الثقافة وثقافة السلطة!

يقول الباحثون: إن الثورات الكبيرة استلهمت رؤاها ومبادئها من المفكرين والمثقفين، فجان جاك روسو يعد الأب الروحاني والفكري للثورة الفرنسية ومبادئها التي يتحدث بها العالم اليوم قواعد للإنسانية، وبغضّ النظر عن الواقع الذي يقول (الثورات تأكل أبناءها)، فقد استطاعت الثورة الفرنسية بعد أن شهدت تحولات كثيرة أن ترسي مبادئ عظيمة.. ودور المثقفين الملهمين مثل سارتر وتولستوي وسواهما لا ينكره واحد، وفي ثوراتنا العربية مطلع النهضة ساهم المثقفون بدور بارز فيها، وكنا نرى المثقف والمفكر والمترجم، وشيئاً فشيئاً تلاشى دور المثقفين، وفي العقود الأخيرة نَبَتَ نَبْتٌ مفاجئ أُطلق عليه (مثقف السلطة)، وهو الذي يستلهم ما تريده السلطات ليبدع فيه! ولا رؤى لديه لتوجيه الدفة والإرشاد للأفضل، وشهدنا سقوط طبقة المثقفين في أرجاء الوطن العربي، خاصة في الدول المؤدلجة، بل ربما ساهم كثير من المثقفين في ضياع البوصلة في البلدان، وكانوا شرارة سلبية، وكانوا أيضاً أقلّ وعياً من عموم الناس، لأنهم تربّوا على ثقافة السلطة، ولا يعرفون غير مصالحهم ومكاسبهم ومناصبهم.
انهيار الثقافة أخطر ما يمكن أن يتعرض له مجتمع من المجتمعات، لذلك نجد المثقف المدمن للسلطة والتحوّل يزيح كل القدرات، وفي لحظة يدعو لأن تأخذ الطاقات دورها ويستفاد منها، وهو لا يعني غير ذاته، متناسياً ما كان منه من فردانية ومصلحية وسوى ذلك!
كل ما تراه العين على الساحة العربية هو من طبقة مثقفي السلطة، الذين لا يقدرون على الحياة والإنتاج من دون أن يكونوا محظيين!
فهل يتم العمل على تأسيس مشروع ثقافي شامل، يضع لبنات البناء الحقيقي لثقافة مجتمعية أصيلة غايتها البناء والرسوخ، ولا تحمل غاية أن تكون منتظرة لما تريده السلطة، أي سلطة، للعمل وفقها؟
لأي سلطة إعلام وإعلان وترويج للمشروع الذي تحمله، لكن الثقافة أمر آخر يحتاج إلى عمق ورؤية وفكر لحماية المجتمع ونسيجه من الهزات التي تأتي نتيجة حتمية لغياب الثقافة والمثقفين، وللهيمنة المريضة لمثقفي السلطة!
لكل سلطة أشخاصها الذين تُقدم لهم الفوائد والمواقع لقاء ما يقومون به، وهذا حقها وحقهم، لكن الخطأ الكبير في أن تحوّل شرعية السلطة إلى ثقافة مجتمعية، لأن الثقافة أمر آخر يقدم الخبرة والفائدة لمنظومة السلطة، ولكنها تُلهِم ولا تستلهم، توجِّه ولا تتوجه.
فلنبحث عن الثقافة التي غاب دورها منذ عقود وراء لافتات إيديولوجية، ولشخصيات فيها الكثير من الهلامية وغياب المعالم!
الوطن أون لاين – إسماعيل مروة