نصيحة الرئيس إميل لحود
بقلم: رفعت ابراهيم البدوي
تحت عنوان بين المشكلة والقضية يقول رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم الحص في كتابه «للحقيقة والتاريخ»: «حين تكون القضية وطنية بامتياز فإنها تعتلي سلم أولويات الدولة والمواطن، لكن حين تجتمع القضية الوطنية مع المشكلة المعيشية، فإن حل المشكلة المعيشية يتقدم على القضية الوطنية عند المواطن، ومن واجب الدولة إيجاد الحلول الناجعة للمشكلة المعيشية وتأمين سبل العيش الكريم للمواطن، الأمر الذي يمنح المواطن قوة الصمود بوجه أي مؤامرة ضد الوطن والدولة».
ويضيف الحص في كتابه قائلاً: «كيف يمكن الطلب من رب الأسرة الصمود بوجه مؤامرة الحصار الجائر، على حين هو عاجز عن تأمين الحليب أو الخبز أو الدواء أو التعليم أو مستلزمات التدفئة لأطفاله المترافق مع انهيار العملة الوطنية، فترى المواطن غارقاً في بحر هائج عاجز عن إنقاذ نفسه وأطفاله، فيتحول همه في البحث عن كيفية تأمين أو تدبير أدنى مستلزمات العيش لأسرته، فيدخل اليأس وينال حصته من فكر الإنسان، وفي هذه اللحظة من الطبيعي أن تجد المواطن المسكين منصرفاً عن الاهتمام بالقضية الوطنية، تراه لاهثاً منهكاً في البحث عن خشبة خلاص وبأي طريقة، حينها يتسلل الفساد إلى المجتمع فنقع جميعاً في حفرة الخطر القاتل، الآيل إلى انفصال المواطن الحتمي عن الدولة العاجزة عن تأمين سبل العيش الكريم، وبذلك يتحلل المواطن من دفاعه عن الوطن».
في عام 2019 وقبل اندلاع ما سمي الحراك الشعبي في لبنان، قام وفد كبير من محور المقاومة بزيارة الرئيس اللبناني الأسبق العماد إميل لحود، مستعرضاً الأوضاع اللبنانية والإقليمية، وجرى البحث في التهديدات الإسرائيلية المتكررة على لبنان وسورية، في ظل تعاظم قوى محور الممانعة، فكان للرئيس لحود رأي سديد، مقدماً للزائرين في حينها، النصيحة الثمينة نظراً لخبرته ورؤيته الصحيحة التي ثبت فيما بعد دقتها وصوابيتها، ومما قاله لحود: «إن إسرائيل بعد حرب 2006 لن تتجرأ على خوض حرب خاسرة سلفاً مع لبنان، والسبب هو الانتصار الاستراتيجي الذي حققته المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006، وتمكنها من إلحاق الهزيمة النكراء وقهر جيش العدو الذي وصف يوماً بالجيش الذي لا يقهر، وهي المرة الأولى في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية»، ويتابع لحود نصيحته لوفد محور المقاومة قائلاً: «صحيح أننا انتصرنا على العدو الإسرائيلي، لكن الخطر على لبنان وسورية سيستمر، وستعمد أميركا وإسرائيل على محاربتنا بلقمة العيش وبالدولار الأميركي، وأيضاً بافتعال الفتن المذهبية والطائفية من خلال جيش المتطرفين في المنطقة، والذي يأتمر بأمرة أميركا وإسرائيل»، وختم لحود نصيحته لأعضاء وفد محور المقاومة قائلاً: «اسمعوها مني نصيحة، يجب علينا جميعاً، العمل لوأد الفتن المذهبية والطائفية، ومحاربة الفساد في بلادنا، والانصراف لوضع الخطط البديلة، استعداداً لمواجهة آثار الحرب الأميركية الجديدة الكامنة بحصار لقمة العيش وإفقار المواطن، والذي سيؤدي حتماً إلى تفتيت المجتمع والبيئة والأسرة، وأيضاً لتجنب الآثار الآيلة إلى ضرب العملة الوطنية بواسطة الدولار الأميركي، لأن أميركا تعتبر القابضة على مفاصل عالم المصارف وتحويل العملات في العالم».
نقول هذا الكلام اليوم لأن المواطن العربي في كل من سورية ولبنان والعراق، يعيش في حالة من الإنهاك الفكري والمعيشي، والتشرد والضيق وفقدان الأمل بغد أفضل، وفي معظم الأحيان تتملكه الحسرة والخوف من مستقبل قاتم يواجه مصيره بنفسه، بلا حلول ومن دون خطط واضحة المعالم، محروم من أدنى مستويات العيش بكرامة ويتساءل ما ذنب أطفالي؟
بصراحة ربما لا تعجب البعض نقول: صحيح أن أميركا والغرب جميعهم يمعنون في نهب ثرواتنا وفي ممارسة أبشع أنواع الحصار لإفقار شعوبنا وغسل عقول أجيالنا، عبر إعلام مزيف يروج لأفكار شاذة وهدامة، وكل ذلك بهدف قتل مستقبل بلادنا وأجيالنا وتفتيت مجتمعنا العربي، وهذا هو حالنا لكن التنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقنا نحن، وإلقاء اللوم كله على أميركا وحصارها الجائر، صار موضة للتهرب من مسؤولياتنا الذاتية الملقاة على عاتق الدولة والقيمين عليها.
صحيح أننا في محور المقاومة والممانعة، نجحنا في الإعداد والتخطيط والمقاومة، وألحقنا الهزيمة بالأعداء، ونجحنا في الانتصار التاريخي على العدو الإسرائيلي، وشعر المواطن العربي بالعزة لأول مرة بعد عقود من الانكسار مسترداً كرامته العربية، لكن هذا الانتصار التاريخي بقي من دون دعائم تضمن للمواطن العربي وللمجتمع المقاوم سبل العيش بكرامة.
المسؤولية لا تقع على الأعداء فقط، بل يجب علينا الاعتراف بأن جزءاً كبيراً من واقع الحال المزري يقع على عاتقنا نحن، لأنه من غير المقبول أن نبقى في حال من العجز عن إيجاد الحلول الضامنة لتحسين مستوى العيش في مجتمعنا.
صحيح أن الصمود والتصدي واجب وطني وأخلاقي وعقائدي لمواجهة حبل المؤامرات المتتالية علينا، لكن علينا أن نسأل: كيف يمكن الصمود بعدما صار المواطن متروكاً لمصيره المجهول، الأمر الذي أوصله حد الكفر بكل ما حوله؟
ونسأل: أيعقل بعد كل ما حققناه من انتصار تاريخي على العدو الإسرائيلي أن نقف عاجزين لإيجاد السبل الآيلة إلى تعزيز صمود المواطن؟ لماذا يسمح للأعداء بفتح دفرسوار جديد على جبهتنا وفي مجتمعنا؟ لماذا كتب على المواطن الصامد الاكتفاء بالقهر والذل؟!
لا ننكر أن مواجهة خطط أميركا والغرب صعبة ومؤلمة، وأن واجبنا الاستمرار في المواجهة مهما كانت مؤلمة دفاعاً عن أوطاننا ومجتمعنا وهويتنا وثقافتنا وحضارتنا العربية، لكن أيعقل أنه بعد 13 سنة من المواجهة والحرب الظالمة على سورية وبعد عشرين سنة من المواجهة وعدم التوازن والاضطرابات في لبنان والعراق، البقاء على هذا الحال المزري وشعور المواطن بالقهر والعجز المتفاقم، ناهيك عن استشراء للفساد في مفاصل الدولة من دون وازع ولا رادع ومن دون إيجاد خطط بديلة تكفل تماسك مجتمعنا وتضمن مستقبل أجيالنا؟
نصيحة الرئيس لحود لم يؤخذ بها للأسف، ولو سمعنا وطبقنا نظرية لحود في ذاك الوقت لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، واللوم يقع علينا نحن قبل إلقاء اللوم على الأعداء، فالعدو لن ينكفئ ولن يرتدع إلا بالقوة، ولكن القوة وحدها لن تكون كافية لضمان صمود ومساندة المواطن، إن بقي وأسرته في حال العوز والتيه، ومع ذلك تبقى المسؤولية الملقاة على عاتقنا بالعودة والأخذ بنصيحة لحود بضرورة إيجاد البدائل والتخطيط لمواجهة خطط إفقارنا وتجويعنا.
إن الانتصار على العدو مدعاة للفخر والعزة مهما كان مكلفاً، وعلينا الاعتراف والانحناء أمام دماء الشهداء الذين حققوا النصر، لكن علينا الإقرار بأن كل هذه التضحيات والانتصارات تبقى مفاعيلها عرضة للفشل، أو للسرقة بما أن المواطن أو المجتمع بقي في حال عدم التوازن المعيشي فاقداً لإيمانه بالغد، وطالما بقيت التسويات والصفقات على حساب استمرار آلام المواطن، ولطالما بقي فساد الداخل مستشرياً في داخلنا.