سحب دواء «الفالسارتان» للخلل الحاصل بالمادة المستوردة وليس التصنيع المحلي
أصدرت وزارة الصحة في سورية وهيئات دوائية عالمية قراراً بالسحب الاحترازي للمستحضرات الدوائية الخافضة للضغط والحاوية في تركيبها المادة الفعالة الفالسارتان (Valsartan) المصنعة في المعمل الصيني (zuijiang huaui pharmaceuticals).
وكانت مبررات السحب الاحترازي احتواء المادة الأولية الفعالة على مادة ضارة كناتج ثانوي لتصنيع المادة الأولية وهي من مشتقات النتروزامين. ورغم أن تركيز المادة المذكورة كان بحدود ما يسميه التحليل الكيميائي وله آثار زهيدة (traces) وبتركيز يقل عن 1 بالعشرة آلاف، إلا أن قرار السحب جاء احترازياً مع أخذ العلم بأن مواصفات المادة في دساتير الأدوية لم تأت على وجود هذه المادة أو اختبار وجودها.
وبلغ عدد الهيئات الدوائية الممثلة للدول التي سحبت هذه المادة من السوق الدوائي 24 حتى تاريخه متضمنة الولايات المتحدة ودولاً أوروبية وغير أوروبية وعربية. ونصح توجيه وزارة الصحة المرضى بمراجعة أطبائهم لاستشارتهم ووصف البدائل العلاجية المناسبة، والمهم ألا يتم إيقاف العلاج بصورة فورية، ولم يتضمن السحب الاحترازي المادة نفسها إذا كانت من مصادر غير تلك التي ذكرت في التعميم حيث سمح بالاستمرار باستخدامها، وحالياً في سورية وخارج سورية، تتوافر بدائل لمصدر المادة الأولية المذكورة وتتوافر بدائل علاجية بتركيبات أخرى والطبيب المعالج وحده يمكن أن يختار منها ما يناسب مريضه.
آليات ومبررات سحب
الأدوية من التداول
من حين لآخر تصدر قرارات بسحب أدوية أو تحضيرات معينة منها، من التداول لأسباب مختلفة وهذا إجراء متبع في جميع دول العالم لأنه من المفروض أن برنامج الدواء إنتاجاً واستيراداً واستهلاكاً متابع بصورة مستمرة.
ويتم سحب أدوية من التداول لأسباب متعددة، فمنها ما يكون رئيسياً ولأسباب خطرة متعلقة بالمادة الدوائية نفسها، أي المادة الفعالة نفسها بغض النظر عن شكلها الصيدلاني، ومنها ما هو متعلق بالإجراءات ومطابقة المواصفات القياسية المتعلقة بالمستحضر الدوائي كشكل صيدلاني.
سحب الأدوية بسبب
خلل بالشكل الصيدلاني
يتم سحب المستحضرات الصيدلانية لأسباب متعددة أهمها: ظهور علامات تخرب بالمستحضر كتغير باللون والطعم، وظهور ترسبات في الشراب أو تبلور للمادة الفعالة، وظهور علامات على تغليف أو تعليب غير ملائم ما يسمح بوصول الرطوبة إلى المستحضر أو اكتشاف معلومات غير دقيقة مطبوعة على العبوة أو ظهور أدلة على أن فترة الصلاحية الممنوحة للمستحضر لا تتحقق في نهايات فترة الصلاحية.
ويتم سحب المستحضر أيضاً لوجود شكوى محققة حول المستحضر، وبصورة عامة يكون سحب المستحضر في هذه الحالات سحباً احترازياً ولتحضيرة محددة لمعمل محدد.
سحب المستحضر بسبب
المادة الدوائية الأولية
يتم سحب المستحضر بسبب المادة الدوائية بظهور أسباب جدية بالمادة الدوائية الفعالة مثل وجود تلوث فيها أو ظهور آثار جانبية غير مرغوب فيها أو نتيجة لإثبات إحصائيات متابعة ما بعد التسويق وعدم الفعالية أو تسببها لأغراض مرضية.
تقسم المواد الأولية المستخدمة في الصناعة الدوائية إلى مواد أولية فعالة ومواد مساعدة وهي المواد المضافة للتشكيل الدوائي لتصبح المادة الفعالة شكلاً صيدلانياً قابلاً للتداول حسب الغرض المقصود: مضغوطات أو كبسول أو أمبول وغيره.
ويجب أن تتمتع جميع المواد الداخلة في الشكل الصيدلاني بمواصفات ندعوها بعلم الصيدلة مواصفات دستورية. وتكون هذه المواصفات معتمدة عالمياً، وبذلك يكون المستحضر النهائي مطابقاً أيضاً للمواصفات الدستورية، وبكلمة أخرى لا يوجد ضمن إطار المواصفات دواء سوري أو دواء أوروبي أو عربي أو غيره، فجميع الأدوية يجب أن تتمتع بالمواصفات المعتمدة نفسها.
مصادر المواد الأولية
تحصل معامل الدواء على المادة الأولية اللازمة لصناعتها من مصدرين:
الأول، من الشركة الأم صاحبة براءة اختراع الدواء ومالكة حق التسويق الأولي إذ تنحصر ملكية المادة الأولية والصنف النهائي بالشركة صاحبة الاختراع لمدة 20 سنة قابلة للتمديد حسب تعليمات منظمة التجارة العالمية ولا يسمح لأي شركة أخرى بتصنيعه أو تقليده خلال هذه الفترة، وعادة ما يكون سعر المادة الأولية من الشركة الأم مرتفعاً لوقوعها تحت حماية الملكية ولتغطية تكاليف البحث والتطوير الطويلة.
الفترة اللاحقة لمرحلة
حماية الاختراع
أما المصدر الآخر للمواد الأولية فيكون من معامل تصنيع المواد الأولية وذلك للمواد التي انتهت فترة حمايتها وأصبح مسموحاً بتصنيعها كشكل «جنيس»، فبعد انتهاء فترة العشرين سنة لحماية المستحضر لمصلحة الشركة التي أوجدته، وإذا لم يتم تمديد هذه الفترة لسبب ما، يصبح المستحضر قيد التداول المفتوح ويمكن تصنيعه من شركات أخرى كدواء جنيس «Generic» وهذا عملياً ما يحدث في صناعات الدواء بالعالم الثالث وغيره جميعاً، حيث تنتظر الشركات انتهاء فترة الحماية لتقوم بتصنيع الأدوية كأدوية جنيسة وتحصل على المادة الأولية إما من الشركة الأم بسعر مرتفع للغاية، أو من مصادر أخرى مفتوحة تقوم بتركيب المادة الأولية، والاشتراط الدائم أن تكون مواصفات المادة المصنعة في المنشآت التابعة للشركة الأم والشركات الأخرى مطابقة تماماً من الناحية الكيميائية والفيزيائية للمادة الأصلية، وعادة تشترط الدول لدى تصنيع دواء «جنيس» أن تجرى عليه دراسات تكافؤ حيوي لضمان أن يكون سلوك الدواء في الجسم لدى تناوله مشابهاً لسلوك الدواء الأصلي من حيث التركيز في الدم والتأثير والاطراح والتأثيرات الجانبية وكذلك الثبات.
تعتمد صناعة الدواء في سورية على تصنيع الأدوية الجنيسة بمجملها، باستثناء نسبة لا تتجاوز 1 بالمئة من المستحضرات يتم تصنيعها بترخيص من الشركات الأم ويتم الحصول على موادها الأولية من الشركات المانحة الامتياز، أما الشركات الأخرى فتحصل على موادها من الشركات المصنعة للمواد الأولية، مع أخذ العلم بأن ما يتجاوز 90 بالمئة من المواد الأولية في العالم كله يتم تصنيعه في هذه الشركات المتموضعة في الهند والصين والأرجنتين، وتستخدم هذه المواد بكبريات الشركات العالمية، حيث عمدت معظم الشركات المتعددة الجنسيات إلى نقل معامل المواد الأولية إلى تلك الدول أو شاركت شركات محلية في الإنتاج لأسباب بيئية أو اقتصادية.
المواد الأولية والمواصفات الدستورية
يثبت دستور الأدوية المعتمد مواصفات المواد الأولية ولا تستورد أي مادة لا تمتلك المواصفات المطلوبة، وما حدث في حالة الفالسارتان أن الشركات المصنعة للمادة الأولية وهي من كبريات الشركات الصينية غيرت في طريقة تصنيع المادة فأدى ذلك إلى ظهور شوائب بالتصنيع بنسبة ضئيلة جداً من مادة تعتبر ضارة، وهذا ما ينطبق عليه خلل في المادة الأولية ما يستدعي سحب كل التحضيرات والأشكال ولكل الشركات بجميع الدول التي استخدمت فيها المادة، ولذلك نجد أن ما يزيد على 24 دولة سحبت المستحضرات الحاوية على المادة المصنعة في الشركات الصانعة للمادة الأولية.
وفي سورية تعتمد سياسة وزارة الصحة على توفير بدائل مناسبة لأي دواء بصورة مستمرة والبدائل تكون التركيب نفسه لشركات أخرى، أو بتركيب آخر ذي تأثير علاجي مشابه، أي من الزمرة الدوائية نفسها.
ما يجب تأكيده في هذه الحالة
1- إن الخلل الحاصل ليس بسبب التصنيع المحلي وإنما بسبب المادة الأولية المستوردة لطبخات معينة ومن شركة محددة وحيدة.
2- لا يشكل هذا الحدث أي خلل في رقابة الجودة للمعامل المستوردة للمادة الأولية أو مخابر الوزارة المركزية المسؤولة عن رقابة المواد الأولية لأنه لم تأت دساتير الأدوية على ذكرها أو تطلب تحريها في المواد المنتجة.
3- التجاوب السريع والفوري لوزارة الصحة ومواكبتها للمستجدات العالمية في قطاع الدواء مما يضمن سلامة المريض السوري بدليل أن السحب كان احترازياً.
4- ضرورة متابعة التعاون الدولي في مجال الدواء ومعلوماته.
5- وجود بدائل محلية متوافرة ولكن لا يمكن استبدال المستحضر المسحوب أو إيقافه إلا بمشورة الطبيب.
6- الضرورة الدائمة لتحصين السوق الدوائية السورية بتعاون جماعي متكامل بين الجهات الوصائية والمنتجة وضرورة الالتزام بقواعد التوزيع وصرف الدواء من ناحية السعر والنوع.
الوطن