العناوين الرئيسيةمنوعات

هاني السعدي أبو البنات والجوارح

من التعليم إلى التمثيل رحلة أمضاها الكاتب السيناريست الراحل هاني السعدي، أدى أدواراً بقيت في الذاكرة على صغرها، خاصة في تمثيليات الحرب، إلى أن انتقل إلى الكتابة، فأنجز وأبدع، وكان له الفضل الكبير في الدراما السورية ونهضتها مع الشركاء الآخرين الذين قدموا أفضل ما لديهم في تسعينيات القرن العشرين.

 

النقلة النوعية والفكر

قدّم السعدي ملاحم تاريخية فصيحة في عدد من أعماله مثل: الجوارح والكواسر والفوارس والموت القادم إلى الشرق، وفي هذه الأعمال يحلو للكثيرين إطلاق تسمية (الفانتازيا التاريخية) وهو مصطلح غير دقيق، وفي هذه الأعمال قدّم السعدي مفهوم البطولة الفردية، ابن الوهاج، وأدان مفهوم البطولة الفردية، وتناول العلاقات المتشابكة بين أقطاب القبيلة والقبائل الأخرى، وتناول علاقة الأب زعيم القبيلة بأولاده، وبين الإخوة وصراعهم على القبيلة، وفي هذه الأعمال عالج بحرفية عالية مفهوم الرجولة والعجز، وانعكاس ذلك في سلوك الأفراد، ولا ينكر واحد أن مجموعة القيم والإسقاطات التي قدّها يمكن أن تشكل ملهماً إذا ما ابتعدنا عن تصنيف (الفانتازيا التاريخية) وفي أعمق أعماله فكراً (الموت القادم إلى الشرق) تناول قضية الشرق والوجود، من خلال علاقات متشابكة بين القوّاد، وأثر دخول الغرباء في النسيج، ورأينا أثر الجرائم والمكائد، وكيف ترتد على فاعلها عندما يصبح صاحب القضية قادراً.. وأغلب أعمال السعدي التي كانت تحت هذا الصنف قدمت لغة فصيحة قريبة من المتلقي، ساعده عليها أنه كان معلماً ويعرف ما يمكن أن يكون مقبولاً، في هذه المجتمعات الموجودة، التي حوّلها إلى افتراضية تجنباً للكثير من الإشكالات الرقابية والاجتماعية واستطاع أن يطلق أجنحة الإبداع للدراما السورية على المستوى العربي، ويحقق لها حضوراً لافتاً..

 

هاني السعدي والنجوم

في نصوص متوازنة من كل ناحية استطاع السعدي مع كل المخرجين الذين تعاون معهم أن يجلو وجوه نجوم الدراما السورية، فعاد أسعد فضة كبيراً إلى الواجهة، وعبد الرحمن أبو القاسم، ولمع أيمن زيدان ورشيد عساف وأمل عرفة وعارف الطويل وصباح عبيد وسعد مينة وفرح بسيسو، والقائمة تطول دون أن ننسى تعملق هاني الروماني في أداء خاص ولافت، إذ ساعدت الفصيحة التي اختارها على ضمّ نجوم الدراما من كل المدن، فاللغة واحدة والإبداع هو الفيصل، بل إن أعمال السعدي أعطت الفرصة السانحة لإبداع المخرجين الذين أبدعوا أيما إبداع… ولم يلق السعدي من شركائه ما يستحقه في السنوات الأخيرة.

 

هاني السعدي والمجتمع

في شراكة مع يوسف رزق ونذير عواد ومازن بركات وغيرهم قدّم السعدي أهم الأعمال الاجتماعية التربوية والتوعوية والتشويقية، والتي لا تزال حاضرة بإبداع الفنانين والقضايا التي تناولتها، ويذكر للسعدي أنه أول كاتب عربي عاجل الأمراض المعدية الناتجة عن التواصل غير الشرعي، وكانت أعماله صادمة ورادعة للكثيرين، ومن منا ينسى «عصر الجنون»؟!

أما أكثر أعماله الاجتماعية لطفاً وتأثيراً وجمالية فهو عمله (أبو البنات) وقد كان السعدي والداً للبنات في حياته، وكتب هذا العمل الذي أداه ببراعة مطلقة أسعد فضة وعبد الفتاح المزين ووفاء موصللي وصباح بركات، مع أغنية شارة جميلة (أبو البنات، حامل عاكتافو حسنات) وبين الكوميديا والمكيدة، والدمعة والابتسامة قدّم عملاً جميلاً يعالج مشكلة كثيرين في المجتمع يعانون، بسبب أفكارهم من عقدة الولد الذكر..!

السعدي والاهتمام

كان عالم السعدي مليئاً ببناته وأسرته، لكنه قضى سنواته الأخيرة يحمل أوراقه، لم يجد ما يستحقه من اهتمام بمقدار ما أطلق من أجنحة للدراما السورية وصناعتها.. وهاهو يرحل صامتاً وتتزاحم عبارات الرثاء له من كثيرين، بعضهم كان للسعدي عليه فضل، لكنه منذ سنوات لا يدري إن كان هاني السعدي موجوداً أم لا!! ولا يفتقد غيابه!

وداعاً هاني السعدي، وستبقى أياديك المبدعة صاحبة الفضل على الدراما السورية والعربية في كل ميدان كتبت فيه، سواء كان في التاريخ الافتراضي الموجه والهادف، أم في الأعمال الاجتماعية ذات المضامين والجرأة..

الوطن أولان لاين – إسماعيل مروة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock