منوعات

الرحابنة كان همهم الأول والأخير فيروز … مروان محفوظ لـ«الوطن»: أشعر أن كل جندي سوري أحد أقاربي

لم يتنبّأ العرّافون بشهرته ونجوميّته، بل تنبّأ الأخوان رحباني بروعة حنجره وقوّة حضوره، كان صوته مفتاحه الذي أدخله قلوب النّاس وقلوب الرّحابنة، فسارت به «دواليب الهوى» إلى «سهرية»، وحطّت به على مسرح معرض دمشق الدّولي، ودار الأوبرا، والعديد من المهرجانات والاحتفاليات.
في أرشيفه أغانٍ التي مازالت تترنّم بها ذواكرنا، ومهما حاول المطربون الجدد غناء «خايف كون عشقتك وحبيتك» فإنها بقيت أكثر تعبيراً وأجمل بصوت صاحبها الأساسي.
الفنان الكبير، صاحب يا سيف الي ع اعدا طايل، مروان محفوظ، الذي كان للوطن معه الحوار التّالي

ـمن الرّحابنة، وعبر مراحل مختلفة من العطاء تنقّل الفنان مروان محفوظ، إلى أي مدى بقيت مرحلة الرّحابنة حاضرة في أغانيه؟
بقيت بكل ما فيها من أصالة، في الّلحن والكلمة والأداء والتّوزيع، وفي تقديم العمل بشكل جيد بكلمة رائعة ولحن رائع وأداء جميل، هذه العناصر الأساسية التي تسهم في استمراريّة العمل، ولهذا فقد بقيت هذه المرحلة مزروعة في مروان وراسخة به، بل مازالت تزداد أيضاً، فكلّما كبر الإنسان ونضج فإنّه يعطي أكثر، ويكون عطاؤه نابعاً من قلبه أكثر.

هل مازال التّواصل قائما بينك وبين عائلة الرّحباني، وكيف تصف علاقتك بالسّيدة فيروز؟
بالطّبع مازالت علاقتي بهم جيّدة، وعلاقتي جميلة بالسّيدة فيروز أيضاً، أزورها وأطمئن على صحّتها، ومازال التّواصل قائماً بيني وبين زياد وريما الرّحباني.

هل يشعر مروان محفوظ أن الأخوين رحباني كانا غير منصفين له في مسرحيّاتهما، أم إنهما لم يعطياه ما يستحق؟
بدايةً سأقول لك: إنه كان من الضّروري والأهمية لكل فنّان أن يمرّ بهذه الجامعة العظيمة التي تسمّى الأخوين رحباني، لكي يستطيع الوقوف لاحقاً على أرض صلبة.
في ذلك الوقت كان همّ الرّحابنة الأول والأخير أن يكتبوا لفيروز، وعندما تكون هناك مهرجانات مثلا بعلبك أو الأرز أو معرض دمشق، كانوا يقدّمون ما لديهم للعناصر الرئيسية، كالسّيدة فيروز، والأستاذ وديع الصافي رحمه اللـه أو الأستاذ نصري، أو الأستاذ فيلمون وهبي، وغير ذلك كلّ ما كان يقع في طريقهم أو أمامهم كانوا يقدّمونه لنا أنا وأصدقائي « إيلي شويري، وملحم بركات، وعصام رجي، وسمير يزبك، وجوزيف عازر» هؤلاء الذين ذكرتهم كلّهم أصبحوا نجوماً فيما بعد، والأدوار التي قدّمت لنا كانت الأساس لانطلاقة واسعة وكبيرة للعالم بأكمله، على الرّغم من أنها لم تكن قوية جداً وكاملة، وللحقيقة فإن ما قدموه لنا على قلّته كان كافياً ليبقي ذكرنا حاضراً في أذهان الأحبة، وكافيا لنكون في الطريق الذي نتمنّاه ونطمح في الوصول إليه.
هناك علاقة خاصة بين السّيدة فيروز ودمشق، وأهلها، ومازال صوت السّيدة فيروز يصدح في حارات دمشق وبيوتها وبين أغصان ياسمينها، ماذا يعطينا هذا الصّوت اليوم وسط الحرب والأزمة التي تعيشها سورية؟
صوت فيروز صوت رائع يعطينا الفرح والأمل والتّفاؤل، السّيدة فيروز ليست مطربة عادية، بل هي رمز للأغنية، وقد كانت ومازالت الأغنيات التي قدّمتها لدمشق من أروع وأجمل الأغنيات وأكثرها التصاقاً بالشّعب السّوري.

وقفت في دار الأوبرا فترة طويلة، ماذا عنى لك هذا الحضور بعد عمر طويل من الغناء وبعد غيابٍ طويل عن مسرح معرض دمشق الدّولي؟ ماذا تستذكر من الذكريات من خلال هذا الحضور؟
كان الموقف مؤثّراً للغاية، وخاصّةً حين وقفت أمام الجمهور وسألتهم «كيف حوالكم» وردّ الجمهور بالتّصفيق الكبير، عادت إلى ذاكرتي أول إطلالة لي، وأوّل أغنية غنيتها في سورية، عادت إليّ لحظات كثيرة من أيام الثمانينيات، أكثر من ثلاثين عاماً مرّت على مشاركتي مع الرّحابنة في معرض دمشق الدّولي، حين رأيت الجمهور وشعرت بحبّهم انهمرت الدّمعة من عيني.
هناك صلة روحيّة مباشرة أستشعر بها من خلال تصفيق الجمهور، أستمدّ من هذا التّصفيق حبّهم الكبير لي ولفنّي.

كيف يبقى اسم الفنّان حاضراً في هذه الأجيال، وما رأي الفنّان مروان محفوظ في جيل الأغنية العربية الجديد، وما يقدّم على السّاحة الفنّية اليوم؟
يبقى صوت الفنّان وحضوره عندما يحافظ هذا الفنان على كرامته، على احترامه لفنه ولجمهوره، كي يحصل منهم على الاحترام أيضاً، لذلك عليه أن يسعى لتقديم الأفضل دائماً في الكلمة والّلحن والصّوت، فالعمالقة والكبار الذين بقوا إلى الآن لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من فراغ أو من لا شيء، وكذلك الأغاني الرّائعة والجميلة التي مازالت حاضرة في ذاكرتنا إلى الآن، هي نتاج أصالة ولحن رائع وصوت جميل وكلمة مميّزة.
أمّا بالنّسبة للفن الجديد، فهناك محاولات جيدة من البعض، لكن أعدادهم ليست بالكبيرة المطلوبة، الذي نتمنى وجودها أكثر، كي يوجد هناك من يقوم بإيصال رسالة الفن الراقي، الذي يستحق أن يذاع ويصل للناس.
وبالمقابل فهناك متطفّلون كثر، لدرجة أن الغناء أصبح مهنة من لا مهنة له، والدّليل ما نسمعه ونراه من نماذج غنائية تفتقر للفن الحقيقي.

بالنسبة للفنانين العمالقة الكبار أمثال صباح وفيروز وأم كلثوم ووديع الصافي، وكانت رسالة الفن تستنزف من الفنان كل حياته ومشاعره، لماذا لم نعد نرى في أيامنا هذه نماذج كتلك النماذج العملاقة؟
الآن أصبح كل شيء سهلاً، في أيامنا نحن أي الجيل التالي بعد العمالقة الكبار لم يكن يوجد سوى إذاعة واحدة، وفيما بعد أي في الستينيات وما فوق أصبح هناك تلفاز وكان هذا التلفاز واحدا أيضاً، فلم يكن هذا الكم الهائل من المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تبث 24 على 24.
أما بالنسبة للفنانين فلم يعد هناك تعب وجهد كما كان في أيامنا، فقد أصبحت الأمور أكثر سهولة ويسراً، من ناحية تطور المعدات ووسائل البث والنشر والإذاعة، في أيام الرّحابنة كانت الأغنيات تذاع في الإذاعة اللبنانية، وقد أعيد إجراء فحص للفنانين داخل الإذاعة، وكنت أنا بينهم وتوفيق الباشا وعبد الغني شعبان.

هل ترى في الجيل الجديد أصواتاً تقارب أصوات العمالقة؟
بالطبع يوجد، فمثلا لدينا ملحم زين ومعين شريف، هذان المطربان من بين المطربين الذين تابعوا على الطريق بالخطا التي رسمها لهم الراحل وديع الصافي، بنفس الرقي والإبداع.

هل لديك نيّة في تجديد أو تصوير أغان سابقة لك؟
لا أحب التّجديد، ولكنّني جدّدت أغنية واحدة هي أغنية يا سيف الـ ع الإعدا طايل، بموافقة زياد الرّحباني، أنا أرى أن الأغاني القديمة كانت متقنة من ناحية الأداء والّلحن والصوت والكلمات، فإذا لم نقم بتحسينها أكثر من السّابق فسيكون من الظّلم أن نعيد تجديدها.

في أرشيفك الغنائي عدد كبير من الأغان التي لا تنسى، لو أردنا أن نحدّد هويّة مروان محفوظ الفنيّة، ما الأغنية التي تحدد هويته برأيك؟
ليست أغنية واحدة، هناك عدّة أغانٍ أشعر أنني أنتمي لها كما تنتمي لي كأغنية خايف كون عشقتك وحبيتك، ياسيف الإعدا طايل، سرقني الزّمان، كيف حوالكم، جبل مع جبل.
وأيضاً الأغاني الوطنيّة، تودي المراكب ع المينا، يا نسور ع الدّاير ع الدّاير.

غنيت لسورية والوطن، وحملت حب الوطن في قلبك، ما أهمية دور الفنان الوطني وخاصة في هذه المراحل التي تعيشها البلاد العربية؟
كما يحارب الجندي في أرض المعركة بسلاحه وصموده، نحن كفنّانين نحارب بصوتنا وأغنياتنا، ولدينا رسالة وطنية نسعى لإيصالها في كل فرصة وحين.
الراحل عبد الناصر كان خطيبا رائعا، كان يقول فيما معناه إن الفنان في أغانيه قادر على إيصال رسالة وطنية أكثر مما يستطيع عشرون خطابا إيصالها، فالأغنية عندما تكون مدروسة بكلمتها ولحنها وأدائها، فهي قادرة أن تكون محاربة كالمدفع والطيّارة.

بعد خمس سنوات من الحرب على سورية، ومن صمود أهلها وشعبها، ما الكلمة التي يوجهها الفنان مروان محفوظ لها، وللجيش العربي السوري؟
في كل مرة أسمع فيها نبأ إصابة أو استشهاد جندي سوري أشعر بالحزن والأسى، لأنّني أشعر أن كلّ جندي سوري هو فرد من أفراد عائلتي، وكأنه يمت لي بصلةٍ كبيرة، لذلك أدعو اللـه في كل وقت أن يحميهم وينصرهم على أعدائهم، أعداء الوطنٍ، أعداء الإنسانية.
أمّا سورية الحبيبة، هذا البلد الذي احتضن كل النّاس من كل البلاد، بلد الخير الذي فتح قلبه ويديه لكل من طلب اللجوء إليه، أتمنى لهذا البلد أن يعود بلداً آمنا وأن يكون النصر حليفه في كل شيء، فسورية تستحق أن ترشق بالورد لا بالسّلاح.

مادلين جليس

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock