنياهو عقد جلسة للحكومة المصغرة خصصت لتقييم الأوضاع على الحدود مع لبنان، وخصوصاً فيما يتعلق بالخيام التي نصبها «حزب الله» واستعراض عدة سيناريوهات محتملة بهذا الخصوص، وعقب الاجتماع صرح نتنياهو بأنه سيعمل على إزالة خيم حزب اللـه ولو بالقوة.
وزير أمن العدو الإسرائيلي يوآف غالانت، أعلن بأنه صدّق على خطط عسكرية في حال تدهور الأوضاع على الحدود مع لبنان، موعزاً برفع مستوى الاستعداد لسيناريوهات مختلفة على طول الحدود مع لبنان.
في مقابل ذلك أكد الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر الله، أن «الحزب جاهز لكل الاحتمالات» محذراً العدو الإسرائيلي من ارتكاب أي حماقة تجاه لبنان، جاء ذلك في كلمة له، خلال مراسم إحياء ذكرى العاشر من محرم، وفي لهجة حازمة وصارمة موجهة لأعداء لبنان، وبشكل مباشر قال نصر الله: إن «المقاومة اللبنانية لن تتهاون بالتعدي على سيادة لبنان، وستكون جاهزة للردع والمواجهة والتحرير أمام أي حماقة إسرائيلية»، مضيفاً: إن «المقاومة لن تتأخر في الدفاع عن لبنان وسيادته، ولن تتخلى عن مسؤوليتها الوطنية أمام الكيان المترنح»، وتابع: «إن إسرائيل تتحدث بوقاحة عن استفزازات المقاومة، في حين هذا الكيان الغاصب مستمر في احتلال الأرض ولاسيما في قرية الغجر اللبنانية»، مؤكداً أن «المنطقة لن ترتاح قبل اقتلاع الغدة السرطانية»، في إشارة إلى الكيان الإسرائيلي.
أمام التهديدات المتبادلة في ظل التوتر القائم، بدت الصورة مقلقة وكأننا أمام حرب واقعة لا محالة، وغاص البعض في تحليلات وبوضع سيناريوهات للحرب الواقعة مع العدو الصهيوني من خارج إطار الوضع الإسرائيلي المأزوم والآخذ بالتآكل أصلاً، وهنا يهمنا الإضاءة على بعض التوصيات التي رفعتها مراكز الدراسات الاستراتيجية العسكرية التابعة للعدو الصهيوني إلى القيادتين السياسية والعسكرية، فبعد دراسة طويلة ومعمقة أفضت نتائجها إلى التوصيات التالية:
*صحيح أن حزب اللـه يعتبر التهديد الأكبر على إسرائيل، لكن علينا الاعتراف بأن أي صدام مع حزب اللـه اللبناني من شأنه إظهار الحزب بصورة المنتصر مهما كانت النتائج الإسرائيلية إيجابية.
- الجبهة الإسرائيلية الداخلية الأمنية والاقتصادية، غير متهيئة لاستقبال الآلاف من الجرحى والقتلى والمشردين الإسرائيليين، جراء آلاف صواريخ حزب اللـه التي ستطول كل بقعة في إسرائيل، وخصوصاً في ظل تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية وتزايد العمليات العسكرية في جنين وفي مختلف مناطق الضفة.
- إذا ما حصل أي تطور عسكري جدي مع لبنان وتحديداً مع حزب الله، فإن هذا التطور لن يبقى محصوراً مع الحزب بل سيشمل كامل المحور المدعوم من إيران وسورية، أي من الجولان حتى الناقورة ومن غزة وصولاً إلى جنين والضفة وهنا ستقع الكارثة حسب التوصيات الإسرائيلية.
- إن الكلام عن ضرورة افتعال حرب إسرائيلية محدودة مع حزب اللـه للهروب من أزمتنا العميقة في الداخل الإسرائيلي أو لشد العصب الصهيوني وإعادة اللحمة والتكاتف بين المكونات الإسرائيلية، هو كلام لن يجدي نفعاً لأننا في حال من التآكل وتراجع قوة الردع الإسرائيلي في مقابل تعاظم قوة حزب اللـه التي أصبحت الهم القاتل لاستمرار الكيان.
- ننصح بتجنب الحرب المحدودة أو الشاملة مع حزب اللـه والاكتفاء باستعراض بعض من قوتنا في المناطق التي لا تسبب بفتح جبهة أو جبهات حرب متعددة لأنها ستؤول من دون أدنى شك إلى ذوبان ما بنيناه في 75 عاماً.
إذاً المعادلة باتت مكشوفة، التهديدات الإسرائيلية بالتدمير واستهداف المدنيين وإعادة اللبنانيين إلى العصر الحجري، لن تكون من طرف واحد، بل إن الكيان الإسرائيلي سيكون معرضاً للعودة إلى ما قبل 1948، وبرأينا المتواضع فإن جيش العدو الصهيوني الذي وصف يوماً بأنه لا يقهر، لن يكون باستطاعته المبادرة إلى الحرب مع حزب اللـه لأنه حتماً ومع التأكيد، سيقهر وسيهزم شر هزيمة.
إذا الهدف من التهديدات الإسرائيلية إيهام الداخل الإسرائيلي بأن إسرائيل قادرة على التنفيذ، لكن هذا لا يعني أن الطريق إلى التنفيذ سيكون سالكاً، بل هو مجرد كلام ولا يعدو كونه تهديداً لتجنب حرب من شأنها ذوبان الكيان الإسرائيلي برمته.
في عام 1991 قال الأمين العام السابق لحزب اللـه الشهيد السيد عباس الموسوي جملته الشهيرة التي أرعبت العدو حينها: «إن إسرائيل سقطت»، وفي العام 2000 وعقب تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي قال نصر اللـه كلمته الواثقة: «إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت».
بين 1991 و2000 مسار ثابت، وبين 2000 و2006 هزائم متتالية للعدو الإسرائيلي مقابل انتصار المقاومة وثبات قوتها الرادع، وبين 2000 و2023 تآكل قوة العدو الإسرائيلي، وها هو اليوم يصرخ ويهوّل في محاولة يائسة لتأخير زواله.