رؤية ومساعي الدبلوماسية الصينية للشرق الأوسط… بالأرقام
اعتبرت بكين أن مبادرتها التي أطلقتها لضمان الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ذات النقاط الـ5، تستجيب لهموم المنطقة بكل وضوح، مؤكدة أنه لايجوز للمجتمع الدولي أن يتخذ قرارات بشأن المنطقة بدلا من شعوبها، بل يجب توفير طاقة إيجابية متواصلة لاستتباب الاستقرار وتعزيز السلام في الشرق الأوسط على أساس احترام إرادة دولها.
إدارة غربي آسيا وشمالي أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية، نشرت اليوم مقالة على حسابها على منصة التواصل الاجتماعي الصينية «ويتشات» بعنوان «رؤية ومساعي الدبلوماسية الصينية للشرق الأوسط… بالأرقام» أوردتها وكالة «شينخوا»، قالت فيها إنه «في شهر آذار الجاري، من مدينة أنكوراج الأميركية شديدة البرد إلى مدينة قويلين بمقاطعة قوانغشي الصينية التي تعيش الربيع الممتع، وإلى الشرق الأوسط التي تستقبل أوائل الصيف، تشهد الدبلوماسية الصينية نشاطات متنوعة ونقاطاً ساطعة واحدة تلو الأخرى.
ففي أنكوراج، أعلن الوفد الصيني بصوت قوي وواضح للعالم أن الصين والولايات المتحدة يجب عليهما استكشاف طريق التعامل بين الدول الكبرى الذي يقوم على أساس عدم المواجهة والتصادم والاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك، وأي محاولة لإجبار الصين على ابتلاع الجرعة المرة التي تمس مصالحها عبر التخويف والتهديد وفرض العقوبات ستبوء بالفشل.
في قويلين بمقاطعة قوانغشي، عقد وزيرا الخارجية الصيني والروسي أول لقاء بينهما في السنة الجارية. أمام العالم الذي يشهد تغيرات وتعقيدات، حيث تحملت الصين وروسيا كدولتين كبيرتين المهمة التاريخية بشكل مشترك، واستجابتا لمتطلبات العصر وقدمتا مساهمات كبيرة ومستمرة في السلام والاستقرار في العالم عبر التعاون الإستراتيجي الشامل ورفيع المستوى.
أطلق عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي جولته للدول الست في الشرق الأوسط فور انتهاء اللقاء مع نظيره الروسي في اليوم ذاته، وتأتي هذه الجولة باعتبارها أول جولة لوزير الخارجية الصيني للشرق الأوسط منذ 7 أعوام، حيث تسجل رقما قياسيا لجهة عدد دول الشرق الأوسط التي يزورها وزير الخارجية الصيني في جولة واحدة، ورغم أن الزيارة لازالت جارية، لكن هناك ما يكفينا من النقاط الساطعة لهذه الجولة التي يمكننا قراءتها بكل الدقة.
تأتي هذه الجولة على خلفية الذكريات الست، والتي لجأ إليها وانغ، في المقابلة الخاصة مع قناة «العربية» خلال زيارته للسعودية محطته الأولى، عند تلخيص الأهمية الخاصة لجولته، وهي أن العام الجاري يصادف الذكرى الـ10 لـ «الربيع العربي» والذكرى الـ20 لحادث «9. 11» والذكرى الـ30 لعقد مؤتمر مدريد للسلام والذكرى الـ40 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي والذكرى الـ50 لعودة الصين إلى الأمم المتحدة والذكرى الـ20 لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية.
عانت منطقة الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، من التأثيرات السلبية الناجمة عن خلل المعادلة الدولية وويلات الحروب والنزاعات ومحن الصراعات الإقليمية، لكن الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي وبلد كبير مسؤول، أصبحت محافظا ومدافعا ومساهما حازما للنظام الدولي القائم والسلام والتنمية في الشرق الأوسط وهي تسعى من خلال هذه الجولة في هذا التوقيت إلى بذل قصارى جهدها مع أصدقائنا في الشرق الأوسط لتعزيز السلام والأمن والأمان في هذه المنطقة».
مقالة وزارة الخارجية الصينية اعتبرت أن المبادرة ذات النقاط الـ5 تستجيب لهموم المنطقة بكل وضوح، في ظل تشابك التغيرات الكبرى للمعادلة العالمية مع تداعيات جائحة القرن، حيث تواجه دول الشرق الأوسط تحديات متزايدة في مساعيها بإرادتها المستقلة إلى تحقيق النهضة والتطور والتخلص من الصراعات والاضطرابات، فهي وصلت إلى مفترق طرق مرة أخرى.
وعلى هذه الخلفية، أكد وانغ يي خلال جولته الشرق أوسطية على أنه لا أمن ولا أمان من دون الاستقرار في الشرق الأوسط، فلا يجوز للمجتمع الدولي أن يتخذ قرارات بشأن منطقة الشرق الأوسط بدلا من شعوب المنطقة، في حين لا يمكنه أيضاً أن يتفرج مكتوف الأيدي عما يحدث، بل يجب على المجتمع الدولي توفير طاقة إيجابية متواصلة لاستتباب الاستقرار وتعزيز السلام في الشرق الأوسط على أساس احترام إرادة دول المنطقة.
بهذا الصدد، طرح وانغ المبادرة ذات الـ5 نقاط بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومفادها «الدعوة إلى الاحترام المتبادل والالتزام بالعدالة والإنصاف وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية والعمل سويا على تحقيق الأمن الجماعي وتسريع وتيرة التنمية والتعاون»، الأمر الذي يقدم الحكمة الصينية لمعالجة عجز الشرق الأوسط في الحوكمة والأمن والتنمية، ويطرح الحل الصيني للقضية الفلسطينية وملف إيران النووي وأمن الخليج وغيرها من المسائل ذات الاهتمام البالغ من المجتمع الدولي ودول المنطقة، في تجسيد جديد للالتزامات والمسؤولية المنوطة بدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في الشرق الأوسط.
الخارجية الصي
نية رأت في مقالتها، أن رؤية المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك ذي المزايا الثلاث يحدد الأهداف لتطوير العلاقات الصينية العربية.
«تعد الدول العربية قواما لدول الشرق الأوسط، فالعام الماضي ترك بصمات خاصة في تاريخ العلاقات الصينية العربية، إذ بقيت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، وأصبحت الدول العربية أكبر مورد للنفط الخام للصين، وانعقدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، واتفق الجانبان على عقد القمة الصينية العربية الأولى».
لقد تحول بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك إلى راية ترشد الجهود لتطوير العلاقات الصينية العربية. ووجود 4 دول عربية ضمن الدول الـ6 لهذه الجولة خير انعكاس لاهتمام الصين بتطوير العلاقات مع الدول العربية، وخلال الجولة، طرح وانغ رسميا إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك القائم على المبادئ والمواقف المشتركة والمتجه إلى صيانة الأمن والأمان والتنمية والازدهار، الأمر الذي يبرز سبيل تطوير العلاقات الصينية العربية بشكل أوضح.
وتابعت الخارجية الصينية في مقالتها: «تم تلخيص التعاون الصيني العربي في مكافحة الجائحة بثلاث نقاط بارزة. جاءت جائحة فيروس كورونا المستجد فجأةً وتركت تداعيات على كل من الصين والدول العربية، لكن العلاقات بين الجانبين صمدت أمام الاختبارات وارتقت إلى مستوى أعلى. ولخّص وانغ التجارب الثمينة لتضامن الجانبين في مكافحة الجائحة في 3 نقاط: أولا، أن أهم أساس هو الإيمان بالمستقبل المشترك. أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أول زعيم أجنبي أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس شي جين بينغ تعبيراً عن التضامن للجهود الصينية في مكافحة الجائحة، وأضيء برج خليفة الإماراتي وهو أعلى مبنى في العالم وغيره من المعالم المشهورة بشعارات مؤثرة مثل «شد حيلك يا ووهان»، وأجرت الصين التعاون مع جميع الدول العربية في مجال مكافحة الجائحة، ولم تكن المساعدات الصينية غائبة سواء للشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، أو للشعب السوري وغيره في مناطق «الصراع».
ثانياً، إن أبرز ميزة هو المساعي إلى الريادة، إذ تتصدر الدول العربية دول العالم في التعاون مع الصين في مجال اللقاح، والإمارات أول دولة أجرت المرحلة الثالثة للتجربة السريرية الدولية للقاح الصيني، وقدمت مساهمة بارزة في نجاح تطويره.
ثالثاً، إن أثمن كنز هو الرؤية المشتركة حيث أصدرت الصين والدول العربية البيان المشترك للتضامن الصيني العربي في مكافحة الجائحة في الدورة التاسعة لاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقدة في العام الماضي، الذي أكد ضرورة تعزيز التعاون الدولي ورفض تسييس الجائحة أو وضع علامة جغرافية على الفيروس، ما قدم مساهمة مهمة في التوصل إلى توافق عالمي وحشد الجهود لمكافحة الجائحة».
واعتبرت الخارجية الصينية، أن الدعم المتبادل خير دليل على مدى متانة العلاقات بين الجانبين، فدول الشرق الأوسط وشعوبها على دراية تامة بالحقيقة، واتخذت خطوات حازمة لدعم الصين، وأعربت عن رفضها القاطع للتدخل في شؤون الصين وتوجيه الإملاءات وفرض الضغوط عليها، وقدمت دعما قويا للصين في القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ. حيث أكدت مخرجات الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي على جهود الصين المهمة في رعاية الأقليات القومية، ودعم موقف الصين من قضية هونغ كونغ. وفي جلسة مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الأخيرة، أطلقت 21 دولة عربية الصوت العادل للتضامن مع الصين ودعمها بشكل مشترك. وخلال لقائه مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في يوم 24 الجاري، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تدعم بكل ثبات موقف الصين المشروع من القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ وغيرهما، وترفض التدخل في الشؤون الداخلية الصينية تحت أي ذريعة، ورفض قيام بعض الجهات بزرع بذور الشقاق بين الصين والعالم الإسلامي.
في المقابل، يدعم الجانب الصيني بكل ثبات جهود دول الشرق الأوسط في الدفاع عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها واستكشاف الطرق التنموية التي تتفق مع ظروفها الوطنية، وترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة مهما كانت الحجة.
وختمت الخارجية الصينية مقالتها بالقول: «تنتمي الصين ودول الشرق الأوسط إلى الدول النامية، وتواجه المهام الواقعية لصيانة سيادة الدولة وأمنها والمهام التاريخية لتحقيق التنمية والنهضة، وهناك قواسم مشتركة متزايدة للتعاون بين الجانبين. لذلك، نحن على ثقة بأنه بفضل الجهود المشتركة من قبل الصين ودول الشرق الأوسط، ستكون العلاقات بين الجانبين مستقبلا أجمل بكل تأكيد، بما يسهم في تعزيز السلام والتنمية في العالم، ويقدم مساهمة أكبر لإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية».
الوطن-وكالات