العرس في أوروبا والطبل في رفح.. عندما يبرئ الاتحاد الأوروبي الحرس الثوري الإيراني!
لم يكن مفاجئاً استخدام الولايات المتحدة الأميركية حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار قدمته الجزائر للاعتراف بعضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، الحدث أثبت بما لا يدع مجالاً للشك من جديد بأن الولايات المتحدة هي من تدير اللعبة ليس اللعبة العسكرية فحسب لكن اللعبة السياسية أيضاً، وهو ما نعيد ونذكر به دائماً بأن كل البكائيات الأميركية على الوضع في غزة هي بحق من يستحق لقب «مسرحية»، لكن بالسياق ذاته هناك من يطرح سؤالاً منطقياً:
ماذا سيغير في المعادلة حصول فلسطين على العضوية الكاملة؟
بصراحة وموضوعية كاملة لاشيء سيتغير، ربما يرى البعض أن هذا الاعتراف سيحمي الأراضي الفلسطينية من الاعتداء باعتبار أن مجلس الأمن سيتحمل مسؤولياته عندما يكون الصراع بين دولتين، لكن هذا الكلام إنشائي، ولكي نكون أكثر دقة فإن هذا الكلام يتم تطبيقه عندما يكون هناك قيمة للقانون الدولي والإنساني، لكن مع تتابع الجرائم وتغطيتها بالكامل من الجانب الأميركي فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من عدمه سيان، أليست سورية دولة مستقلة كاملة العضوية، العراق، لبنان، ليبيا..
هذا الخداع الأميركي لم يقتصر فقط على أروقة الأمم المتحدة بل تعداه ليصل إلى حليفه الأهم، أي الاتحاد الأوروبي الذي دخل في الأيام القليلة الماضية مرحلة سجال ساخنة تمثلت بالبحث في الطلب الإسرائيلي لاعتبار منظمة الحرس الثوري الإيرانية منظمة إرهابية!
بالتأكيد ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأوروبي هذا المقترح لكنها من دون شك المناقشة الأكثر إشكالية تبعاً للظروف السياسية والعسكرية التي تضرب العالم أجمع.
بدا من اللافت بأن المقترح تقدمت به دول هامشية ليس فقط على الخريطة السياسة الدولية بل حتى على خريطة الاتحاد الأوروبي كالسويد وهولندا والتشيك، واللافت أيضاً أن رفض المشروع جاء من الدولتين الأهم أي فرنسا وألمانيا، بالسياق ذاته فإن الانقسام بين معارض ومؤيد للمشروع لم يكن فقط بين الدول ذات نفسها بل بين الكتل البرلمانية للدولة ذاتها، هذا الانقسام يوحي بأنه المشروع الذي تسعى إليه إسرائيل بشكل أساسي وبإيعاز أميركي منذ حدوث طوفان الأقصى، ولا يبدو مشروعاً أوروبياً خالصاً، ربما حمل المشروع في البداية فكرة الاستثمار الإعلامي بالحدث الذي تتقنه الماكينة الإعلامية الصهيونية من أجل الاستمرار بلعب دور الضحية كما اعتادت، لكنها رويداً رويداً بدأت تتعاطى مع الموضوع بطريقة حياة أو موت وصولاً لمرحلة الابتزاز ولهذه الفكرة ما يدعمها:
أولاً: ما الذي سيضيفه تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية للسياسة الأوروبية؟ ببساطة لاشيء غير خسارة علاقاتها المميزة مع دولة مهمة في الشرق الأوسط هي إيران، من دون أن ننسى بأن دولاً فاعلة في الاتحاد الأوروبي وإن كانت لا تزال تمتلك خطاً دبلوماسياً مع طهران، إلا أنها تفرض الكثير من العقوبات على منظومات تصنيع السلاح بما فيها المسيرات الإيرانية، أي إنها قامت بما عليها بالحد الأعظم، لكن حتى هذه العقوبات لم يكن سببها الصراع الحالي في الشرق الأوسط أو استخدام المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية لمسيرات إيرانية، ولو كانت إسرائيل امتلكت الدليل لأظهرته، لكنها إجراءات اتخذت بذريعة دعم إيران لموسكو بالمسيرات لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، وهي أخبار سخر منها الروس وبالسياق ذاته نفتها إيران وبشدة بل إن الخارجية الإيرانية طالبت نظيرتها الأوكرانية بإعطاء دليل واحد على هذه الادعاءات دونما نتيجة! إذن لا مصلحة أوروبية بتصعيد كهذا مع إيران وإن كانت هناك بعض التحفظات الأوروبية على تهديدات الإيرانيين بأنهم سيردون بالمثل بتصنيف عسكريين أوروبيين كإرهابيين لدرجة أن البعض تساءل: هل يملك هؤلاء أصولاً مالية في إيران؟
ثانياً: تدرك دول الاتحاد الأوروبي أن الهدف الحقيقي لهذه الضغوط الأميركية ليس رأس الحرس الثوري، بل ما تسميه الولايات المتحدة بالتنظيمات التابعة له، على رأسها حزب اللـه اللبناني، حيث إن الضغوطات الأميركية على الأوروبيين لتصنيف حزب اللـه كمنظمة إرهابية لم تهدأ وكان آخرها طلب الكونغرس الأميركي رسمياً من الاتحاد الأوروبي في تموز من العام 2022 بتبني قرار لا يفصل كما هو الحال اليوم بين الجناح العسكري والسياسي لحزب اللـه واعتبار كل ما يتعلق بحزب اللـه بما فيها الدعاية والترويج للحزب داخل دول الاتحاد الأوروبي هو عمل إرهابي، لكن هذا الأمر لم يتحقق، حيث تبدو وجهة النظر الأوروبية من هذه الناحية واضحة بأن الحزب ليس دخيلاً على المجتمع اللبناني، هو جزء من النسيجين الرسمي والشعبي اللبناني وإقرار قانون كهذا يعتبر الحزب كاملاً منظمة إرهابية لا يعني فقط فقدان الأوروبيين ميزة التواصل مع القوة السياسية الأهم على الساحة اللبنانية بل ويعني منع التعامل مع الحكومة والبرلمان اللبناني في حال ضمت كوادر لحزب اللـه وهو أمر مستحيل لكون الحزب يتمتع بكتلة برلمانية وازنة وتمثيل حكومي دائم.
بالسياق ذاته لا تزال الأوساط الأمنية الفرنسية تطرح كمثال حال الهدوء الذي عمَّ مناطق وجود حزب اللـه عشية توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 الذي كان حسب كلامهم في جزء منه يثبت الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة كما هي باعتبار أن إيران كانت ستمنع أي «مغامرات» يمكنها أن تلغي مفاعيل الاتفاق بل ويحمي الجبهة من أي انزلاق، مروراً باتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بموافقة حزب اللـه الذي تم بعد ذلك، جميعها أحداث تراها الأوساط الأوروبية كحجر أساس كان يمكن البناء عليها لعقودٍ قادمة، أثبتت بأن سياسة القطيعة مع حزب اللـه لا بديل منها إلا المجهول لكن المشكلة لا تبدو «لدينا»، حسب تعبيرهم!
ثالثاً: من الأسئلة التي تم طرحها على نواب الدول التي تقدمت بمشروع القرار إن كانوا يعرفون آلية اتخاذ القرارات في البرلمان الأوروبي من عدمه؟
هناك من اتهمهم بالجهل لأن تصنيف أي مجموعة كمنظمة إرهابية يجب أن يترافق مع عمليات نفذها هذا التنظيم داخل أراضي الاتحاد الأوروبي، ما العمليات الإرهابية التي نفذها الحرس الثوري الإيراني على أراضي هذه الدول؟ بالتأكيد لا يوجد، لكن من الواضح أن استعجال الولايات المتحدة لإقرار هكذا مشروع بإلحاح إسرائيلي سببه الاستفادة من الوضع الراهن بعد ما يسمى بالرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، هذا الرد الذي من الواضح أن إسرائيل استفادت منه عشرات أضعاف ما ألحق بها من ضرر، هذا إن أردنا النظر بواقعية لأن كل الصور القذرة التي رسمت الهمجية الإسرائيلية في غزة تم محوها على اعتبار أن دولة إسرائيل «تحت القصف» ما جعلها تعود بقوة لتمثل دور الضحية.
بالسياق ذاته استعجل الجانب الإسرائيلي إقرار هذا القانون قبل انتهاء صلاحيات البرلمان الأوروبي الحالي ودخول جميع الدول الأعضاء مرحلة الدعاية الانتخابية للاقتراع الذي يجري منتصف شهر حزيران القادم، مع غموضٍ كامل لشكل البرلمان الذي ستفرزه هذه الانتخابات في ظل التحولات السياسية التي تجري داخل أوروبا وخارجها.
رابعاً: إخفاق الكيان الصهيوني بتحقيق الهدف لم يمنع من استغلاله حتى أبعد حد، حيث حاول الكيان ربط فكرة استصدار القرار مقابل تعهدات للأوروبيين بوقف جميع الخطط المتعلقة بالهجوم على رفح، رفض الأوروبيون هذه المقايضة باعتبار أنهم لا يجدون أنفسهم معنيين بتقديم تنازلات قد تؤثر في المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مقابل مجرد ضمانات بعدم حدوث الهجوم، ومن يضمن انتفاء الذرائع الإسرائيلية لاستكماله؟
إن ذهاب الكيان نحو هذا النوع من الابتزاز يؤكد أن كل ما يجري أخطر بكثير مما يتم الترويج له أو التعاطي معه، فقرار الهجوم على رفح وضعت لمساته الأخيرة والكلام الأميركي المتكرر عن تحميل حماس مسؤولية إخفاق التوصل لاتفاق هدنة أو وقف لإطلاق النار هو رفع مسؤولية عن ما هو قادم، أما السياق الأهم فإن الكيان بات متأكداً من حجم ردات الفعل غير المتوقعة على جرائمه، هل كان الهجوم على القنصلية الإيرانية في أحد أهدافه استكشاف حدود الرد الإيراني الأعظمي ومقاربته لحجم التهديدات التي كانت تُطلق؟
هذا السؤال تحديداً لن نجيب عنه سنترك الأيام القادمة هي التي تعطينا الجواب الشافي تحديداً عندما تبدأ طبول الحرب على رفح وتبدأ قوافل اللاجئين الفلسطينيين تعبر هرباً من رفح! لنكتب لهم من خلف شاشاتنا.. لكِ اللـه يا فلسطين!