الباحث بلال وهاب بيّن في مقال له نشره المعهد، أنه منذ حوالي قرنٍ من الزمن، لاح فوق منطقة الشرق الأوسط سؤالٌ حول ما إذا كان ينبغي أن تكون هناك دولة كردية مستقلة. «ولم يؤدّ الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 والحرب التي تلته إلا إلى تسارع هذه العملية. لكن اليوم، لم يعد السؤال يدور حول إذا ما ستنشأ دولة كردستان مستقلة، ولكن حول عدد دول كردستان التي ستبرز من جراء الانهيار في المنطقة – ومن سيديرها».
وبحسب بلال، فمع تواجد تنظيم «الدولة الإسلامية» على أبواب العاصمة الكردية العراقية أربيل، «كان المقاتلون الأكراد من تركيا وسورية هم الذين هرعوا إلى النجدة في صيف عام 2014. وبعد بضعة أشهر، كان المقاتلون الأكراد من العراق، أي قوات البيشمركة الشهيرة، هم الذين عبروا إلى سورية لدعم إخوانهم الأكراد في حصار عين العرب.. لكن إذا أدى بروز تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى جمع الأكراد معاً، إلا أن انهياره الوشيك يهدد بتفرقتهم».
وتابع بلال «أهم ما يحرّك وضع الأكراد اليوم، هو الصراع على السلطة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، المهيمن في العراق، وحزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان، ومركزه في تركيا، وله فرع قوي في سورية يُعرَف بحزب الاتحاد الديمقراطي.. وتعود العداوة بين هذان الحزبان إلى زمن بعيد. فهما يختلفان في الإيديولوجيا بشكل صارخ. وكلٌ حزب يرى نفسه على أنه الزعيم الشرعي للقضية الكردية. وتتفاقم هذه الاختلافات حالياً بسبب تراجع تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي يثير السؤال عن الطرف الذي سيسيطر على الأراضي في غرب العراق وشمال سورية التي يجري تحريرها من قبضة الإرهابيين».
وبحسب بلال، كانت القوة العسكرية الكردية في كل من العراق وسورية مهمة جداً لكسب الحرب ضد “داعش” «لكن السياسة الكردية هي التي ستكون مهمة جداً لكسب السلام ما بعد حقبة تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا استمر وضع الأكراد في الانحدار نحو الانقسام والحرب الأهلية، فإن ذلك سيُفسح المجال لتنظيم الدولة الإسلامية لإعادة تأسيس نفسه».
وختم بلال مقاله بأنه «لا يُرجَّح قيام دولة عظمى كردية عابرة للمناطق. فهذا الاحتمال تمقته كل القوى الإقليمية، وهو غير ممكن تقريباً بسبب الانقسام السياسي بين الأكراد أنفسهم. وما يمكن تصوّره، مع أنه صعب التحقيق أيضاً، هو قيام مقاطعتين كرديتين آمنتين ناجحتين تحكمان نفسيهما، في العراق وسورية، مع حدود مستقرة وعلاقات سلمية ليس فقط مع جيرانهما من غير الأكراد، ولكن بنفس القدر من الأهمية، مع بعضهما البعض. وسيستلزم ذلك أيضاً تفعيل سياسة شاملة داخل الأراضي التي يحكمها الأكراد».
وأضاف «أما الافتراض بأن الأكراد سيعملون بطريقة أو بأخرى على حل مشاكلهم السياسية بأنفسهم، أو أنه من الممكن إرجاء الحل إلى ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، عندما يقل بالتالي نفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها، فلن يؤدي على الأرجح إلا إلى نتائج كارثية. ويجب ألا يشك أحدٌ في القدرة العسكرية الأمريكية على إنهاء النظام الاستبدادي الجائر الذي أنشأه تنظيم الدولة الإسلامية على الأراضي العراقية والسورية. غير أن المقياس الحقيقي للعظمة الأمريكية سيكمن في قدرة واشنطن الاستراتيجية على صياغة نظام لائق ومستدام من تحت الأنقاض. وسيكون من المهم جدّاً فهم الاستراتيجية الكردية بالشكل الصحيح من أجل تحقيق النجاح».