مطالب صناعية واقتصادية على أعتاب السنة الجديدة … عيسى: محاسبة الإدارة الاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذا الحال … الحلاق: الصناعي أصبح محللاً وخبيراً اقتصادياً وقادراً على قراءة المؤشرات
| علي محمود سليمان
بما أننا على أعتاب سنة جديدة فالسؤال الدائم ما التوقعات الاقتصادية؟ وما المطلوب لتحسين الحالة المعيشية والاقتصادية؟ وما الاقتراحات بناء على المعطيات الحالية؟
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور هيثم عيسى يوضح في حديثه لـ«الوطن» أنه قد يكون المشهد الاقتصادي المحلي حالياً أقل وضوحاً من أي وقتٍ سابق، ويزيد من هذه التعقيدات عدم وضوح الحالة الاقتصادية على المستوى العالمي، ولذلك في ظل بيئة كهذه قد يكون من الأسلم عدم التوقّع والتنبؤ وأي عملية تحليل ستكون عرضة لمستوى كبير من عدم الدقة وقد لا تصلح لتوقع المستقبل وما يمكن أن ينطوي عليه من تغييرات.
ولكن المتفق عليه أنّ الوضع الاقتصادي الحالي، من حيث النتيجة النهائية، سلبي جداً وقاتم وهو مرشّح للاستمرار زمنياً، مستويات الدخول للأغلبية العظمى، وهي محرك الاستهلاك في الاقتصاد الوطني، متدنية جداً ولا تغطي أكثر من 25 بالمئة من الاحتياجات في أحسن الأحوال، والإنتاج الحقيقي متراجع لمستويات كبيرة وقسم كبير منه يتم ضمن دائرة اقتصاد الظل.
مضيفاً إن عصب الاقتصاد، وهو قطاع الطاقة بكل فروعه، وصل إلى مستويات تقهقر وتراجع غير مسبوقة وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية خطيرة جداً، ورأس مالنا البشري، الخبرات البشرية التي تعلّمت وتأهلت وتدربت في سورية، يهاجر علناً ولا توجد أي خطة أو حتى إجراءات مؤقتة للحد من تلك الخسارة، الإمكانات الاقتصادية التي نمتلكها لا نُحسن استغلالها وتنميتها، وقطاع الزراعة خير دليل على ذلك، وعليه فإن استمرّ الحال على ما هو عليه فالمسير نحو الأسوأ.
وبحسب عيسى فإن أفضل المقترحات لهذا الوضع في العام القادم هو وضع إطار شامل للعمل الاقتصادي على المدى الطويل يشتمل على تفعيل مبدأ المحاسبة والبدء بتطبيقه من خلال محاسبة الإدارة الاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذا الحال، فيتم مكافأة من عمل واجتهد وترقيته ومحاسبة من تقاعس أو أخطأ وتغييره، من دون هذه المحاسبة لن تنفع عملية استبدال مسؤول بآخر أو إدارة اقتصادية بأخرى.
كما يجب وضع سلم أولويات اقتصادية وطنية يرتكز إلى ثلاثة أُسس وهي المحافظة على الخبرات البشرية الوطنية، من خلال فسح المجال للخبرات الوطنية لإدارة مؤسسات القطاع العام بكل أنواعها اقتصادية أو خدمية أو غيرها، والتوقف عن الاعتماد على الأحباب والأقارب والوصوليين وغيرهم (مع أهمية تفعيل مبدأ المحاسبة لأي منصب أياً كان)، مع ضرورة فسح المجال أمام المبادرات الفردية ولاسيما أمام الخريجين الجامعيين، وتحفيز النشاط الاقتصادي الخاص، من خلال إعادة تأهيل قطاع الطاقة عبر التحوّل المدروس إلى الطاقات البديلة وخاصة الطاقة الريحية والأنواع الكفؤة من الطاقة الضوئية، ودعم قطاع الإنتاج الحقيقي الزراعي والصناعي التحويلي.
وأشار عيسى إلى أهمية تنفيذ حزمة من الإجراءات الإسعافية تتضمن الرفع التدريجي للرواتب والأجور بحيث يكون هذا الأمر مرتبطاً في جزء أساسي منه بالأداء، مع الضبط الفعلي للأسعار ولاسيما أنّ الحكومة قادرة على التدخل الفعلي، إذا أرادت ذلك، من خلال مؤسسة السورية للتجارة. حيث تتدخل هذه المؤسسة كوسيط حقيقي بين المنتج والمستهلك ولاسيما المنتجات الزراعية.
من جانب أخر فقد أشار عضو غرفة صناعة دمشق أكرم الحلاق إلى أن كل الأزمات التي وقفت في وجه الصناعي على مدى السنوات الماضية شكلت دافعاً كبيراً للابتكار وإيجاد الحلول والخروج من عنق الزجاجة نتيجة الحصار الاقتصادي والمالي، ومع تراكم الخبرات لدى الصناعيين بات كل صناعي محللاً وخبيراً اقتصادياً وقادراً على قراءة المؤشرات والعمل بناء على المعطيات والتغيرات.
لافتاً في حديثه لـ«الوطن» إلى أن هناك آمالاً بأن يكون العام القادم عاماً للتحسن الاقتصادي، مؤكداً أن لا انفراج اقتصادياً إلا بالصناعة والزراعة وتحسن التصدير والسياحة وإدخال القطع الأجنبي للبلد.
مشيراً إلى أن موضوع حوامل الطاقة والكهرباء والغاز هو الهم الأول للصناعيين، حيث إنهم يدفعون فاتورة الخط الذهبي للكهرباء ولكن تقنين الكهرباء طالهم في المدن الصناعية حيث يتم قطع التغذية الكهربائية من الساعة الرابعة يوم الخميس وحتى السابعة صباح الأحد من كل أسبوع وبالتالي لم يستفيدوا من ميزة الخط الذهبي وخاصة للصناعات التي لا يمكن لها أن تتوقف كالمعامل التي فيها معدات وتجهيزات لا يجوز أن تتوقف خطوط الإنتاج فيها كالأفران والسخانات حيث تزداد التكلفة عليها نتيجة إعادة تشغيل هذه المعدات، ولذلك يأمل الصناعيون من الحكومة إيجاد حلول لتغذية المعامل بالكهرباء في المدن الصناعية على مدار اليوم من دون انقطاع، أما بالنسبة لملف المحروقات فقد بدأنا نلمس بوادر انفراج للأزمة.
أما فيما يتعلق بالقوانين المالية والربط الإلكتروني فهي قوانين حديثة على الصناعيين ونتوقع بعض الصبر من الدوائر المالية الحكومية المعنية لحين أن يتأقلم الصناعيون مع التغيرات مع تأكيد أن الكل متفهم ومتقبل للتغير ولكن ما يزال يجهل بعض التفاصيل وبحاجة للمزيد من الإيضاح.
وبالنسبة للصناعيين يرى الحلاق أن تحسين الوضع الاقتصادي في العام القادم منوط بعدد من العوامل وجزء بسيط منها مرتبط بالصناعيين وما تبقى من العوامل على عاتق الحكومة، فهي التي تمتلك أدوات التدخل بسعر الصرف وتأمين المحروقات والكهرباء وإعادة دوران عجلة الإنتاج بالمصانع ولذلك فنحن كصناعيين نرفع المطالب للحكومة كي تجد لنا الحلول، حيث لدينا ما يكفي من الهموم إن كان بتأمين قطع التبديل والمواد الأولية أو إيجاد تصريف للمنتجات في الأسواق.
مشيراً إلى أن الأزمات الاقتصادية منتشرة في كل دول العالم ولسنا وحدنا من نعاني وآخرها ما نشاهده في الدول المحيطة بنا فالحال ليس أفضل مما لدينا، مؤكداً أن الصناعي لا يمكن له عند أي أزمة أن يغلق معمله ويغادر إذ لديه تجهيزات وآلات ومكنات صناعية ولا يمكن الإغلاق بهذه السهولة كما لو أنه صاحب محل يغلقه حين يشاء.
الحكومة ليست بحاجة لحافز ولا لمن يحفزها لتحسين الوضع الاقتصادي والصناعي وهناك العديد من الكتب التي أرسلناها من غرف الصناعة إلى الحكومة تتضمن المقترحات لتحسين الوضع الاقتصادي، وهي لديها ملف كامل عن الوضع، ونعمل بالحدود الدنيا للإنتاج وبالتالي نتعامل مع هذه الأزمات بكل احترافية وأصبح لدينا خبرات كبيرة وطبقنا مقولة الحاجة أم الاختراع.
وأوضح الحلاق أن الصناعي لديه مواد أولية في المستودعات ومنتجات قيد الإنتاج وبضاعة في المستودعات وفي الأسواق وأغلبية الصناعيين يتعاملون بالذمة مع الأسواق وليس بالبيع النقدي ولذلك فالصناعي مرتبط للنخاع مع الوضع العام الاقتصادي ولا يمكن له أن يغادر وسيبقى قائماً على رأس عمله ونأمل بإيجاد حلول كافية في العام القادم.