ماذا يحدث في بورصة دمشق؟ … 25 ٪ من ملكية مصرف بيعت بأقل من دقيقة عبر 10 صفقات كبرى!
في السابع عشر من الشهر الجاري، وخلال 53 ثانية فقط، عقدت 10 صفقات متتالية على أسهم بنك سورية والخليج، تجاوز عدد الأسهم في كل صفقة 2.5 مليون سهم. لتسع صفقات، وأخرى بأكثر من 1.1 مليون سهم، بعدد إجمالي تجاوز 24.1 مليون سهم، علماً بأن العدد الكلي لأسهم البنك 100 مليون سهم منها 45.2 مليون سهماً متاحاً لتداول الاعتباريين.
تجاوزت قيمة تلك الصفقات العشر 3.38 مليارات ليرة سورية، صنّفت بأنها «صفقات عادية»! لعدم الإعلان المسبق عنها بموجب أنظمة الصفقات الضخمة في السوق، على حين تم تسجيل «صفقة ضخمة» واحدة على أسهم البنك بحجم تداول نحو 385.4 ألف سهم.
عدا ذلك، تم تنفيذ 5 صفقات عادية بسيطة، بحجم تدوال بين 500 و3000 سهم لكل منها، وبهذا الشكل يكون إجمالي الصفقات المنفذة على أسهم بنك سورية والخليج في جلسة يوم الأربعاء 17/7/2019 نحو 15 صفقة عادية، وصفقة ضخمة وحيدة، بإجمالي عدد أسهم 24.497 مليون سهم، قيمتها تتعدى 3.44 مليارات ليرة، نفذت خلال 19 دقيقة، بين الساعة 11 و11.19 صباحاً.
وبحسب مصادر السوق، وكون الصفقات متقاربة، وسحبت كامل كمية الأسهم المتاحة تقريباً، وبفارق زمني بالثواني، لا يكاد يذكر، طبعاً تلك هي الأحاديث الدائرة في الأروقة المالية والتي لم تتأكد منها «الوطن»، لكن يبدو أن القضية تخفي وراءها قصة تلاعب وفساد، تتلخص بتأمين ظروف التداول في السوق خدمة لمصلحة من اشترى تلك الصفقات الكبرى.
بداية الشكوك
لتلك الأسهم قصة عمرها أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، فهي أسهم زيادة رأسمال لم يتم الاكتتاب عليها منذ نهاية العام 2015 وحتى 18/6/2019، وقد أصبحت متاحة للتداول في سوق دمشق للأوراق المالية وفق الأنظمة والقوانين النافذة بعد تاريخ 18/6/2019، وكان من المفترض نشر إفصاح بذلك على موقع السوق كي تصبح المعلومة متاحة لجميع المستثمرين، وفقاً لمبدأ الشفافية والعدالة بتوفير المعلومات، وهذا ما يؤكده نظام الشفافية والإفصاح في السوق، إلا أن المستغرب هو نشر سوق دمشق للأوراق المالية لـ«توضيح» يوم الأربعاء 17/7/2019، أي يوم تنفيذ الصفقات المشار إليها!، ما يثير الشكوك بوجود شبهات تلاعب في الموضوع، وتهيئة الظروف لمستفيد واحد من تلك الأسهم، وهنا الخطورة، لكونه يسيء لسمعة القطاع المالي، لمصحلة بعض الذين تقودهم مصالحهم الشخصية للكسب والتربح على حساب القانون والبلد ومستقبل السوق المالي، بل والاقتصاد برمّته، لأن الإفصاح أو نشر «التوضيح» يفترض أن يكون قبل الجلسة بفترة زمنية مناسبة لضمان وصول المعلومة لكافة المستثمرين، وبالتالي تمكنهم من ودراسة وبحث الموضوع وتهيئة أمورهم في حال كانوا يريدون الشراء فعلاً عبر صفقات ضخمة، إلا أن هذا ما لم يحدث، ما دفع بعض المستثمرين إلى إرسال مطالبات وتبليغات وشكاوي لإبطال الصفقات لكونها مخالفة للقوانون ولأنظمة وقواعد الإفصاح والشفافية في السوق.
شكاوى
تقدم بعض المستثمرين بشكوى لرئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية حول إجراء تلك الصفقات، من دون أي أن يعلموا بأن الأسهم أصبحت متاحة للتداول في السوق، وقبل نشر أي خبر رسمي حول ذلك، الأمر الذي وصفه بعض المشتكين بالصدمة، واتفقوا جميعهم على أنه مخالف لأنظمة الإفصاح والشفافية.
«الوطن» تلقت نسخاً من تلك الشكاوى الموجهة لرئيس الهيئة، وهي مسجلة أصولاً لدى الهيئة، وقدر ورد في إحداها حرفياً:
«نحيطكم علماً بأنه بتاريخ 17/7/2019 جرت عملية بيع لنسبة 24.1 من أسهم بنك سورية والخليج الحرة «نسبة تداول السوريين» بشكل يتعارض مع نظام وتعليمات الإفصاح والشفافية وفق القرار رقم 110 تاريخ 24/4/2019 حيث تمت عملية الشراء في وقت سابق لوقت إفصاح هيئة الأوراق والأسواق المالية عن طرح أسهم بنك سورية والخليج الفائضة للتداول في السوق المالي، ما يثير الشبهات حول استخدام واستغلال الشاري لمعلومة داخلية قبل الإفصاح عنها للجمهور بخلاف الأنظمة والقوانين المرعية ذات الصلة.
أي إن العملية اكتنفتها مخالفة جسيمة تؤدي إلى إبطالها لكونها تشكل خطورة كبيرة وضرراً بالغاً على المساهمين الراغبين بالشراء ورفع نسب حصصهم.
وهو ما يعرض سوق دمشق للأوراق المالية إلى عدم المصداقية والشفافية في معرض أدائه لعمله، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على الاستثمار في سوق دمشق للأوراق المالية وبالتالي على الاقتصاد السوري بشكل عام الذي بدأت ملامح التعافي تظهر عليه بعد سنوات الحرب الطويلة.
ومما لا شك فيه أن استمرار التهاون والتغاضي عن هذه الأفعال المقصودة وما ينجم عنه من ضرر كبير سيلحق بالاقتصاد الوطني سيعرض الجهات الرقابية والوصائية المعنية وكذلك الهيئة الناظمة لهذا القطاع إلى تساؤلات كبيرة لاحقاً وحيال ذلك:
نطلب منكم ضرورة التوجيه بإبطال عملية البيع واعتبارها كأنها لم تكن كونها تمت بخلاف الأنظمة والقوانين وخالفت أبسط قواعد الشفافية والمصداقية التي تؤمن مناخاً استثمارياً عادلاً للجمهور.
وعليه نلتمس تسجيل كتابنا هذا واعتباره شكوى رسمية محتفظين بجميع حقوقنا بمراجعة الجهات الرسمية والقضائية المختصة لزوم ذلك وأصولا».
كلام آخر
العديد من المصادر في السوق المالي أكدت أن الموضوع يحتاج لإفصاح، وهذا ينسجم مع روح القانون، لإعلام المستثمرين بأن الأسهم أصبحت متاحة للتداول في السوق، وهذا ما لم يجر كما يفترض، إذ أرسل التوضيح إلى السوق من الهيئة ونشر بنفس اليوم الذي بيعت فيه الأسهم بعد عملية البيع وليس قبل عملية البيع، وهذا أمر إشكالي، ويشي بأن هناك أموراً تدبرت تحت الطاولة لمصلحة جهات محددة لها مصلحة بشراء الكميات الكبيرة من أسهم البنك، وهذا ما يحتاج تحقيقاً لإثباته.
وقد أكدت مصادر أخرى معنية بالشأن وجود «لعبة تحت الطاولة لمصلحة من اشترى»، منوهةً بأن الأمر واضح لعدم إفصاح السوق عن إتاحة الأسهم للتداول.
في الختام، يبدو واضحاً أن هناك أمراً خاطئاً، فلمَ كتبت عبارة عاجل وفوري بخط اليد على التوضيح المنشور على موقع السوق بنفس يوم عقد الصفقات، طالما أنها متاحة للتداول في السوق بشكل أوتوماتيكي قبل فترة الشهر تقريباً 18/6/2019، فلماذا تأخر إرسال أو نشر التوضيح، الذي يعد بمثابة إعلان رسمي يمكن للمستثمرين الاطلاع عليه ليكونوا على إطلاع كما تقتضيه الأنظمة والقوانين المرعية في السوق المالية.
هذا ما نضعه بين أيدي الحكومة والجهات الرقابية للبحث فيه، من أجل تبيان ما حصل، حرصاً على سمعة القطاع المالي.
الوطن | علي نزار الآغا