مقالات وآراء

بين فائض القوة الإسرائيلي وفشل المبادرة الفرنسية.. هل تنجح الإمارات بتجنيب لبنان الحرب؟

كعادتهِ، لم يخذلنا التحالف الإسرائيلي مع الجماعات الإرهابية المتأسلمة في سورية من إخوان مجرمين إلى جبهة النصرة وغيرها لتظهرَ نتائج هذا التحالف في هجومٍ متزامن في حلب، أكثر من ثلاثينَ قمراً أضاؤوا من جديد سماءَ بلدٍ أنهكته الحرب وأنهكه الغدر والصمت، لكن من ذا الذي سيكترث لآلامنا؟ تحديداً إن مسارات الأحداث داخلَ هذا الشرقِ البائس أو خارجه باتت متداخلةً ومتغيرة لدرجة باتت وكأنها تسبقنا بأشواط، لدرجةٍ باتت معها حتى الكتابة أشبهَ بحقلِ ألغامٍ، لا تعرف متى سينفجر بكَ لغم مضاد للانهزامية إن تدثرت كلماتك برداءِ الواقعية، لكن مع ذلك تبقى الكتابة مسؤولية، لأن السير بسياسة «الربيع قادم والعصافير تزقزق» لم تقدم أي جديد!

مع نهايةِ شباط الماضي توالت التصريحات الأميركية من بينها ما قالهُ آموس هوكستين مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تسعى لإبقاءِ التوتر في جنوب لبنان عند أدنى مستوى ممكن، اليوم ومع نهايةِ شهر آذار تتحدث الكثير من الأوساط الفرنسية عن «فشل» الدبلوماسية الفرنسية بإحداثِ أي خرق لنجاح وساطتها بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل والتي تضمن تحقيق الشرط الإسرائيلي الأهم وهو ابتعاد مقاتلي المقاومة اللبنانية إلى العمق الذي تُطالب فيهِ إسرائيل بما يضمن عودة مستوطني الشمال لممارسة حياتِهم الطبيعية.

شهر كامل هي الفترة الفاصلة بين التصريحين، هي أشبه بمهلةٍ زمنية كانت الولايات المتحدة تريد منحها لإسرائيل للإجهازِ على غزة، شهرٌ كامل تبدو فيها الكثير من المعطيات قد تغيرت، كيفَ لا والدبلوماسية الأميركية كانت ولا تزال من أكثر المدارس الدبلوماسية التي تجيد بيع الوهم؟ فالحديث عن قلق أميركي من الإفراط في القوة من الجانب الإسرائيلي أدى إلى ما أدى إليه من كوارث في غزة وصولاً إلى اقتراب اقتحام رفح، أما حديث بايدن عن اهتمامهِ بآلام المسلمين في الولايات المتحدة نتيجة لما تتعرض لهُ غزة فقابله أكثر من فيتو أميركي وقف بوجه الهدنة، والسؤال هنا، تُرى ماذا يخبئ لنا تصريح هوكستين إذا ما علمنا بأن الولايات المتحدة أنجزت مع إسرائيل أكثر من مئة صفقة سلاح منذ السابع من تشرين الأول حتى اليوم!

أما الجانب الفرنسي فلا يبدو أنهُ في حالٍ يُحسد عليها، الفكرة هنا ليست بضياعِ آخر مناطق النفوذ في الشرق الأوسط لكنها تكمن بالضجيج الذي يُثيره في العديدِ من الملفات الساخنة ثم ما يلبث هذا الضجيج أن يختفي لأن الصراخ غير المتكئ على كاريزما تحكي القوة قبل أن تستخدمها، هو أشبه بالنواح، كان الفرنسي ولا يزال يحمِّل قيادة حزب اللـه مسؤولية إخفاق المبادرة لكون الدولة اللبنانية موافقة عليها، لكنه لم يشرح لنا عن أي دولة لبنانية يتحدث؟ لكون حزب اللـه جزءاً من هذه الدولة رسمياً أو شعبياً، أما منصب الرئاسة فهو شاغر، ثم ما الضمانات التي تمتلكها فرنسا لضمان تطبيق المبادرة من الجانب الفرنسي؟ بمعنى آخر، ربما لو كانت مبادرة كهذه برعايةٍ أميركية لكانت أكثر مصداقية رغم ما يعانيهِ الأميركي من انعدام مصداقية أساساً، لكنهُ بما يتعلق بأمن الكيان سيمتلك كامل المصداقية، لكن من الواضح أن الأميركي عبر ورقة المبادرة الفرنسية نجح بتقطيع الوقت ليصلَ إلى ما هو أهم، فكيف ذلك؟

غالباً ما يتم التعاطي مع ما جرى في فلسطين المحتلة بعد عمليةِ طوفان الأقصى بالكثير من التبسيط أو لنقل بالكثير من المعلومات التي تبدو أشبهَ بإبرِ بالتخدير لا التوصيف الواقعي، اليوم مثلاً لا أحد يعرف من الذين يقودون العمليات العسكرية في غزة والعلاقة بين ما هو عسكري وما هو سياسي؟ ما حدود السيطرة حسب مصطلح «انتصار المقاومة» وما حدود الانتصار؟ لكن المشكلة تكمن عندما يتم الهجوم على أي توصيف للواقع بصورة عقلانية ونعته بالانهزامية، هنا عليك ببساطة أن تتوقف عن الجِّدال، لأننا قلنا سابقاً في أكثر من مناسبة إن فائض القوة الذي باتت تشعر بهِ إسرائيل مقلق إن لم يكن هناك ردود توازيه، لكن في الوقت ذاته فإن أي نوع من هذه الردود سيفضي حكماً إلى حرب لا يبدو أن أحداً يريدها، ولا أحد جاهزاً لها.

على هذا الأساس وفي فهم آلية التفكير الإسرائيلية فإن مصطلح الفرصة الضائعة لا يبدو موجوداً في قاموسهم وبعد كل ما جرى في فلسطين المحتلة من مجازر يقابلهُ هذا الصمت الدولي، يبدو أن مسار الأحداث سيقود في النهاية إلى الاستثمار بما يجري في فلسطين المحتلة على الجبهة اللبنانية، فهل مازال هناك من فرصة لتجنيب لبنان الكارثة؟

خلال الأسبوع الماضي زار رئيس وحدة الارتباط والتنسيق التابعة لحزب اللـه وفيق صفا دولة الإمارات العربية المتحدة، الزيارة شكلت نقلة نوعية بتاريخ العلاقة بين حزب اللـه ودولة الإمارات العربية المتحدة المقطوعة منذ العام 2014، طبعاً وكما جرت العادة مع نوع كهذا من التبدلات فهناك من حاول استغلالها لاجترارِ خطاب خشبي ممل، كأن يتحدث البعض في وسائل الإعلام عن «خضوع إماراتي أمام انتصارات المقاومة»! هذا كلام معيب ومسيء ولا معنى له، على العكس قد تكون الإمارات تعالت على الخلافات لأنها تدرك ما هو قادم، لكن الأسوأ من ذلك هو حصر هذهِ الزيارة بفكرةِ الإفراج عن موقوفين لبنانيين في الإمارات العربية المتحدة بوساطةٍ سوريّة، هنا من المفيد التأكيد أن القيادة السورية لن توفر جهداً لطي صفحات الخلاف بين كل الدول العربية والجهات الفاعلة، لكن في الوقت ذاته ومع كل الاحترام والود المتبادل بين القيادة السورية وأشقائهم في دولة الإمارات، فإن سورية لم تعتد التدخل بالشؤون الداخلية للأشقاء فما بالنا بالشأن القضائي؟ إن وجود موقوفين من عدمهِ هو شأن إماراتي داخلي تحكمهُ القوانين والأنظمة الإماراتية التي تحظى بكل الاحترام، والتي تقدم لزوارها كل الاحترام، تحديداً إن البعض عندما يتحدث عن اعتقال هؤلاء يتحدث بالكثير من غياب الأسباب المنطقية لاعتقالهم، ولنكن أكثر واقعية قد يكون الملف قد تم طرحهُ بين حزب اللـه والإمارات، لكن الملف الأهم يبدو في مكانٍ آخر تماماً، فهل شكَّلت دولة الإمارات العربية المتحدة آخر صندوقِ رسائل باتجاه الحزب لأخذ التهديدات الإسرائيلية التي هي بالنهاية تهديدات أميركية محمل الجد؟ قد تبدو القراءة الأولية بهذا الاتجاه فماذا ينتظرنا؟

مما لاشك فيهِ أن مسارات الأحداث في هذا الشرق البائس تسير نحوَ تبدلاتٍ جذرية، هذه التبدلات لا يمكن معها العودة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول من العام الماضي، لكن ما يميز هذه التبدلات المنتظرة حتى الآن أن شكلها النهائي مازالَ بأيدي جميع اللاعبين، الجميع مازال قادراً على تسجيل النقاط لكن ليسَ الجميع من يرغب بالمغامرة، فالمقاومة في لبنان مهما كانت ردات فعلها على مبادرات نزع الفتيل، ستبدو بنظر متصهيني لبنان أنها سبباً في خراب لبنان، وإن قبلَت بالمبادرات، فإن المطالب باتخاذ كل ما يلزم لإضعافها لن تتوقف، بل هناك من سيبدأ الحديث عن الانتفاء المطلق لأسباب وجودها، وحده الكيان الصهيوني هو من يعيش هذا الوهم والهدف القادم هو لبنان، إلا إن كنا نظن أن كل هذا السلاح والحديد هو لأجل غزة المدمرة، وكما حذرنا سابقاً من أن نجاحهُ في رسم ما يريد من خلاله حربهِ على القطاع، سيكون لبنان هو الهدف التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock