الولاء والانتماء
بقلم: وضاح عبد ربه
عشية لقاء القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، سأل مذيع قناة «إن بي سي» الأميركية الرئيس الروسي عن سورية، فأجاب: لقد سألت زملائي الأميركيين: هل تريدون رحيل الرئيس بشار الأسد؟ ولكن من الذي سيشغل مكانه وماذا سيحدث لاحقاً؟ وكان جواب الأميركيين غريباً حيث قالوا: لا نعلم!
قد لا يكون الجواب الأميركي «غريباً» كلياً كما قيّمه الرئيس بوتين، بل هذه حقيقة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وما تطلق عليه «الفوضى البناءة» وأهدافها غير المعلنة بتدمير الدول ونهب ثرواتها وتهجير كفاءاتها وإلغاء هويتها، على أن تأتي لاحقاً بأزلام ينفذون تعليماتها وأجنداتها وثقافتها من دون أي نقاش، والأمثلة كثيرة أمامنا وخلفنا مما حصل في عالمنا العربي من فوضى هدّامة.
هذا الكلام ليس بجديد، فكل سوري يعرف جيداً ما تريده واشنطن وما تصبو إليه، ويعرفون أيضاً الموقف الروسي المشرّف، وقتال روسيا للدفاع عن الشرعية والقانون الدولي واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بالتعاون مع الصين أيضاً التي كان في الأمس وزير خارجيتها ضيفاً عزيزاً على دمشق وأول المهنئين بالولاية الجديدة للرئيس الأسد، معبراً عن موقف بلاده الداعم لقرار الشعب السوري والرافض لأي تدخل في تقرير مصيره.
ما أريد الانتقال إليه بعد هذه المقدمة السريعة هو ما قاله الرئيس الأسد في خطاب القسم حول الانتماء للوطن ومفهوم المواطنة، وضرورة الحفاظ على العادات والتقاليد والهوية بشكل عام، والتي تشكل الوعي لكل مواطن ليكون قادراً على كشف ما يخدم مصلحته ومصلحة بلاده وقوميته.
فبالنسبة للرئيس الأسد، ومنذ خطاب القسم الأول، كانت هذه المبادئ والمفاهيم هي الأساس والواجبة على كل مواطن من أجل الحفاظ والدفاع عن سوريته، وكل من ضلل أو غرر به أو سقط في فخ ولعبة مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الغربي وبعض العربي، لا بد أنه اكتشف حجم الضرر الذي ألحقه بوطنه وبإخوانه، وبقلب كبير وبصفته رئيساً للجمهورية العربية السورية، ورئيساً لكل السوريين، جاءت دعوته أول من أمس للمسامحة ولعودة كل هؤلاء إلى حضن الوطن، وخاصة أن أول من سامح كان أهالي وذوو الشهداء الأبطال.
من خلال تحديهم للعالم ونزولهم بالملايين إلى صناديق الاقتراع، أكد السوريون في الداخل والخارج أنهم سوريو الولاء والانتماء، فكانوا مع الرئيس الأسد كالعائلة الواحدة التي تتحدى وتدافع عن كامل ترابها، وترفض الإرهاب وتصارع الحصار، وتصمد في مواجهة مئة دولة معادية.
الرئيس الأسد مسلحاً بكل هذه القوة وكل هذا الحب وهذه الشرعية، رسم ملامح المستقبل مراهناً على قدرة السوريين في بناء مستقبل واعد، بالاعتماد على ما يملكونه وما هم قادرون على تطويره، وعلى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفية والزراعة بطبيعة الأمر، والاستثمار في الطاقات البديلة، مما يعزز القدرة على الصمود والتحدي، دون أن ننسى الآلاف من شبابنا الذين ضحوا بحياتهم في قصص بطولية يصعب وصفها، من أجل الحفاظ والدفاع عن هوية سورية وثقافتها وأرضها، فكان ولاؤهم لسورية وانتماؤهم لها، وبفضل تضحياتهم تمكن الشعب السوري من القيام بثورة مضادة أعادت تعريف الثورة من جديد، فكان بكل جدارة مثالاً للشعوب التي تعرف معنى الولاء والانتماء لوطن أرادوا سلبه، فأخفقوا أمام شعب عظيم منع عبر التاريخ قوى الظلام من اجتياح أراضيه، وسيبقى كذلك ما دام ينبض قلبه بسوريته.
الرئيس الأسد في الأمس الأول كان يشخّص الماضي من أجل بناء المستقبل على قواعد سليمة، أراد من السوريين أن يستخلصوا الدروس كي لا تتكرر هذه الحرب المؤلمة، أعاد التذكير بمواقف سورية التي لا تتزحزح على الرغم من الحرب والضغوطات والحصار، ووضع العناوين الاقتصادية للمرحلة القادمة التي يجب أن تعتمد على أدوات تساعد في كسر الحصار وعلى مواهب وحرفية السوريين، وحبهم وإصرارهم على بناء سورية والاستثمار فيها، والكل حسب إمكانياته، أما الحكومة فستكون مستعدة لدعم كل مشروع يخلق فرص العمل ويحقق التنمية ويخفف الأعباء عن سورية والسوريين، ويؤسس لمستقبل اقتصادي واجتماعي سليم.
عناوين كثيرة تضمنها خطاب القسم أول من أمس يصعب تلخيصها في زاوية واحدة، لكن كل هذه العناوين كانت تدور حول المواطن السوري وضرورة دعمه وتحصينه ليكون قادراً ليس فقط على الصمود بل على البناء وإعادة إعمار وطنه، بعد انتصار تاريخي تجلى أول من أمس في مراسم أداء القسم الدستوري التي كانت تليق بشعب وقائد منتصرين، وترجم مساءً على الأرض من خلال زيارة المواطن الرئيس الأسد وعائلته إلى حي الميدان الدمشقي ليكون من جديد بين شعبه ومع شعبه.
وبالعودة للرئيس بوتين، نعم سيادة الرئيس هم لا يعرفون ماذا يريدون، ولا يعرفون حقيقة الشعب السوري، فهم بطبيعة الأمر لا يدركون جيداً معاني الولاء والانتماء للأرض وللهوية لكونها دولة (الولايات المتحدة) متعددة الهويات والثقافات وأسسها مهاجرون من دول أوروبية وإفريقية، ولعل الصور التي رسمها الشعب السوري خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة والرسائل كفيلة بأن تثبت للإدارة الأميركية ومن توظفهم، بأن سورية لا يمكن أن يحكمها قطاع الطرق أو قاطعو الرؤوس ولن يحكمها حثالة التنظيمات الراديكالية، التي يوظفها ويمولها السلطان العثماني الواهم بالصلاة في الجامع الأموي.
سورية يحكمها فقط من هو قادر على حمايتها، ومن يدرك جيداً معاني الولاء والانتماء ليس للوطن فقط بل لأمة ولشعب وضع نفسه في خدمتها، فدافع ببسالة عن مبادئ الحرية وكان قائداً لثورة أجهزت على سياسة الفوضى البناءة، ومعه سيبقى الشعب السوري يقاتل حتى تحرير كل شبر من أراضيه المحتلة، فيخوض معركة إعادة إعمار الحجر والبشر، لتستعيد سورية ألقها ورونقها، ولتكون مدرسة في الولاء والانتماء للأرض والهوية.