12,8 بالمئة فقط مساهمة الضرائب في إيرادات الدولة
رأى مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي أن الأثر المباشر للأزمة كان تراجع نسبة مساهمة الضرائب والرسوم في الإيرادات العامة من 38 بالمئة عام 2011 إلى 12.8 بالمئة عام 2018 -أي بنسبة 66 بالمئة خلال الأزمة- كما تراجعت حصة ضرائب الدخل من إجمالي الضرائب من 53.5 بالمئة عام 2011 إلى 18.3 بالمئة عام 2018.
جاء ذلك في دراسة له بعنوان «أثر السياسة المالية في سورية على قطاع التجارة»، حصلت «الوطن» على نسخة منها، تضمنت التأكيد أن الضريبة التصاعدية المرهقة تمنع من تكوين رؤوس الأموال الخاصة وتخفض الادخار ما يؤدي إلى الحد من النشاط الاقتصادي مع زيادة في الاستهلاك، وهذا ما جرى وانعكس سلباً على معدلات التنمية ولا يمكن لمس الأثر الإيجابي لتخفيض المعدلات الضريبية إلا بعد تطبيق المرسوم الأخير رقم /51/ لعام 2006.
وبحسب خربوطلي، من الأهمية للسياسة المالية في مرحلة ما بعد الأزمة الأخذ بالحسبان حالات الضرر والتراجع الكبير في الأعمال التجارية الذي صاحب الأزمة وتمكينهم من إعادة الإقلاع عبر مشجعات ضريبية وسياسة تسليف مالي محفزة، مع ضرورة أن تتماشى السياسة المالية المتوقعة مع البرنامج الوطني لما بعد الأزمة في إطار تنسيق العمل التجاري.
وبيّن أن هناك أثراً سلبياً للضرائب المرتفعة على الإنتاج من خلال تخفيض الكميات المنتجة كونها تصبح مرتفعة التكلفة وصعبة التصريف ما يؤدي إلى الكساد، أما بالنسبة للاستثمار فالضريبة المعتدلة على قطاع معين تؤدي إلى التوجه نحو الاستثمار في هذا القطاع.
ولفت إلى أن الرؤية المستقبلية للنظام الضريبي في سورية ينبغي أن تعتمد على مرحلة مؤقتة مدتها 3-5 سنوات يتم من خلالها إصلاح وتعديل جميع القوانين باتجاه المزيد من تخفيف الأعباء وتسهيل التكليف ريثما يتم وضع الضوابط للانتقال إلى الضريبة الموحدة على الإيراد التي تكون قادرة على تحقيق عدالة أكبر في حال تمت مراعاة مصدر الإيراد أي تعدد معدلات الضريبة ضمن الشريحة الواحدة تبعاً لمصادر الدخل وضريبة القيمة المضافة TVA التي تحتاج إلى معايير محاسبية عالية غير متوافرة حالياً كما تحتاج إلى إدارة ضريبية عالية الكفاءة وخلال تلك الفترة يمكن تطبيق ضريبة المبيعات بنسب منخفضة على الشرائح الدنيا والوسطى للدخل وعليا على المستويات العليا للدخل.
وبحسب خربوطلي، فإن المطلوب مستقبلاً في مرحلة الإعمار والانتعاش؛ إيجاد الوسائل والأدوات لتكون الضريبة معتدلة ومحفزة للعمل الاقتصادي وشفافة وسهلة في التطبيق ما يساهم في إعادة الثقة من المكلف والدوائر المالية وهذا لا يأتي من فراغ بل لا بد من التدريب والتأهيل للكوادر المالية ضمن معاهد تابعة لوزارة المالية، ورفع الرواتب والتعويضات للموظفين لمنع الرشوة والفساد، وإعادة تنسيق التشريعات الضريبية لتصبح واضحة في النص سهلة في التطبيق عادلة في المضمون ولا تحتاج لاجتهادات أو لتفسيرات ومذكرات وتعاميم كثيرة.
وبحسب الدراسة، فإن المثال الأكثر أهمية أن الحصيلة الضريبية ارتفعت من 16.4 مليار ليرة عام 1992 بما نسبته 74.9 بالمئة من الضرائب والرسوم المباشرة إلى 22.5 مليار ليرة عام 1995 بعد ما تم تخفيض المعدلات الضريبية بموجب القانون 20 لعام 1991 أي إن التخفيض الذي وصل إلى 30 بالمئة أدى إلى تصاعد الحصيلة الضريبية وليس إلى انخفاضها نتيجة توسع النشاط الاقتصادي وهذه هي أحد أهم منعكسات النظام الضريبي ليسير نحو العدالة.
وبيّن خربوطلي أن الوصول إلى معدلات نمو اقتصادي مستقبلية مرتفعة تصل إلى 7-9 بالمئة في إطار مرحلة الانتعاش واستدامة التنمية تحتاج لمعدلات استثمار مرتفعة من الناتج المحلي لا تقل عن 36 بالمئة وهذا لن يأتي إلا من خلال تشجيع الاستثمار الخاص المحلي والخارجي وخلق بيئة ضريبية مشجعة ومستقرة وواضحة وهذا ما يجب أن يسعى إليه التشريع الضريبي المستقبلي الذي ينبغي أن يكون متماشياً مع سياسات مكافحة البطالة وتنشيط الأعمال التجارية والاستثمارية، لافتاً إلى أن الإعفاء هو خروج عن قاعدة العدالة ما يقتضي أن تكون الإعفاءات في حدها الأدنى وفي سبيل ذلك يمكن اللجوء إلى فرض معدلات متدنية جداً على الشريحة التي كانت معفاة مع زيادة مدى هذه الشريحة.
ورأى أن الوصول إلى علاقات أفضل ومصداقية أكبر للدوائر المالية مع المكلفين لا تكمن فقط في «المقارنة بين الضريبة الحقيقية التي يدفعها المكلف والضريبة الوهمية التي يقوم بدفعها فعلاً بالإضافة إلى التكاليف الأخرى…» وإنما يكمن الوصول لهذا الهدف في العائد المتحقق للمكلف نتيجة قيامة بدفع الضريبة أي إنه لا يمكن الوصول لهذا الهدف إلا حين يعرف المكلف بالضريبة أين تذهب الضرائب التي يدفعها.
كما أن السياسة المالية الجديدة لما بعد الأزمة ينبغي أن تعالج أولاً الخروج من حالة (الركود التضخمي) عبر زيادة القوة الشرائية بموارد غير تضخمية بشكل يساهم في تنشيط الأسواق والتجارة وتشجيع عمليات التصدير إضافة لمنح المشروعات الصغيرة معاملة تفضيلية ضريبياً وبخاصة في مرحلة التأسيس والإقلاع لتلافي حالات الفشل عبر دعم إنشاء مؤسسات رأس المال المبادر أو المخاطر.
وطالب بإعادة النظر بالرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج ومكونات إعادة الإعمار لتخفيض تكلفة المشاريع المستقبلية، والتركيز على الشركات المساهمة كونها تدفع الضريبة بصورة نظامية ويتوازعها جميع المساهمين، لافتاً إلى الحاجة لتبسيط إجراءات فرض الضرائب والتعامل بمنطق سليم بين المراقب والمكلف وألا يكون للتقديرات العشوائية أي دور وخاصة في ضرائب الدخل المقطوع وإنما بقرائن وأدلة مادية واضحة، مع التأكيد عبر الندوات واللقاءات وبالتعاون مع غرف التجارة والصناعة على أن الضريبة ليست نوعاً من (الضرب) باللغة العامية وإنما هي واجب وطني يقوم به التاجر الصناعي أو المواطن بشكل عام طواعية للمساهمة في الإنفاق التنموي وتطوير البلد شرط أن يشعر كل دافع للضريبة بمردود مباشر لهذه الضرائب عبر خدمات عامة.
وفاء جديد