هل يصبح العالم أقل جنوناً.. المتضررون الثلاثة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض
فراس عزيز ديب
قد تبدو عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مثالاً على ما تعنيهِ فكرة «عدم الاستسلام»، هذهِ العودة كانت مؤشراتها واضحة، أقلها أن المجتمع الأميركي كما الفرنسي، ليسَ جاهزاً بعد لتحكمهُ امرأة، هناك من سيرد بالقول إن هناك الكثير من الدول حكمتها امرأة كالتجربة الألمانية مع أنجيلا ميركل مثلاً، لكننا هنا نتحدث عن الدول التي يمكننا تسميتها فاعلة في الساحة السياسية الدولية وتمتلك نظاماً سياسياً يبدو معه الرئيس يتمتع بصلاحيات كبيرة بما فيها رسم السياسة الخارجية للبلد، لكن على الصورة المقابلة هل يمكننا اعتبار أن أحد أهم أسباب نجاح ترامب هو الفشل الذريع الذي حققتهُ إدارة الرئيس الحالي جو بايدن؟
لكي نجيب عن هذا السؤال دعونا أولاً نتحدث عن مفهوم الفشل في سياسات الدول والذي يمكننا اختصاره بعبارة: عدم تحقيق الأهداف والرؤى الاستراتيجية داخل البلاد وخارجها، بهذا السياق أينَ فشلت إدارة بادين؟
بصراحة، لا أرى أن إدارة بايدن جانبَها الفشل، على العكس فهي على المستويين السياسي والاقتصادي كانت ناجحة بما يتوافق مع دور الولايات المتحدة كدولة عظمى بمعزلٍ إن كانت هذه النجاحات توافقنا أم لا، لكن هناك من يربط مفهوم هذا الفشل بعدم قدرة الإدارة الأميركية على وقف الحرب في لبنان وغزة، أو كما سماها بالأمس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسياسات الخاطئة لإدارة جو بايدن في هذين الملفين، متمنياً على ترامب تغيير هذه السياسة، لكن دعونا نتفق بأن هذا الفشل هو إخفاق إعلامي لا أكثر، فهل هناك من ساذج مازال يشك بأن ما تريده الإدارة الأميركية هو صورة عما تريده إسرائيل؟
إذا، وبعكس ما يُشاع عن تحقيق ترامب لانتصارٍ سهل بسبب ترهل الإدارة الأميركية، فهو فيما يبدو حقق الانتصار الأصعب وكسر الكثير من التوقعات، ليصبح السؤال الآن: من هم أكثر المتضررين من انتخاب دونالد ترامب؟
أولاً: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
في زاوية الأسبوع الماضي، قُلنا إن ما يريده نتنياهو هو فوز كاميلا هاريس بعكس ما يُشاع عن تفضيلهِ لدونالد ترامب، لأن نجاحها ببساطة امتداد لسياسة الدعم غير المحدود لاستمرار الحرب على لبنان وغزة، وهناك من رأى بهذهِ المقاربة نوعاً من الابتعاد عن الواقع الذي يتجاهل الصداقة التي تربط نتنياهو بدونالد ترامب، البعض أخذتهُ التصريحات الإعلامية لهاريس خلال جولاتها الانتخابية بما فيها قولها لنتنياهو مباشرةً: «لن أسكت عن معاناة الفلسطينيين في غزة»، لكن من الواضح بأن هذه التصريحات كانت للاستهلاك الانتخابي بما فيها ضمان أصوات المنحدرين من أصولٍ عربية أو مسلمة، من دون أن ننسى بأن هذا التصريح شابههُ مئات التصريحات للإدارة المنصرفة عن «عدم السكوت على المجازر المرتكبة» وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء غير الدعم اللامحدود سياسياً وعسكرياً لآلة الإجرام الإسرائيلية، أما عن العلاقة بين نتنياهو وترامب، فهي مثلها مثل أي علاقة لرئيس وزراء إسرائيلي برئيس أميركي فرضتها بعض المصالح خلال ولاية ترامب السابقة بما فيها بحثهُ عن ولاية جديدة، أما اليوم فالوضع مختلف لأن ترامب يقيس الأمور بمقياس التاجر لا السياسي، وبهذا المقياس يبدو بأنه سيحاول الفصل بين دعم إسرائيل الذي لا نقاش فيهِ بما في ذلك تحقيق شرطَي انسحاب المقاومة اللبنانية شمال الليطاني، وقطاع غزة من دون الجناح العسكري لحماس، ودعم نتنياهو شخصياً، إذ لا يبدو ترامب مضطراً لتحمل تبعات ما يعانيهِ نتنياهو كشخص منبوذ متهم بجرائمِ حرب، تحديداً لأن الخلافات الداخلية الإسرائيلية ومن بينها إقالة وزير الحرب يواف غالانت، بدت أكثر من أي وقتٍ مضى علامة على أن نتنياهو بدأ يتحول إلى شخص ميئوس من إنقاذهِ سياسياً.
ثانياً: فلوديمير زيلينسكي وقارة العجزة!
في الحقيقة، عند الحديث عن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي فهذا يعني كل من تورط أوروبياً في الحرب الروسيةـ الأوكرانية، هذهِ الحرب التي عارضَها ترامب بشدة منذ انطلاقتها، وعارضَ الدعم غير المحدود الذي تتلقاه كييف لأجل استمرار إشغال الروس بها يبدو بأنها ستكون أحد أهم الملفات على طاولة ترامب اعتباراً من العشرين من كانون الثاني القادم، مع العلم بأن الجانب الروسي ما زال حذراً من الخطوات التالية لترامب في هذا الملف، وهذا في الإطار الدبلوماسي يبدو مفهوماً بأنه قد يكون سببه عدم إحراج الروس لترامب، ففي الولاية السابقة له هناك من استخدم مساعيه لتوطيد العلاقة مع الروس ضده ووصفوه بـ«التابع لبوتين»، بل إن الرئيس الروسي قالها صراحةً قبل الانتخابات بأنهُ يفضِّل بايدن لأن ردات فعله تبدو مقروءة!
أما الجانب الأوروبي، ونتحدث تحديداً عن فرنسا وألمانيا، فقد يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهةِ حربٍ دخلوها وتورطوا بها من دون قراءة واقعية لتبعاتها، لأن إعلان ترامب التوقف عن دعم الجانب الأوكراني ولو جزئياً هذا يعني القبول الأوروبي بشروط إنهاء الحرب الروسية أو بقاءهم كداعمٍ وحيد، ما يعني دخول أوروبا في المجهول، تحديداً مع الواقع الاقتصادي الصعب، هذا الواقع الذي يزداد سوءاً في الكثير من الدول، في حين يصر ترامب على فكرته بأن الدعم اللامحدود للرئيس زيلينسكي سيتوقف، هذا عدا المراجعات الاقتصادية التي أجراها ترامب للكثير من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بما فيها التجارية والتي كانت سبباً لتقليص انفتاح السوق الأميركية في وجه البضائع الأوروبية، مع ذلك مازال المسؤولون الأوروبيون ومنذ انتخاب ترامب يكررون العبارة الساذجة ذاتها: أياً كان الفائز سنبقى ندافع عن قيمنا! من دون أن يشرحوا لنا ماذا تبقى من هذهِ القيم؟!
ثالثاً: إيران
لن نُسهب كثيراً في هذا الملف، لتجنب الدخول في حقلِ ألغام كما جرت العادة، لكن بعض الحقائق هي من ركائز تحليل هذا الملف أو ذاك لا يمكن القفز فوقها، في هذا الإطار دعونا نتذكر أنه وبعدَ مقتل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان بحادثِ الطائرة الغامض ووصول الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، هناك من تحدث عن إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران ودول الخمس زائد واحد، هذا الافتراض دعمهُ تعيين حليف الغرب الأول في إيران ومهندس كل الاتفاقات معه محمد جواد ظريف ليتبوأ منصبَ نائب الرئيس للشؤون الخارجية، لكن يبدو بأن هناك من حاول التجهيز لمرحلة ما يستعيد فيها الديمقراطيون زمام المبادرة من جديد، قابلتها تصريحات إيرانية عن الاستعداد للعودة إلى المفاوضات، اليوم ومع نجاح ترامب يبدو كل هذا قد أصبح خلفنا، لأن المساعي الإيرانية لاستعادة صخب المفاوضات النووية تلقت ضربة قاضية بوصول ترامب، هذا يعني بأن البدائل ستكون جاهزة من الطرفين، فالجانب الإيراني لا يبدو لقمة سائغة يستطيع ترامب فرض ما يشاء عليه، لكن بالسياق ذاته لا يبدو الأميركي كذلك الأمر كما يشيع الطرف المقابل بأنه مترهِّل وسيخرج من المنطقة قريباً، فهل ستكون الحرب؟
قطعاً لا، لأني مازلت أكرِّر قناعاتي منذ بدء الحرب على سورية حتى اليوم وما زلت متمسكاً بها، لا تنتظروا مواجهة أميركيةـ إيرانية لأنها لن تحدث، مادام الطرفان لديهما ساحات قتال بعيدة عن أراضيهما، فهل سيكون السلام بين الطرفين؟
قطعاً لا، لأن شروط السلام التي يريدها ترامب تبدو هذه المرة ظاهرة للعلن، بمعنى أن الكثير من التنازلات التي قدمتها إيران خلال الاتفاق النووي السابق في العام 2015 بقيت طي الكتمان، بما فيها مثلاً الإفراج عن الأموال الإيرانية في البنوك الأميركية مقابل استخدامها بشراء بضائع أميركية وهو ما حدث وكان من بينها حوامات أميركية، قتل بإحداها الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، اليوم يتحدث ترامب عن شروط واضحة سيعني قبولها معطوفاً على ما تعانيهِ المقاومة اللبنانية والفلسطينية تقوقع إيران وتحولها إلى «باكستان جديدة» فماذا ينتظرنا؟
ربما أن النقطة المشتركة في المتضررين الثلاثة والتي سيحاول الأميركي اللعب عليها هي قيادة تحولٍ من الداخل، تبدو أدواته جاهزة، لا نعرف حتى الآن مدى نجاحها لكن ما يمكننا تأكيده أن العالم سيكون أقل سخونةً وجنوناً مع وصول ترامب، تسحب معها كل من روسيا والولايات المتحدة كل ذرائعِ التوتر، أما الحديث عن الدولة العميقة التي ستمنع ترامب من تحقيقِ ذلك فجوابه بسيط: لا يبدو ترامب تحت ضغط انتظار ولاية جديدة قادمة، تحديداً بعد سيطرة الجمهوريين بالكامل على مراكز القرار في الولايات المتحدة الأميركية.
كاتب سوري مقيم في فرنسا