اقتصادالعناوين الرئيسية

تأثر أسعار المشتقات في سورية بانهيار أسعار النفط العالمية: فرص لتخفيض الأسعار وزيادة المخازين

ترزح أسواق النفط العالمية تحت ضغوط غير مسبوقة، دفعت أسعار جميع أنواع النفط، إلى مستويات تاريخية، وقد خسرت أكثر من 80%، في أحسن الأحوال، منذ بداية العام الجاري (2020)، بينما سجلت بعض العقود الآجلة (المستقبلية) مستويات سعرية سالبة، للخام الأمريكي يوم الاثنين الماضي.
وأصبح معروفاً أن الصدمة الأولى التي تلقتها أسواق النفط، كانت من جانب الطلب، الذي انخفض بشكل حادّ، إثر تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد، حيث تشددت دول العالم في مسألة الحجر الصحي، في محاولة لضبط انتشار الفيروس، وبالتالي تعطلت الأنشطة الاقتصادية، وخاصة النقل والصناعة، ومعها، انخفض الطلب على النفط لدى كبار المستهلكين، كالصين، وبحسب تقديرات منظمة «أوبك»، في تقريرها الأخير، لنهاية شهر آذار الماضي، فقد ينخفض الطلب في نيسان الحالي إلى قرابة 20 مليون برميل يومياً، أي أكثر من 20% من إجمالي الطلب، الذي بلغ وسطياً 99.67 مليون برميل في العام 2019.
في المقابل، لم تكن التغيرات في الإنتاج، ذات قيمة، أمام انخفاض الطلب، وبالتالي توقعت منظمة «أوبك»، أن يصل الفائض النفطي إلى 15 مليون برميل يومياً، في الربع الثاني من العام الجاري.
وزادت العوامل السلبية، التي قدمت دفعاً أكبر لأسعار النفط في المنطقة الحمراء، ومن بينها زيادة المخاطر في الاقتصاد العالمي، مع توقعات حدوث ركود اقتصادي أشبه بما حدث في العام 2008، وتحول السوق إلى ما يسمى بالـ«كونتانغو» الأعظمي، في آذار، حيث أصبحت الأسعار في المسقبل أعلى من الأسعار الحالية، التي انخفضت بسبب انخفاض الطلب وزيادة المخازين.
كما ظهرت مشكلة تخزين النفط، إذ ارتفعت تكاليفه بشكل كبير، ولم يعد هناك قدرة على التخزين، أو تحمل نفقاته المرتفعة، وخاصة في المخازين العائمة، من الناقلات الضخمة، فزادت توقعات استمرار الأسعار الحالية بالانخفاض، فلجأ المضاربون إلى التخلص من عقودهم، لتقليص الخسارة.
وبحسب تقرير «أوبك»، فقد زادت عمليات البيع على المكشوف (فتح الصفقات بالبيع)، بشكل كبير، مقارنة بانخفاض عمليات الشراء، وزادت العقود المفتوحة خلال آذار بنسبة 16%، وصولاً إلى نحو 7 ملايين عقد، حيث حجم العقد ألف برميل نفط.
ترافق ذلك مع انخفاضات كبيرة في أسعار أسهم الشركات النفطية حول العالم، كما تأثرت أبرز مؤشرات أسواق المال العالمية، سلباً، فسجلت انخفاضات حادة.
وبرزت أسواق الناقلات والشحن كمستفيد أكبر مما يحصل في عالم النفط، إذ ارتفعت الأجور بشكل كبير خلال شهر آذار، لزيادة الطلب على الناقلات للتخزين والشحن، وبحسب تقرير «أوبك»، فقد زادت أجور شحن المشتقات النفطية بنحو 19%، في حين زادت أجور شحن النفط الخام بنحو 69%.
ويشكل هذا الواقع فرصة أمام سورية، المستوردة للنفط، للاستفادة في زيادة المعروض النفطي، ومساعي المنتجين الحثيثة لإيجاد مشترين، بأسعار تقل بأكثر من 70%، عما هو محدد لسعر برميل النفط في الموازنة العامة للعام 2020، في أحسن الأحوال، على اعتبار أن سعر برميل مزيج إيران الثقيل 16.7 دولار، أمس، بينما اعتمدت الموازنة سعر 56 دولار للنفط الثقيل.
من ناحية أسعار المشتقات النفطية، يجب النظر إلى هيكل تكلفة استيراد النفط أولاً، حيث سعر البرميل العالمي لا يتعدى 50%، تقديرياً، من التكلفة، بحسب مصادر في النفط، تحديث إليها «الوطن»، يضاف إليها تكاليف شحن، وعلاوات مخاطر، يتم تحديدها في مكتب تسويق النفط للمستوردين، عدا عن هوامش الربح.
وعليه، فإن انخفاض السعر العالمي (قياساً إلى سعر النفط في إيران) بأكثر من 70% عما هو محدد في الموازنة، ينعكس بانخفاض نسبته 35% في كلفة الاستيراد، أي نصفها فقط.
لكن هذا ليس كل شيء، فهناك تكاليف أخرى ارتفعت مثل الشحن، وبحسب تقرير «أوبك»، وصلت إلى 69% للخام، فإذا كانت كلفة الشحن تشكل 20% من كلفة الاستيراد في سورية، فهذا يعني زيادة في تكاليف الاستيراد بنحو 14%.
وبالتالي، فإن انخفاض تكلفة الاستيراد، تقديرياً، بنحو 35%، جراء انخفاض أسعار النفط العالمية، يقلصه ارتفاع أجور الشحن بنسبة 14%، ما يعني أن صافي الانخفاض في التكلفة يقدّر بنحو 21%، وذلك في حال لم تتغير علاوات المخاطر وهوامش الربح، وتكاليف التكرير داخلياً، ما يعني أن هناك فرض للجنة المسؤولة عن تسعير النفط في سورية، لأن تعيد النظر في تسعير المشتقات النفطية لهذا العام، بنسبة جيدة، يلمسها المواطن، مع استمرار توقعات الانخفاض في الأسعار العالمية، بناءاً على النسب الحقيقية لمكونات تكاليف الاستيراد.
إضافة لوجود فرصة مهمة لتخزين النفط الخام في سورية، وزيادة المخازين الاستراتيجية، بتكاليف أقل، لمنع حدوث أية اختناقات في توفير المشتقات خلال الشتاء القادم.
طبعاً، هناك مواضيع أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان أمام هذا الواقع، منها يتعلق بصعوبات تأمين التمويل، بالقطع الأجنبي، وسط الظروف الراهنة، الاستثنائية، وأخرى مرتبطة بالمنافسة في عقود النفط، لكن يبقى طلب المساعدة من الدول الصديقة خياراً ممكناً، بحسب مصادر في «النفط» للاستفادة من المتغيرات في أسواق النفط العالمية.
ولا ننسى صعوبات التوريد الكبيرة، للنفط، وكافة مشتقاته، التي تفرضها الإجراءات القسرية أحادية الجانب الجائرة على الشعب السورية، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، خلافاً، لزعمها مؤخراً، بأن برامج العقوبات التي تديرها وزارة الخزانة تسمح عموماً بالتجارة أو المساعدة أو النشاط المشروع المتعلق بالشؤون الإنسانية، بموجب القوانين واللوائح القائمة، متناسية الانعكاس السلبي لحظر توريد المشتقات النفطية، على الوضع المعيشي والإنساني للسكان.

علي نزار الأغا – الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock