تكريس الثقة والتعاون في مكافحة الوباء
بقلم السفير الصيني: فنغ بياو
في مطلع عام 2020، انطلقت معركة ضد وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كوروناالمستجد في مدينة ووهان الصينية. في ظل هذا الوباء الجديد والمفاجئ، تبنى الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية موقفا مسؤولا جدا تجاه الشعب الصيني والمجتمع الدولي واتخذ الإجراءات الأكثر شمولا وصرامة ودقة للوقاية والسيطرة، وطلب الرئيس” شي جينبينغ “وضع سلامة الأرواح والصحةلأبناء الشعب في المقام الأول”، وفرض الحجر على مدينة ووهان بحزم وأطلق الاستجابة بالدرجة الأولى لحالة طوارئ الصحة العامة في كل البلاد، وكانت الإجراءات المتخذة أكثر صرامة مما تنص عليه “اللوائح الصحية الدولية”. عمل 1.4 مليار أبناء الشعب الصيني بقيادة الحزب وبقلب رجل واحد، وحققوا نتائج مرحلية مهمة في المعركة ضد الوباء بعد تقديم تضحيات هائلة.
وفي يوم 8 إبريل، أي بعدمرور 76 يوما من التوقف، رُفعت القيود عن مدينة ووهان البطلة رسميا واستعادت حيويتها، الأمر الذي يعدّ معلما مهما في مسيرة الصين لمكافحة الوباء ويأتي بالأمل والثقة للمعركة العالمية ضد الوباء.
في الوقت الراهن، يتجه وضع الوقاية والسيطرة في داخل الصين نحو الأفضل باستمرار، وتتسارع وتيرة استئناف الإنتاج والحياة، وتتحول أولوية مكافحة الوباء من التركيز على الداخل إلى منع الانتشار في الداخل وتجنب الإصابات الوافدة ومساعدة الدول الأخرى في مكافحة الوباء.
وفي هذا السياق، تسجل منظمة الصحة العالمية وغيرها من المجتمع الدولي التقدير العالي لجهود الصين في مكافحة الوباء، وترى أن الصين كدولة رائدة في الحرب ضد الوباء، دفعت تضحيات هائلة لتراكم خبرات وافرةوكسب وقت ثمين للعالم في مكافحة الوباء،وهي نموذج يحتذى به في العالم.
كما يرى فريق الخبراء المشترك المتعدد الجنسيات لمنظمة الصحة العالمية بالإجماع، بعد الزيارة الميدانية لووهان والمدن الأخرى، أن الصين غيرت مسار هذا الوباء. إلى جانب ذلك، كشفت مجلة “الساينس” في التقرير المنشور على موقعها الإلكتروني الذي أعدّه باحثون أمريكيون وبريطانيون وصينيون أن إجراءات الحجر لووهان أجّلت انفجار الوباء في المدن الأخرى بمتوسط 2.91 يوم وخفّضت عدد المصابين في الصين بنسبة 96%، ولغاية أواسط فبراير الماضي، قلّصت 80% من الانتشار الدولي، فشكلت هذه الإجراءات خط الدفاع الأول لمنع الانتشار الدولي للوباء.
إن الفيروس عدو مشترك للبشرية جمعاء، فيجب على كافة الدول التضامن لمواجهته وتضافر الجهود لهزيمته. في ظل تفشي الوباء في كل أنحاء العالم، تلتزم الصين دائما بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وروح الإنسانية الدولية، وتتقاسم خبراتها مع كافة دول العالم بدون تحفظ.
إذ بدأت الصين إحاطة منظمة الصحة العالمية ومختلف الدول بالمعلومات عن الوباء بانتظام منذ يوم 3 يناير، وتقاسمت التسلسل الجيني للفيروس مع كافة دول العالم ومنظمة الصحة العالمية في يوم 12 يناير. كما ألفت اللجنة الوطنية الصينية للصحة حزمة كاملة من الوثائق الفنية التي تتضمن آخر برنامج التشخيص والعلاج وبرنامج الوقاية والسيطرة وتقاسمتها مع 180 دولة وأكثر من 10 منظمات دولية وإقليمية أول بأول، كما أقامت اللجنة مع منظمة الصحة العالمية “جلسة الإحاطة لتجربة الصين في الوقاية والسيطرة” بمشاركة ممثلي 77 دولة و7 منظمات دولية وبمشاهدة أكثر من 100 ألف شخص على الإنترنت. أشادت منظمة الصحة العالمية ومجلة “ذا لانسيت” الطبية الدولية بأن الصين تقاسمت المعلومات عن الوباء في حينه وأظهرت درجة عالية جدا من الشفافية. بالإضافة إلى ذلك، تبرعت الصين 20 مليون دولار أميركي لمنظمة الصحة العالمية، وقدمت ما في وسعها من المساعدات المادية إلى 120 دولة و4 منظمات دولية محتاجة.
لكن في اللحظة المفصلية التي يحتاج المجتمع الدولي للتضامن والتعاون، قال البعض إن الصين يجب أن تتحمل المسؤولية لتفشي الوباء، وإن المواد الطبية التي تقدمها الصين للغرب ليست سوى حملة إعلامية من أجل “التنصل من المسؤولية”، حتى لوّح كبار المسؤولين لبعض الدول بطلب التعويضات من الصين. إن هذه التصريحات مليئة بالغطرسة والتحامل وتخالف ضمير الإنسان والقواعد الأخلاقية. حمّل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مسؤولية قصور بلاده في مكافحة الوباء على عاتق منظمة الصحة العالمية، وزعم أن المنظمة “منحازة” للجانب الصيني وسيفكر في تعليق مساهماته للمنظمة.
إن طبيعة هذه التصريحات تكمن في تسييس الوباء وربط الفيروس بالدول المعينة وتحميل الصين مسؤولية قصور بلادهم في مكافحة الوباء، إنه أمر غير مسؤول لشعوبهم، ويقوض مشهد التعاون الدولي في مكافحة الوباء. كانت مدينة ووهان أول موقع أعلن عن اكتشاف الوباء، غير أن تحديد مصدر الوباء يتطلب الحكم العلمي والاحترافي من المتخصصين وبالاستناد إلى الحقائق، لا تزال أعمال جارية لتحديد مصدر الفيروس، وليس هناك الحكم نهائي بعد.
أشارت الدراسة الأخيرة الصادرة عن العلماء من جامعة كامبريدج وألمانيا إلى أن السلالة البدائية لفيروس كورونا المستجد كانت أكثر انتشارا في الولايات المتحدة وأستراليا.
في الوقت نفسه، كانت السلسلة الزمنية لتعامل الصين مع الوباء واضحة جداً منذ اكتشاف 3 حالات مشتبه بها في يوم 27 ديسمبر عام 2019 في مقاطعة هوبي، أبلغ الجانب الصيني منظمة الصحة العالمية في اللحظة الأولى وتقاسم التسلسل الجيني لفيروس كورونا المستجد مع كافة الدول في اللحظة الأولى وأجرى التعاون الدولي بين الخبراء المتخصصين في مكافحة الوباء في اللحظة الأولى ومد يد العون إلى الدول الموبوءة الأخرى في اللحظة الأولى، لاقت هذه الحقائق الدامغة التأكيد الكامل والتقييم الإيجابي من المجتمع الدولي، ولا أحد يستطيع إنكارها ومحوها. في نهاية يناير، نشر المركز الصيني لمكافحة الأوبئة وغيره من الفرق البحثية مقالات في “مجلة نيو إنغلاند للطب” و”مجلة ذي لانسيت” وغيرها من المجلات الطبية الدولية الرئيسة لإحاطة العالم بنتائج بحوث العلماء الصينيين حول فيروس كورونا المستجد. قد فعلنا ما نستطيع فعله وما يجب فعله، وننصح هؤلاء أصحاب الدوافع الخفية بحشد كامل إمكانياتهم العقلية والمادية من أجل مكافحة الوباء، وبذل قصارى الجهد لحماية حياة وصحة مواطنيهم، بدلا من افتعال الأكاذيب وتحميل المسؤولية للآخرين وإيجاد الذرائع وكبش الفداء لتبرير قصورهم في التعامل مع الوباء. في الماضي، كانت أفلام هوليوود الأمريكية تروي قصص كثيرة حول قيادة الولايات المتحدة دول العالم لإنقاذ البشرية من الكوارث، واليوم، السؤال يطرح نفسه: أين الولايات المتحدة من هذا القبيل؟
تعرف قوة العشب في الرياح الشديدة، ويعرف الصديق في وقت الضيق. ظلت سورية صديقا حميما وشريكا طيبا وأخا عزيزا للصين، وتتجسد الصداقة التاريخية الراسخة بين الشعبين بجلاء في هذا الوباء، إذ في بداية الوباء، عبرت سورية حكومة وشعبا عن دعمها وتفهمها للجانب الصيني بطرق مختلفة، وقدمت ما في مقدورها من المساعدة، سيحفظ الشعب الصيني ذلك في القلب. في الوقت الراهن، تم تسجيل إصابات مؤكدة بفيروس كورونا المستجد داخل سورية، ولن تغيب الصين عن جهود سورية في مكافحة الوباء. في يوم 26 مارس، عقد الجانبان الصيني والسوري اجتماعا افتراضيا بين الخبراء الطبيين لتقاسم خبرات الصين في مكافحة الوباء، في يوم 15 إبريل، وصل 2000 طقم لاختبار الحمض النووي الذي تقدمه الصين لسورية إلى دمشق بالطائرة المستأجرة الصينية، وهي الدفعة الأولى من المساعدات الصينية إلى سورية من أجل مكافحة الوباء. ستقف الصين دائما إلى جانب الشعب السوري في مواجهة الوباء.
تدل الخبرات الصينية في مكافحة الوباء بشكل جلي على أن الوباء قابل للوقاية منه وقابل للسيطرة عليه وقابل للعلاج. وقد اتخذت الحكومة السورية سلسلة من الإجراءات الصارمة للوقاية والسيطرة، بما فيها حظر التجول، وتجاوب الشعب السوري مع دعوات الحكومة بشكل إيجابي.
“الثقة أغلى من الذهب”، سينتهي الشتاء مهما طال وسيأتي الربيع مهما تأخر. إنني على ثقة تامة بأن سورية قادرة بكل التأكيد على تجاوز هذه الصعوبات وهزيمة الوباء في يوم مبكر بجهود الحكومة سورية وشعبها، وبمساعدة ودعم من الصين وغيرها من الدول الصديقة. سيواصل الجانب الصيني الالتزام بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والحفاظ على التواصل الجيد مع سورية والدول الأخرى وتعزيز التعاون في الوقاية والسيطرة عليه الوباء وتقديم ما في وسعه من المساعدات لسورية لحماية الصحة العامة الإقليمية والعالمية.