بايدن ومقترحات إنهاء الحرب.. ومستقبل العمل المقاوم
بقلم: فراس عزيز ديب
«إن الوقت قد حان لإنهاء الحرب»، هكذا افتتح الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه قبل أمس ليزف للعالم أجمع مقترحاً إسرائيلياً جديداً لإنهاء الحرب المفتوحة القائمة على قطاع غزة منذ ستة أشهر، خطاب جعلنا نحمد اللـه ونشكره بأنه قد حان الوقت حسب المؤقت الأميركي لوقف كل هذا الإجرام، لكن المقترح الذي تم وصفه بتعبير «خريطة طريق» لإنهاء الحرب، أصابنا ربما كمتضامنين مع القضية الفلسطينية بالصدمة لما حمله إلينا مصطلح خريطة الطريق من مآس خلال عقودٍ من الزمن، لدرجة ضاعت معها خرائط دول ونحن نناقش خرائط الطريق!
لكن بواقعية مطلقة، يبدو إعلان بايدن بنفسه عن هذا المقترح خطوة جدية ولو متأخرة لوقف هذه الحرب، قد يراها البعض ناتجة عن ضغط الانتخابات الأميركية وخوف الإدارة الأميركية من صعود الرئيس السابق دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، لكن هذه الصيغة تبدو مكررة منذ أشهر بل على العكس ربما أن الإدارة الديمقراطية الآن تشعر بنوع من الارتياح لجهة المنافس الوحيد على مقعد البيت الأبيض بعد إعلان قاض أميركي بإدانة الرئيس السابق بأكثر من ثلاثين تهمة بما فيها تزوير وثائق والتدخل بنتائج للانتخابات المحلية، وهي تهم وإن كانت غير قادرة على منعه من الترشح والتصويت حسب القوانين الفيدرالية، بل تعطيه هذه القوانين حق الاستئناف ما يعني دخوله الانتخابات وهو غير مدان بشكلٍ قطعي إلا أنها على الأقل ستسهم بخسارته أصوات المحايدين.
من جهةٍ ثانية قد يبدو للبعض بأن هناك ضغطاً داخلياً إسرائيلياً للدفع نحو تسوية عاجلة تعيد الأسرى وجثامين القتلى الإسرائيليين إلى ذويهم، إضافة إلى ذلك علينا ألا نتجاهل تصاعد الكلام عن تململ القادة العسكريين في جيش الاحتلال من حرب لا أهداف واضحة لها نظراً لكثرة التناقضات بين تصريحات العسكريين والسياسيين، معطوفة على استطلاع للرأي أكد أن ثلث العسكريين الإسرائيليين لن يعودوا للخدمة حال انتهاء الحرب من دون إغفال بعض الشهادات الحية لمصابين إسرائيليين أكدوا أن وجودهم في مناطق فارغة لا معنى له سوى جعلهم أهدافاً سهلة لمن تبقى من مقاتلي حماس، ربما هذه العوامل مهما حاولت حكومة المجرم بنيامين نتنياهو تجاهلها إلا أنها فعلياً عوامل باتت ضاغطة، وعلى خلاف ملف الأسرى الذي تمكن نتنياهو من القفز من فوقه لكونه قدم للإسرائيليين خطاباً يجعل الحرب علامة فاصلة بتاريخ الكيان بحاجة إلى تضحيات، أي إن حكومة نتنياهو نجحت باللعب على تفاصيل تحررها من كامل الضغوط كان آخرها بهذا السياق ما صدر من تصريحات عما يسمى ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد دقائق من خطاب بايدن تحدثت فيه عن إصرار نتنياهو على استمرار الحرب حتى تحقيق جميع الأهداف أهمها نزع القدرات العسكرية لحماس، ما دفع البعض لطرح سؤالٍ ساخر: إذن من الذي قدم هذا المقترح؟
قد يعود البعض لتكرار فرضية السعي الأميركي لإحراج الحكومة الإسرائيلية في سياق الخلاف الجلي بين الطرفين وتحديداً بين الإدارة الديمقراطية والوزراء المتطرفين في حكومة العدو كالمجرمين بتسلئيل سيموريتش وإيتمار بن غفير، هذه الفكرة دعمها ربما وللمرة الأولى كلام بايدن نفسه عندما أكد خلال تقديمه للمقترح أن هناك أطرافاً في الحكومة الإسرائيلية «لا يريدون إنهاء الحرب ولا يكترثون للرهائن ويريدون احتلال القطاع للأبد»، وهو فعلياً ما يسعى إليه هؤلاء، لكن رغم كلام بايدن الداعم لهذا الاتجاه إلا أن ما ينسف هذه الفكرة بأن المقترح الذي يقدم له بايدن ليس مقترحاً أميركياً، ربما تدخلت الاستخبارات الأميركية في صياغة بعض تفاصيله حسب بعض المصادر الإعلامية وبموافقة المفاوض الإسرائيلي، لكنه بالأساس مقترح إسرائيلي خالص وهو ما يعني سلاحاً ذا حدين، إما أن يكون فخاً تريد إسرائيل من خلال بعض التفاصيل تحقيق ما عجزت عنه في حال موافقة حماس عليه، أو أن إسرائيل دفعت بهذا الاتفاق لثقتها بعدم موافقة حماس عليه، لكن ما الذي يرجح أحد الاحتمالين؟
في قراءة متأنية لبنود هذا المقترح لا يبدو بأن هناك اختلافات كبيرة بينه وبين المقترح الذي وافقت عليهِ حماس قبل شهرين ورفضته إسرائيل، لكن مع ذلك يبدو بأن هناك بعض النقاط التي لابد من الالتفات إليها، فلقد جاء في المقترح بأن المرحلة الأولى تستهدف وقفاً للعمليات القتالية لمدة ستة أسابيع يتخللها انسحاب إسرائيلي من المناطق «المأهولة» مع ضمان عودة المواطنين الفلسطينيين من دون قيد أو شرط، هنا علينا التركيز على مصطلح «المأهولة» لأن الموافقة على هذا البند تعطي قوات الاحتلال بصورة غير مباشرة الحق بالتواجد في مناطق محددة بذريعة أنها مناطق «غير مأهولة»، هذا التواجد عملياً الذي تسعى إسرائيل بأي وسيلة للاحتفاظ به، لن يكون احتلالاً ولا يشكل خطورة على جنود الكيان لكونه في سياق الاتفاق، قد يكون له هدف محدد على المدى الطويل، تحديداً بتواجدها على مداخل المدن والتفرعات الرئيسية وهو منع المقاومة من العودة إلى داخل المدن، ومراقبة كل قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية لضمان عدم تمكن المقاومة من إعادة تسليح نفسها وهو وجود إن اكتمل فسيعني حكماً إعاقة وصول المواطنين الفلسطينيين بمن فيهم عائلات المقاومين إلى منازلهم أو ما تبقى منها على الأقل.
بذات السياق، لا يبدو هذا الوجود الإسرائيلي إن تحقق بعيداً عن الرغبة الأميركية في إعادة بناء الحالة السياسية والإدارية للقطاع بطريقةٍ تضمن ابتعاد فصائل المقاومة عن العمل المقاوم أو إذابتها بالحد الأدنى داخل المجتمع أو السلطة السياسية مع ضمان عدم قدرتها المستقبلية على التسليح، هذا الكلام يقوله الإسرائيليون ويكررونه يومياً، لكن للمرة الأولى كان كلام بايدن واضحاً في هذا الاتجاه عندما أكد أن هذا الاتفاق سيضمن اليوم التالي للحرب «من دون حركة حماس في السلطة»!
أما إن وسعنا الحلقة أكثر فمع كل حديث عن تسوية ما للحرب على غزة يعود الكلام الأميركي من جديد عن فكرة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، هناك من بات يتحدث في الإعلام الأميركي بأن هذا التطبيع سيكون الهدية التي سيقدمها بايدن لناخبيه عشية الانتخابات القادمة، هذه الفكرة لم تغب عن خطاب بايدن ولو بشكلٍ غير مباشر عندما تحدث عن «فرصة للسلام وضمان أمن إسرائيل إلى الأبد»، وعندما نتحدث عن ضمان أمن إسرائيل إلى الأبد فإننا نتحدث عن دمجها بالمنطقة بصورة متدرجة، من جانبها لا تبدو المملكة العربية السعودية معنية بما يقوله الآخرون عنها لكونها أعلنت في أكثر من مناسبة أن مبادرة الملك عبد اللـه أو ما يعرف بمبادرة قمة بيروت لا تزال قائمة، أي السلام مقابل التطبيع، لكن هذا السلام لن يكون هدية مجانية بل هو قائم على حل الدولتين واستعادة الأراضي العربية المحتلة وليس «أراض عربية محتلة».
من خلال هذا المسار الذي يسعى بايدن لفرضه فإن اقتناع المقاومة الفلسطينية بوقف العمل المقاوم والانخراط بالعمل السياسي مع ضمانات بإقرار حل الدولتين هو أحد الأسباب التي تدفع نحو تسارع التطبيع وهو توجه سعت إليه الكثير من الدول التي تريد لعب دور ما في هذا الشرق البائس، أي رفع الذرائع التي تبرر وجود ما يسمونها التنظيمات الراديكالية، فانسحاب إسرائيل من كامل الجنوب اللبناني سيعني انتفاء الحاجة لحزب الله، وإعلان حل الدولتين سيعني انتفاء الحاجة للمقاومة الفلسطينية فماذا ينتظرنا؟
بموضوعية مطلقة فإن من فوائد هذا المقترح أنه استنفد كل التنازلات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل ما يعني حكماً بأن أي قبول مستقبلي بما هو دون ذلك فهو هزيمة.
أما حماس التي أعلنت بصورة «غير مفهومة» ترحيبها المباشر بهذا المقترح فإن عليها البحث جليَّاً بالتفاصيل التي لم يوردها هذا المقترح والتي تبدو جوهرية، أين مصير حل الدولتين؟ ماذا بعد تسليم الرهائن ومن الضامن لليوم التالي؟ أما التفاصيل التي أوردها المقترح فهي في بعضها لا تقل خطورة عن سابقتها، ليس عن عبث أن يقول مسؤول أميركي بأن هذا المقترح هو ذاته الذي وافقت عليه حماس مع بعض التعديلات، هو لم يشأ القول إنها التعديلات التي طلبتها إسرائيل فهل ستكتب حماس نهاية العمل المقاوم وبداية عهدٍ جديد؟ للأسف بمجرد موافقة حماس على هذا الاتفاق فإن مقولة غزة ما قبل «طوفان الأقصى» ليست كما بعده ستتحقق!
كاتب سوري مقيم في فرنسا