بقلم عبد المنعم علي عيسى
بنى المبعوث الأممي غير بيدرسون آماله في الدعوة التي أطلقها مطلع الشهر الجاري لعقد جولة ثالثة لأعمال اللجنة الدستورية المصغرة المنوط بها مهمة تعديل الدستور السوري، أو اجتراح بديل آخر له، على اختراق كان يرى أنه قد حققه في آذار الماضي عندما جرى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال للجنة الدستورية ما بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين، كان ذلك قبيل «هدنة كورونا» التي بدأت في المنطقة أواخر هذا الشهر سابق الذكر، فيما الفترة الفاصلة ما بينها وبين 24 آب الذي شهد بدء اجتماعات اللجنة الدستورية كانت حاملة للكثير من التطورات التي بدا أنها من النوع المعيق للاختراق الذي ارتأى بيدرسون أنه قد حققه.
كان من بين تلك التطورات اثنان مهمان، الأول تمثل في إعلان الإدارة الأميركية في 29 تموز المنصرم عن رزمة من العقوبات الجديدة على الحكومة السورية طالت أربع عشرة مؤسسة وشخصية، والإعلان احتوى إشارة مكررة مفادها أن الهدف من تلك العقوبات هو «تصحيح سلوك النظام وليس تغييره» ومن ثم «دفعه للالتزام بالعملية السياسية»، والجدير ذكره أن هذا الإعلان كان قد جاء بعد شهر أو يزيد قليلاً على دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ في شهر حزيران المنصرم، وهو يعني ببساطة محاولة لترسيخ سياسة فرض حلول هي بالتأكيد لا تناسب السوريين، وإخلالاً بإجماع دولي عبّر مراراً عن أن الحل للأزمة السورية يتأتى بالدرجة الأولى من إرادة السوريين وتصوراتهم التي يجب أن تكون نابعة بالضرورة من المصلحة العليا للبلاد، والثاني هو تحريك ملف شرق الفرات من جديد، ففي أواخر تموز المنصرم أيضاً جرى توقيع اتفاق ما بين ميليشا «قسد» وشركة «دلتا كرسنت اينيرجي» النفطية الأميركية، وفي الغضون جرى الإعلان عن تشكيل «جبهة السلام والحرية» التي ضمت أربعة كيانات سياسية معارضة، ومن الواضح أن ولادة ذلك الجسم السياسي كان يهدف إلى تلوين الصباغ الكردي بملونات عربية وأخرى آشورية محسنة للصورة، فالاتفاق من حيث المنهجية يقوم على إعدام البعد الوطني السوري، ومن الناحية السياسية فإن تلك الصيغة تسعى، كما قالت في بيانها التأسيسي، إلى إقامة «نظام ديمقراطي لا مركزي» والمؤكد هو أن اللامركزية تعني في وجهها الأعمق نية مستترة للانفصال، وعلى الرغم من أن التنظيمات الأربعة المكونة للإعلان سابق الذكر، فاقدة جميعاً لمصداقيتها قياساً إلى علاقاتها المشبوهة مع حزب العمال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل شمال العراق، إلا أنه، أي ذاك الإعلان، يمثل محاولة لتعقيد الوضع القائم شرق الفرات والذي لا يحتاج أصلاً إلى المزيد من التعقيدات.
هذه المناخات التي استولدها التطوران سابقا الذكر، توحي بأن الإدارة الأميركية قد استلت كل ما تملكه من سيوف لتليين عريكة السوريين الذين أبدوا مقاومة كانت مفاجئة لهم في إمكان اجتراح نظام ودولة هزيلين تملي السفارات الغربية سياساتها على كليهما.
في مطلق الأحوال فإن إطلاق مسار جنيف من جديد يعني النجاح في تهميش مساري أستانا وسوتشي على حد سواء، ومن المؤكد هو أن ذينك المساريين كانا قد شهدا تهتكاً واضحاً منذ الافتراقات الحاصلة ما بين أنقرة من جهة، وبين موسكو وطهران من جهة ثانية، على خلفية التضارب الحاصل في ملفات عدة أبرزها ملف إدلب والملف الليبي، وصولاً إلى ملف النفط والغاز الذي وضع منطقة شرق المتوسط في حالة غليان قصوى.
وعليه فإن الآمال الغربية المتمثلة بإمكان حدوث اختراق جوهري كانت تراه حاصلاً في جولة جنيف الثالثة، تبدو غير واقعية، بل إن الرهان عليها بحد ذاته يبدو خطأ في الحسابات ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير.
تشير التقارير الواردة عن الاجتماع الثاني الذي عقدته اللجنة المصغرة يوم 27 آب بعد توقف دام ثلاثة أيام بسبب إصابات الكورونا المتعادلة بين الوفود الثلاثة، إلى أن تلك الجلسة قد تركزت على مبدأ الهوية الوطنية، فيما ذهب أفراد من وفد المعارضة إلى الغمز من قناتي «اسم الدولة» و«التنوع».
المسافة لا تزال بعيدة، والراجح أنها ستظل كذلك طالما أن الغرب مصر على ممارسة فعل النخر في الجغرافيا والتاريخ السوريين.
بنى المبعوث الأممي غير بيدرسون آماله في الدعوة التي أطلقها مطلع الشهر الجاري لعقد جولة ثالثة لأعمال اللجنة الدستورية المصغرة المنوط بها مهمة تعديل الدستور السوري، أو اجتراح بديل آخر له، على اختراق كان يرى أنه قد حققه في آذار الماضي عندما جرى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال للجنة الدستورية ما بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين، كان ذلك قبيل «هدنة كورونا» التي بدأت في المنطقة أواخر هذا الشهر سابق الذكر، فيما الفترة الفاصلة ما بينها وبين 24 آب الذي شهد بدء اجتماعات اللجنة الدستورية كانت حاملة للكثير من التطورات التي بدا أنها من النوع المعيق للاختراق الذي ارتأى بيدرسون أنه قد حققه.
كان من بين تلك التطورات اثنان مهمان، الأول تمثل في إعلان الإدارة الأميركية في 29 تموز المنصرم عن رزمة من العقوبات الجديدة على الحكومة السورية طالت أربع عشرة مؤسسة وشخصية، والإعلان احتوى إشارة مكررة مفادها أن الهدف من تلك العقوبات هو «تصحيح سلوك النظام وليس تغييره» ومن ثم «دفعه للالتزام بالعملية السياسية»، والجدير ذكره أن هذا الإعلان كان قد جاء بعد شهر أو يزيد قليلاً على دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ في شهر حزيران المنصرم، وهو يعني ببساطة محاولة لترسيخ سياسة فرض حلول هي بالتأكيد لا تناسب السوريين، وإخلالاً بإجماع دولي عبّر مراراً عن أن الحل للأزمة السورية يتأتى بالدرجة الأولى من إرادة السوريين وتصوراتهم التي يجب أن تكون نابعة بالضرورة من المصلحة العليا للبلاد، والثاني هو تحريك ملف شرق الفرات من جديد، ففي أواخر تموز المنصرم أيضاً جرى توقيع اتفاق ما بين ميليشا «قسد» وشركة «دلتا كرسنت اينيرجي» النفطية الأميركية، وفي الغضون جرى الإعلان عن تشكيل «جبهة السلام والحرية» التي ضمت أربعة كيانات سياسية معارضة، ومن الواضح أن ولادة ذلك الجسم السياسي كان يهدف إلى تلوين الصباغ الكردي بملونات عربية وأخرى آشورية محسنة للصورة، فالاتفاق من حيث المنهجية يقوم على إعدام البعد الوطني السوري، ومن الناحية السياسية فإن تلك الصيغة تسعى، كما قالت في بيانها التأسيسي، إلى إقامة «نظام ديمقراطي لا مركزي» والمؤكد هو أن اللامركزية تعني في وجهها الأعمق نية مستترة للانفصال، وعلى الرغم من أن التنظيمات الأربعة المكونة للإعلان سابق الذكر، فاقدة جميعاً لمصداقيتها قياساً إلى علاقاتها المشبوهة مع حزب العمال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل شمال العراق، إلا أنه، أي ذاك الإعلان، يمثل محاولة لتعقيد الوضع القائم شرق الفرات والذي لا يحتاج أصلاً إلى المزيد من التعقيدات.
هذه المناخات التي استولدها التطوران سابقا الذكر، توحي بأن الإدارة الأميركية قد استلت كل ما تملكه من سيوف لتليين عريكة السوريين الذين أبدوا مقاومة كانت مفاجئة لهم في إمكان اجتراح نظام ودولة هزيلين تملي السفارات الغربية سياساتها على كليهما.
في مطلق الأحوال فإن إطلاق مسار جنيف من جديد يعني النجاح في تهميش مساري أستانا وسوتشي على حد سواء، ومن المؤكد هو أن ذينك المساريين كانا قد شهدا تهتكاً واضحاً منذ الافتراقات الحاصلة ما بين أنقرة من جهة، وبين موسكو وطهران من جهة ثانية، على خلفية التضارب الحاصل في ملفات عدة أبرزها ملف إدلب والملف الليبي، وصولاً إلى ملف النفط والغاز الذي وضع منطقة شرق المتوسط في حالة غليان قصوى.
وعليه فإن الآمال الغربية المتمثلة بإمكان حدوث اختراق جوهري كانت تراه حاصلاً في جولة جنيف الثالثة، تبدو غير واقعية، بل إن الرهان عليها بحد ذاته يبدو خطأ في الحسابات ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير.
تشير التقارير الواردة عن الاجتماع الثاني الذي عقدته اللجنة المصغرة يوم 27 آب بعد توقف دام ثلاثة أيام بسبب إصابات الكورونا المتعادلة بين الوفود الثلاثة، إلى أن تلك الجلسة قد تركزت على مبدأ الهوية الوطنية، فيما ذهب أفراد من وفد المعارضة إلى الغمز من قناتي «اسم الدولة» و«التنوع».
المسافة لا تزال بعيدة، والراجح أنها ستظل كذلك طالما أن الغرب مصر على ممارسة فعل النخر في الجغرافيا والتاريخ السوريين.
2020/08/29