الحاضر اللئيم
رفعت إبراهيم البدوي
يسود منطقة الشرق الأوسط حالةً من الضبابية وعدم وضوح الرؤية للمستقبل السياسي والأمني المتأرجح بين الانفجار الكبير نتيجة الإصرار الإسرائيلي القضاء على المقاومة في غزة، وبين حروب أميركية متنقلة وخصوصاً بعد التحول التاريخي الذي أحدثته عملية طوفان الأقصى وذلك على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستطراداً محور المقاومة في المنطقة ضد الإسرائيلي والأميركي معاً.
الإدارة الأميركية تنبهت إلى انقلاب المشهد من خلال المنعطف التاريخي وجدية انهيار الكيان الصهيوني نتيجة لعملية طوفان الأقصى بعد الصدمة والانهيار اللذين أصابا جيش وأجهزة مخابرات العدو الإسرائيلي في الـ7 من تشرين الأول الماضي، وعلى الأخص بعد دخول المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب اللـه على خط المواجهة ضد العدو الصهيوني على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وذلك دعماً للمقاومة الفلسطينية في عزةً.
اللافت أن المجتمع الأوروبي والغربي وحتى الأميركي هب في مظاهرات مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني مستنكراً الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولسياسة الفصل العنصري، وتغول العدو الإسرائيلي بحرب إبادة، وتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، فيما ساد المجتمع العربي الصمت المطبق وبقي متفرجاً على مأساة العصر في القطاع.
معظم الأنظمة العربية لم تكن ترغب في انتشال القضية الفلسطينية من بئر يوسف، حيث إن تلك الأنظمة أسهمت بشكل أو بآخر بالتواطؤ أو بالتآمر المباشر في دفع قضية فلسطين والحقوق الفلسطينية نحو قعر البئر، بل إنهم اختاروا الذهاب نحو تطبيع العلاقات مع عدو الأمة ومحتل فلسطين والتآمر على محور المقاومة في المنطقة وذلك لطمس القضية الفلسطينية بغرض تسهيل دمج الكيان الصهيوني الغريب واللاشرعي في منطقتنا العربية، استرضاء لأميركا وحفاظاً على مراكز الحكم فيها.
دخول الحوثيين على خط المواجهة تضامناً مع غزة انطلاقاً من منطقة البحر الأحمر أحدث تحولاً جذرياً ما لبث أن تطور إلى المواجهة المباشرة مع أميركا بعد قرار الحوثي بمنع مرور السفن المتجهة صوب الكيان الصهيوني قبل وقف حرب الإبادة ورفع الحصار الإسرائيلي عن غزة.
تعرض القواعد الأميركية اللاشرعية للهجمات المتتالية من المقاومة العراقية جاء كإشارة إلى تماسك محور المقاومة، ولإفهام الأميركي بأن وجوده العسكري في المنطقة سيكون هدفاً دائماً طالما لم تتخذ أميركا قراراً واضحاً بوقف الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
أميركا نفذت ضربات جوية على مناطق وجود فصائل المقاومة المدعومة من إيران في اليمن والعراق وسورية بحجة الدفاع عن وجودها ونفوذها في المنطقة، وبذلك يمكن القول إن أميركا مارست النقيض حيث أعربت عن عدم رغبتها في توسع رقعة الحرب، فيما أميركا نفسها تشن غاراتها على أكثر من بلد عربي لتضع نفسها في المواجهة المباشرة.
إذاً بالنسبة للإدارة الأميركية بات كل شيء يخص منطقة الشرق للأوسط يبدأ من غزة، ولذلك فإن تلك الإدارة تجهد في منع الوصول إلى اتفاق ناجز لإطلاق النار في غزة لأن ذلك من شأنه إعلان انتصار المقاومة الفلسطينية، فيما الاعتقاد السائد لدى الأميركي بأن الهدنة الطويلة نسبياً، هي السبيل الوحيد للوصول إلى اتفاق دائم لإطلاق النار والوصول إلى كذبة حل الدولتين، ومن هنا تنشط الدبلوماسية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يبدأ جولته السادسة إلى المنطقة منذ 7 تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء عملية طوفان الأقصى، فيما مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي إي إي» وليم بيرنز يجهد في باريس لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة المقترح أميركياً بالتفاهم مع الوسيط القطري ورئيس جهاز المخابرات المصري ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، أما مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان فتكفل بمهمة الاتصال بنظرائه في المنطقة وخصوصاً في السعودية، ناهيك عن حراك الموفدين الرئيسين الأميركيين آموس هوكشتاين وديفيد ساترفيلد في الشرق الأوسط.
كل ذلك الحراك الأميركي يتلخص بمهمة حرمان المقاومة الفلسطينية من إعلان الانتصار، وبالتالي إعطاء العدو الإسرائيلي فرصة للإنقاذ ولالتقاط أنفاسه بعد الفشل الذريع في تحقيق أي من أهدافه في غزة.
تشبث المقاومة الفلسطينية بمطلب وقف دائم وملزم لإطلاق النار ورفع الحصار وإعادة الإعمار في غزة ثم البحث في آلية تبادل الأسرى، وذلك ضمن سلة متكاملة وبضمانات دولية، أصاب الإدارة الأميركية مع الوسطاء العرب والإسرائيليين بخيبة كبرى نتيجة إخفاق تمرير اتفاق هزيل كهذا على حساب التضحيات الجسام من الشهداء والجرحى والمشردين في غزة.
أثبتت المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها بأنها لا تزال صاحبة الكعب الأعلى في أي مفاوضات وأنها لن ترضى باتفاق لا يرتقي لمستوى المنعطف التاريخي الذي أحدثته عملية طوفان الأقصى.
معظم الأنظمة العربية المتواطئة تتعاطى مع حرب إبادة الفلسطينيين في غزة انطلاقاً من الأيديولوجية السياسية وليس من منطلق أن طوفان الأقصى شكل المفصل التاريخي للقضية الفلسطينية وليس لغزة فقط.
لم يتجرأ أي من تلك الأنظمة العربية على إدانة الإجرام الإسرائيلي بشكل واضح، حتى إن البعض منهم فتح حدوده لتزويد وتوريد البضائع نحو الكيان الصهيوني القاتل للشعب الفلسطيني.
وحده الرئيس بشار الأسد التقط اللحظة في مؤتمر الدول العربية والإسلامية في السعودية حين قال: من الخطأ النظر إلى ما يجري في غزة من منظار ضيق لأن غزة هي من ضمن القضية المركزية ويجب علينا النظر إلى ما يجري في غزة انطلاقاً من القضية الفلسطينيةً ككل.
الرئيس الأسد هو الرئيس الوحيد الذي لم تأخذه الخلافات الأيديولوجية مع بعض فصائل المقاومة، بل إنه تجاوز كل الخلافات وقفز إلى قلب القضية الفلسطينية، وفي كلمته باجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق أشاد بصمود المقاومة الفلسطينية حيث قال: إن المقاومة الفلسطينية في غزة تدافع عن كل العرب وعن كرامة الأمة العربية.
الرئيس الأميركي جو بايدن فور توجهه إلى الكيان الصهيوني عقب عملية طوفان الأقصى قال: نحن أمام مرحلة مصيرية ويجب علينا العمل بكل قوتنا مع حلفائنا العرب لتحقيق هدف دمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
صحيفة «وول ستريت جورنال» وفي أعقاب تعرض القاعدة الأميركية في شمال الأردن إلى هجوم بالطائرات المسيرة نتج عنها مقتل ثلاثة جنود أميركيين، أفادت بأن الطائرات الحربية الأردنية سوف تنضم إلى العملية العسكرية الأميركية في سورية والعراق، وأضافت الصحيفة إن دور الأردن مهم جداً في إظهار التضامن العربي مع واشنطن في حربها ضد فصائل محور المقاومة المدعومة من إيران.
بالنسبة لمحور المقاومة أضحى مستقبل المنطقة واضحاً فالحرب في غزة هي حرب وجود، أما بالنسبة لإسرائيل وأميركا فالحرب في غزة هي خلق واقع جديد يسمح باندماج إسرائيل في المنطقة وبمساعدة وتسهيل من بعض العرب.
إنه حاضر محزن لمعظم العرب ونحن نعيش زمناً نشهد فيه على مشاركة بعض العرب بحرب أميركية إسرائيلية للقضاء على كل فصائل مقاومة المحتل الإسرائيلي لفلسطين، وهنا لا يمكننا وصف هذا الزمن إلا بـ«الحاضر اللئيم».
رئيس ندوة العمل الوطني- لبنان