سوريا الجديدة.. انفتاح متوازن بعيداً عن المحاور

بقلم: موفق محمد
تكتسب الزيارات التي يقوم فيها الرئيس أحمد الشرع إلى الدول العربية والإقليمية وآخرها اليوم، إلى العاصمة القطرية الدوحة، أهمية كبيرة، لكونها تأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد، بعد سقوط نظام بشار الأسد البائد، وولادة سوريا الجديدة.
أهمية تلك الزيارات تنبع من أنها تأتي في إطار حرص القيادة السورية على انتهاج سياسة الانفتاح الدبلوماسي على الدول العربية والإقليمية والأجنبية، وتعزيز حضور سوريا على الساحة الدولية، لإدراكها أن بناء علاقات دولية على أسس صحيحة، وإرساء الأمن والاستقرار في البلاد والمنطقة، وإعادة إعمار البلاد والنهوض بها وإنعاشها على كل الصعد، يتطلب ذلك.
وأكثر ما يلفت الانتباه في سياسة القيادة السورية الجديدة الرامية إلى إعادة بناء علاقة سورية مع الدول على أسس صحيحة، هي اتباعها “سياسة متوازنة” في الانفتاح على تلك الدول وتوسيعها، ويدل على ذلك أن زيارات الرئيس الشرع والمسؤولين السوريين شملت الدول المرحّبة بالتغيير والداعمة للإدارة الجديدة وللشعب السوري، ودول أخرى تريثت في الإعلان عن موقفها رسمياً، وصولاً إلى “مرونة” تمثلت بقيام مسؤولين سوريين كبار بزيارات إلى دول لاتزال “متحفظة” على ما جرى في سوريا، وإن كسرت تلك الدول جمود هذا التحفظ مؤخراً.
كما انفتحت الدبلوماسية السورية على دول أجنبية كانت تدعم نظام الأسد واستقبلت مسؤوليها، وكذلك على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، التي تأخذ بالحسبان أن الثورة السورية تمكنت من إسقاط نظام استبدادي جثم على صدور السوريين أكثر من خمسة عقود، وشارك في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وأن الثورة تمكنت من كسر نفوذ وهيمنة إيران وأذرعها في المنطقة، حيث شارك مسؤولون من الإدارة السورية الجديدة في العديد من المؤتمرات العالمية، وسمعوا مواقف تلك الدول وما لديها، وبنفس الوقت عرضوا ما لديهم خصوصاً ما يتعلق بالعقوبات الغربية المفروضة على سورية وضرورة إلغائها لأنه لم يعد هناك مبرر لبقائها مع انتهاء النظام السابق، وهو ما لاقى تجاوباً وإن كان جزئياً، تمثل بالتخفيف من تلك العقوبات.
وإن دلت هذه السياسة على شيء، إنما تدل على حنكة تتمتع بها القيادة السورية، فهي تعي ضرورة توطيد علاقات سوريا الدولية وفتح آفاق جديدة للتعاون مع الدول وتعزيز الشراكات فيما بينها، لأن ذلك يخدم المصالح المشتركة للجميع ويسهم في دعم الاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة، وأن البلاد مدمرة ولا يمكن إعادة إعمارها وإعادة دوران عجلة الاقتصاد في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي تسبب فيها النظام البائد، إلا من خلال استثمارات خارجية، كما أنها تدرك أن إرساء الاستقرار والأمن في سوريا يحتاج الى إنهاء الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، وهو ما يتطلب قيام دول عربية أو إقليمية أو أجنبية لها علاقات مع تل أبيب بدور الوساطة للكف عن ذلك والضغط عليها للالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة.
لقد بات واضحاً حرص القيادة السورية في الابتعاد عن “سياسة المحاور” التي سار عليها النظام البائد، وكانت السبب الرئيس في تدمير البلاد، وعزلها عربياً وإقليمياً ودولياً، وجعلها مجرد تابع لدول أخرى، وأداة لديها تتحكم بها وتستخدمها كساحة لحروبها ولتحقيق مصالحها، وكورقة تفاوض لحل مشاكلها المزمنة مع القوى العظمى على حساب الشعب السوري، عدا عن إغراق البلاد في أزمات عميقة شملت كل المجالات، وتجويع شعبها إلى أن أصبحت الغالبية العظمى منه تعيش تحت خط الفقر.