الأيام الستون «الشرعية» الأخيرة لترامب
بقلم عبد المنعم علي عيسى
في سياق لا يخرج عما اعتاده الرجل، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريدته من على منبره المفضل لديه «تويتر»، يوم الإثنين في التاسع من الشهر الجاري، معلناً فيها «إنهاء خدمة مارك إسبر»، ولم ينس أن يعبر فيها عن شكره لخدماته التي قدمها في غضون المدة القصيرة نسبياً التي قضاها في وزارة الدفاع التي كان ترتيبه الرابع ممن خدموا فيها على امتداد ولاية ترامب قبيل أن يقرر الأخير إضافة اسم خامس على اللائحة نفسها مسجلاً بذلك رقماً قياسياً لم تعرفه الإدارات الأميركية السابقة حتى في ظل أعتى الأزمات التي مرت بها.
توقيت الإعلان عن الإقالة مهم، فهو جاء بعد يومين من تجاوز خصمه الديمقراطي جو بايدن عتبة الـ270 صوتاً في المجمع الانتخابي، الضامنة عادة كجسر عبور أكيد إلى البيت الأبيض، في خطوة يمكن أن تكون مؤشراً على تفاقم الخلافات فيما بين الرجلين، وفي ذاك رجح العديد من المحللين وجود خلاف تمحور حول رفض إسبر توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران أو لحزب الله، بل ربما تطول تلك الضربة سورية ومعها فصائل المقاومة العراقية.
التحليل السابق يضع بالضرورة خطوة تعيين كريستوفر راي، مقدمة للقيام بذلك الفعل في غضون الشهرين المتبقيين لترامب في سدة السلطة، ويضيف هؤلاء إن ثمة خطوات عدة يمكن إدراجها لتعزيز هذا التحليل السابق من نوع إخراج رواية اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله على الأراضي الإيرانية، من الأدراج الأميركية، التي أعلنت أيضاً أن عملية الاغتيال كانت قد جرت قبل نحو ثلاثة أشهر، والغرض من إخراج الحدث إلى العلن، في حال حدوثه، هو ربط إيران بدعم الإرهاب على نحو ما جرى مع العراق عندما جرى ربط نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة، الذي ثبت أنه كان ملفقاً، تمهيداً لغزوه في عام 2003، قبيل أن يضيف ذلك التحليل جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الشرق أوسطية التي يزور فيها دولاً خليجية ثلاثاً ومعها فلسطين المحتلة وتركيا، إذ إن الفترة المتبقية لهذا الأخير في منصبه لا تتيح له بالتأكيد رسم سياسات طويلة الأمد، ولذا فإن من المحتمل، وهنا لا نزال في سياق التحليل السابق الذكر، أن يكون الهدف من تلك الجولة هو الحشد لعمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة منفردة أو بالتشارك مع إسرائيل ضد هدف أو أكثر من المحور الرباعي المذكور أعلاه.
قد يبدو ذلك التحليل واقعياً خصوصاً أنه مدعم بمؤشراته سابقة الذكر، إلا أن سياقات الأحداث تبدو خادعة، ومحاولة إعادة جذورها إلى فعل عسكري خارجي محتمل، تبدو غير واقعية قياساً إلى معطيات عديدة، إذ لطالما كانت المؤشرات التي يعتد بها التحليل السابق كلها أقرب ما تكون إلى تعبير عن واقع داخلي مأزوم يتعلق بالدرجة الأولى بحالة التشادّ الحاصلة بين إدارة يجب أن ترحل، وإدارة تنوي تثبيت سلطاتها، وبين هذا وذاك تخرج إلى العلن صراعات وتغييرات في مراكز القوى التي كانت تثير شكوكاً في تماهيها مع الأولى، أي التي يجب أن ترحل.
نحن هنا لا نستند إلى التصريحات الأميركية التي حملت ميلاً إلى انسحاب أميركي جزئي من العراق ومن أفغانستان، لنرجح فنقول إن ذلك الميل ينفي إمكان القيام بمغامرة عسكرية في الأيام الأخيرة من عمر إدارة ترامب، ففعل الانسحاب ربما يرجح من جهة أخرى القيام بتلك المغامرة إذا ما جاءت قراءته في سياق التخفيف من الخسائر الأميركية المحتملة التي ستجيء من ردة الفعل المتولدة جراء فعل من هذا النوع، لكننا نستند في ترجيحنا نفي حدوث المغامرة إلى معطيات عدة لا بد أن تكون بالحسبان مهما بلغت الذرا التي يمكن أن يصل إليها النزوع المغامر، فقرار الانسحاب لم يعد يملك الوقت الكافي لإنجازه، ثم إن ما سيبقى، مضافاً إليه القواعد الأميركية المنتشرة في الخليج، كاف ليجعل من العواقب ذات أثمان باهظة، يضاف إلى ذلك كله هشاشة الدفاعات الخليجية التي أظهرتها الهجمات اليمنية في العمق السعودي خلال السنتين الماضيتين، والهشاشة عينها أبدتها أيضاً الدفاعات الإسرائيلية التي فضحتها المواجهات المتكررة مع حماس والجهاد الإسلامي على حد سواء.
يصعب في ظل هذه المعطيات، وفي ظل رفض فريق ترامب لمثل هذا السيناريو، الذي كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً، تخيل إقدام إدارة ترامب فيما تبقى لديها من وقت على عمل عسكري لن تراكم نتائجه أكثر من خسائر مؤكدة على مختلف الجبهات، بينما النتائج المستحصلة ستزيد بالتأكيد من فعل الانزياح الحاصل في القوة الأميركية، وهو أصبح فاقعاً مؤخراً أقله في السنتين الماضيتين.