محلي

خميس لـ«الوطن»: لن نترك المواطن وحده وأوقفنا استنزاف الخزينة واستعدنا المليارات

اعتبر رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أن الحكومة جادة في معالجة الخلل والفساد، وهذا الملف له أهمية كبيرة، وموجود دوماً على طاولة عمل الحكومة، مشدداً على تطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

وفي حوار مطول أجراه مع «الوطن»، أكد خميس أن ترك المسؤول الفاسد بعد إعفائه من منصبه؛ خطأ بحق الدولة والقانون وبحق دم الشهداء والانتصار الكبير الذي حققته الدولة السورية، وأن طول الفترة الزمنية التي تمكث فيها القضايا في القضاء؛ تمثل إحدى نقاط الخلل، لذلك، فإن الملفات المهمة تتابع من أعلى المستويات، وهناك إعفاءات وإحالات إلى القضاء تم تنفيذها.

وأشار خميس في حواره مع «الوطن» إلى أن طموح الحكومة كبير، ولديها رؤى وعناوين عمل تم البدء بها ويجب الاستمرار فيها، وكل وزير أو محافظ أو أي مسؤول غير قادر على الانسجام مع هذا الطموح والرؤى والارتقاء بعمله إلى مستواها، سوف يظهر ضعفه، ومن ثم، تبرز الحاجة إلى تغييره، لافتاً إلى أن المؤسسة الوحيدة التي ارتقت إلى مستوى الطموح في الدولة هي مؤسسة الجيش العربي السوري.

وتحدث خميس عن مؤشرات لواقع عمل الحكومة، كأمثلة، رغم الحرب والحصار والعقوبات الاقتصادية والتدمير، وبين أنه قد تم صرف 37 مليار ليرة على البنى التحتية والخدمات والتنمية في شرق حلب، و22 ملياراً في محافظة دير الزور، كاشفاً عن أن الدولة تمكنت من تحصيل أكثر من 120 مليار ليرة، في ملف القروض المتعثرة، وكذلك الأمر في ملف استثمارات أملاك الدولة حيث زادت بأكثر من 30 مليار ليرة، كما تم تحصيل نحو 8 مليارات ليرة من تصويب العمل بقطاع التأمين.

وبين رئيس مجلس الوزراء أن المعالجة النوعية لحالات الخلل في موضوع تجميع السيارات أدى إلى تأمين حقوق للخزينة بمبالغ وصلت مليارات الليرات، وقال: «انتهى اليوم الذي يستطيع فيه متنفذ في مؤسسة عامة أو خاصة أو رجل أعمال، فرض شيء لاحتكار السلطة أو احتكار القرار».

وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن دراسة نتائج زيادة الرواتب ستظهر خلال أشهر قليلة، واعتبر أن هناك قطاعات يجب أن يستهدف القائمون عليها بزيادة رواتب قبل قطاعات أخرى.

وعلى حين طمأن خميس كل مواطن سوري بأن الحكومة لا يمكن أن تترك قطاع السكن الذي تضرر بشكل كبير ليكون عشوائياً، وهي لن تترك المواطن وحده، اعتبر أن بعض مواد قانون الإدارة المحلية بحاجة إلى تعديل، ولكن ليس لأجل شريحة معينة وإنما نطور القانون لتحقيق مصلحة سورية.

سيادة رئيس مجلس الوزراء، لنبدأ من أحد أكثر الموضوعات أهمية في الشارع السوري اليوم وهو مكافحة الفساد، حيث تدور أحاديث حول تحقيقات تطول شخصيات كبيرة، فهل فعلاً الحكومة جادة في ذلك؟ وهل قطعت شوطاً مقبولاً فيه؟ علماً بأن المواطن يرى أن الفساد قد استشرى حتى وصل إلى الموظفين الصغار، للأسف!

إن سورية ليست بلداً فيه الكثير من الخلل والفساد، ولو كنا كذلك لما كنا انتصرنا في أشرس حرب في العالم، إلا أن ذلك لا ينفي وجود مكامن خلل وثغرات في عمل الحكومة، وهذا يتوزع بين مستوى المؤسسات حيث هناك نقاط خلل في البنية التشريعية، ومستوى الأفراد حيث الخلل في السلوك.

إننا جادون في ملف معالجة الخلل والفساد، وهذا الملف له أهمية كبيرة، وموجود دوماً على طاولة عمل الحكومة، وباهتمام وتوجيه خاص من رئيس الجمهورية بشار الأسد، من أجل إنجاز خطوات عملية في معالجته.

 

إن أهم عنصر في عملية مكافحة الفساد هي تطوير الآلية التشريعية والتنفيذية للمؤسسات وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وأن تقوم المؤسسات بتنفيذ رؤاها التنموية بشكل شفاف وواضح لجميع المعنيين والأطراف ذات الصلة بالموضوع، لذلك نقوم اليوم بمعالجة الآلية التنفيذية للتشريعات وترابطها وتبسيط الإجراءات والحدّ من الروتين، بمعنى معالجة مسببات الخلل والفساد، بدلاً من الاكتفاء بسد الثغرات فقط، ولعل هذه أهم خطوة في مكافحة الفساد.

إن الفساد سيضرب بيد من حديد، وأينما وجد الفساد الفردي والمؤسساتي فسوف تتم معالجته، وهذا محط اهتمام لكل المعنيين في هذا الملف، ولدينا مؤسسات رقابية لها تاريخها في متابعة موضوعات كهذه، كما لدينا مجموعة عمل خاصة بمتابعة التشريعات من أجل تطويرها، وأنجزت خطوات تنفيذية في هذا المضمار، وقريباً سوف تكون على طاولة مجلس الوزراء الرؤية النهائية لآلية متابعة وتطوير عمل مؤسساتنا لتكون بعيدة عن الفساد.

هيكلة المؤسسات الرقابية

في سورية مؤسسات مختصة في مكافحة الفساد، واليوم يتم تداول أحاديث عن قيامها بالنظر في ملفات لشخصيات رفيعة المستوى، منهم وزراء، من هنا نسأل: إلى أي حد وصلت تلك الإجراءات مع ملاحظة بأنه حتى تلك المؤسسات الرقابية يشكك في نزاهتها أحياناً، فقد يكون هناك مسؤول نظيف ويتم تحريك دعاوي فساد عليه، وأحياناً يكون المسؤول متورطاً فعلاً؟

لنبدأ من المؤسسات الرقابية المسؤولة في ملف مكافحة الفساد بشكل مباشر، والمقصود بها الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، وبعض الجهات القضائية المعنية بملفات تخص مؤسسات أو أفراداً.

منذ الأيام الأولى للحكومة بدأنا بمتابعة ملفات يشوبها الخلل والفساد وعدم الانضباط، وتمت معالجة ملفات مهمة، وأخبرنا الهيئة والجهاز بأن الجدية في تطوير عمل مؤسساتنا لتكون بعيدة عن الفساد تقتضي تطوير عمل المؤسسات الرقابية نفسها، وبحثنا في اجتماع شفاف كل متطلبات الهيئة والجهاز للقيام بعمل واضح يستطيع أن يحقق أهدافه، وكانت النتيجة بأنه لا بد من تطوير عمل الهيئة والجهاز وإعادة هيكلتها وتقييم الأشخاص القائمين عليهما وتأمين متطلباتهما المادية واللوجستية بشكل كامل، وصولاً إلى تعديل القوانين الناظمة لعملهما، وحالياً يتم إعداد ورقة عمل بخصوص ذلك، سوف تكون جاهزة خلال أيام، لتعرض على مجلس الوزراء.

أؤكد معالجة الفساد في أي مستوى كان، وما من أحد مستثنى من ذلك، وبالفعل هناك ملفات حقيقة في الهيئة لمسؤولين سابقين وحاليين تتم متابعتها بشكل كامل، وهنا أركز على أننا دولة مؤسسات، فإطلاق كلمة فاسد على مسؤول مرتبطة بالقضاء، وهو الذي يقرر ذلك، فلا يمكن إطلاق هذه الصفة على مسؤول وردت شكوى بحقه قبل التأكد منها عبر الأجهزة المعنية.

إننا قادرون على المضي قدماً في ملف مكافحة الخلل والفساد، وما من أحد مستثنى، وأنتم في الإعلام شركاء للحكومة في هذا الملف، لأن الإعلام من أهم عوامل تنمية المجتمعات، وعندما يقولون إنه سلطة رابعة فهذا يعني أنكم معنيون معنا في معالجة الخلل والفساد، بطريقة شفافة، وبشكل موضوعي، دون تشويه للحقائق، فعلى سبيل المثال؛ يشاع أحياناً عن فساد لأشخاص فتقوم بعض وسائل الإعلام بتطوير الأمر وتضخيمه، رغم أن هؤلاء مظلومون، على حين هناك حالات فساد مثبتة من الدقائق الأولى على أشخاص، يتم تجاهلها إعلامياً أحياناً.

الدولة جادة في ملف محاربة الفساد، والحكومة معنية في تنفيذ هذه الجدية، ونحن قادورن، وكلنا شركاء في ذلك، وكل إنسان مؤمن بسورية معني معنا بمحاربة الفساد وعدم السكوت عنه، وهذا شعارنا خلال الفترة المستقبلية القادمة.

خطأ ترك الفاسد بعد إعفائه

على مدى عامين من عمر الحكومة، تمت إقالة ومحاسبة أشخاص تورطوا في ملفات فساد، لكن المواطن يسأل: هل يكتفى بالإقالة؟ ولماذا لا يتم تحويل المسؤولين الفاسدين مباشرة إلى القضاء؟ وإذا تحقق ذلك؛ فلماذا لا يتم الإعلان عنه؟

حفاظاً على سمعة القانون، وعلى أموال الخزينة، فإنه وفي حال ارتكاب حالات فساد، لا يتم ترك الفاسدين، مهما كان مستواهم الوظيفي، فهدفنا الأساسي تطبيق القوانين على الجميع دون استثناء، وهذا عنوان مكافحة الفساد الرئيسي، لذا فإن ترك المسؤول الفاسد بعد إعفائه من منصبه؛ خطأ بحق الدولة والقانون وبحق دم الشهداء والانتصار الكبير الذي حققته الدولة السورية، لذا نؤمن بأنه ما من أحد مستثنى.

عملياً، هناك فترة زمنية لها حدودها لدى الجهات المعنية لإثبات الفساد، وأؤكد هنا إنجاز ملفات عديدة وكبيرة، أعادت للخزينة مبالغ بمليارات الليرات، وأنجزنا ملفات شخصية لرجال أعمال ومسؤولين في الدولة، وهناك ملفات حالية لأشخاص من مستوى مديرين عامين رأى القضاء توقيفهم بشكل مباشر لأن مخالفاتهم واضحة، وهناك بعثات رقابية تفتيشية تقوم بعملها بشكل دقيق.

 

بما أن هناك موظفين كباراً يتم التحقيق معهم أو تمت محاسبتهم، فلماذا لا يتم تمتين الثقة بين الحكومة والمواطن من خلال الإعلان عمن ثبت فسادهم، وخاصة أننا في ظل حرب، حيث يزداد الفساد واستغلال الظروف للاستفادة من مواقع المسؤولية؟

أتفق تماماً مع ضرورة الإعلان عن أي شخص ثبت فساده، لكن الفترة الزمنية التي يستغرقها الكشف والتحقيق في قضايا الخلل والفساد، تحدّ من تنفيذ هذه الرؤية، فهناك معطيات أولية تحتاج إليها أي قضية، وهذه المعطيات تتطلب تدقيقاً أولياً، ثم تتم إحالتها على هيئة الرقابة والتفتيش أو على جهاز الرقابة المالية، وهما بدورهما يحتاجان إلى وقت للتحقيق في تلك القضايا، ثم تحويلها إلى القضاء.

إن طول الفترة الزمنية التي تمكث فيها القضايا في القضاء؛ تمثل إحدى نقاط الخلل، لذلك، فإن الملفات المهمة تتابع من أعلى المستويات، وهناك إعفاءات وإحالات إلى القضاء تمت تنفيذها، وعلى سبيل المثال؛ هناك ثلاث إحالات على القضاء خلال الشهر الماضي، بفعل القانون، وهذا هو العنوان الرئيسي لمحاربة الفساد، وسوف يتم الإعلان عمن ثبت تورطهم في قضايا فساد تباعاً.

تقييم الوزراء والمحافظين

إعاقة الحكومة في تحقيق رؤيتها لا يتوقف على الفساد فقط؛ بل مرتبط أيضاً بسوء الإدارة، على هذا الأساس تقوم الحكومة بتقييم أداء كبار الموظفين لديها من رتبة وزير ومحافظ، وهنا نسأل: إلى أي درجة يسهم هذا التقييم برسم مستقبل الحكومة، وخاصةً أننا كثيراً ما نسمع أننا على أبواب تعديل حكومي مرتقب؟ وهل يتم التعديل على أساس دورات زمنية محددة مثلاً؟

 

بنينا دولتنا على أساس العمل المؤسساتي، الذي يعد الضامن الحقيقي لبناء مؤسسات حقيقية لا تعتمد على المزاجية الفردية أو المزاجية الإدارية لبعض المسؤولين، بل تعتمد على أنظمة وقوانين وعمل مؤسساتي شفاف وواضح، لذا فالتقييم لأي مسؤول أو موظف من المستويات كافة يعتمد على النتائج ومدى تحقيق الأهداف والرؤى لكل مؤسسة، وهذا تقييم يتم من خلال مؤسسات وأجهزة معنية ولجان مختصة، كما يؤخذ بالحسبان تقييم المداخلات والظروف، وبشكل أساسي قياس رضى المواطن على ما يحصل عليه من خدمات.

من الصعب المطالبة اليوم بحالة مثالية لعمل الوزارات وخاصة الخدمية، وذلك بفعل ظروف الحرب، إلا أن المواطن عندما يلمس حدوث تطور في عمل الوزارة أو المؤسسة لجهة الخدمات التي يحصل عليها؛ يؤمن بأن العمل جارٍ في السياق الصحيح.

يتم التقييم من خلال لجان متابعة منبثقة من رئاسة مجلس الوزراء، ويتم تقييم عمل الوزارة أو الوزير أو المحافظ أو أي مؤسسة من خلال متابعة نتائج الرؤية الخاصة بعملهم التي قاموا بوضعها وتمت الموافقة عليها في الحكومة، بحيث تخرج بنتائج ترضي المواطن، مع الأخذ بالحسبان الظروف والمتغيرات.

التعديل الحكومي عند الخلل

بعد عامين من عمر الحكومة، هل انتهت عمليات التقييم؟ وهل اقتربنا من تعديل وزاري جديد أو تغيير محافظين أو مسؤولين في مستويات أخرى في الدولة؟

يطرح موضوع التعديل بشكل مستمر، إن كان على مستوى الوزراء أو المحافظين، إلا أن الأمر محكوم بمتغيرات معينة، فعندما تكون هناك مسببات وضرورة للتعديل والتغيير، فيتم إجراؤه، علماً بأن عمليات التقييم لدى الحكومة دائمة ومستمرة.

هناك مهام مكلفة فيها الوزارات والمؤسسات الحكومية مطلوب تنفيذها، وتقوم لجان المتابعة المختصة بمتابعة التنفيذ والنتائج لمصلحة المواطن والوطن، وعند حدوث خلل في التنفيذ يستوجب التعديل.

هل فترة عامين غير كافية لتقييم الوزراء، وليس المقصود طبعاً حصر الأمر بتغيير بعضهم، بل ربما التمديد لمن ثبتت جدارته ومنحه الثقة من جديد؟

لدينا متابعة وتقييم لعمل الوزارات ورؤية خاصة بكل وزارة وبكل وزير، وهي رؤية جماعية لفريق حكومي متكامل، وهناك نتائج للتقييمات، سواء باستمرار عمل الوزير أم المحافظ، وأي مسؤول آخر، أو تعديله.

في إطار عمليات التقييم التي تتم وفق عمل جماعي متكامل؛ هل أعلن بعض الوزراء أو المسؤولين الكبار بأنهم لم ينجحوا في تنفيذ المهام الموكلة إليهم وفق ما كانوا يطمحون، أو فوجئوا بمستوى المهام الموكلة إليهم، حتى وصل بهم الأمر إلى طلب إعفائهم من مهامهم؟

إن أحداً من المسؤولين لم يعلن ذلك، بل آلية عملهم التي أعلنت، فعندما يكون أمام المسؤول رؤية عمل طموحة كبيرة في أحد مفاصل العمل الحكومي، وهو غير قادر على المواكبة وتنفيذ تلك الخطة؛ يظهر الضعف والعجز وحده، دون الحاجة لأن يتكلم المسؤول أي كلمة.

طموحنا في حكومة المرسوم 203 (لعام 2016 والقاضي بتشكيل الحكومة الجديدة) كبير، ومسؤولياتنا كبيرة جداً في ظل الانتصار العظيم للدولة، ومسؤوليتنا كبيرة ليتم استثمار هذا الانتصار، الذي تحقق بفعل تضحيات الجيش العربي السوري، وبرؤية حكيمة ونوعية متميزة لرئيس الجمهورية بشار الأسد، لذا علينا في حكومة المرسوم 203، أن نكون نوعيين لتحقيق التكامل مع الانتصارات العظيمة.

إن طموحنا كبير، ولدينا رؤى وعناوين عمل طموحة جداً، تم البدء فيها، ويجب الاستمرار فيها، وكل وزير أو محافظ أو أي مسؤول غير قادر على الانسجام مع هذا الطموح والرؤى والارتقاء بعمله إلى مستواها، سوف يظهر ضعفه، ومن ثم، تبرز الحاجة إلى تغييره.

المواطن والحكومة

نتكلم الآن عن مؤسسة رئاسة مجلس الوزراء بعد مرور عامين عليها، فهل أنتم راضون عن نتاجها؟ وكيف تقيمون أداءها ومدى نجاحها؟

إن كلمات مثل نجاح أو إنجاز تعتبر واسعة، ولها فلسفتها الخاصة، لذا أنطلق من أمر أساسي ومهم، حيث إننا في بلد أنجبت من رحمها حضارات للكون، والحضارة لا يمكن أن ترسم بعنوان لفترة مرحلية، بل هي دائمة، لذا فإن النجاح والإنجاز يقاس بصيرورة الزمن.

طالما أقول: بتقييم حكومة من حيث إنها أدت مهامها بشكل جيد، فهذا بحد ذاته خلل وفشل وعدم رضا، لأن كل حكومة وكل مفصل عمل فيها مرتبط بأهداف متجددة مع مرور الزمن، وإن نجاح الحكومة أو أي مؤسسة، مرتبط بالزمن والمتغيرات، ونحن اليوم نعيش متغيرات نوعية بعد ثماني سنوات حرب، جاءت بعد بناء دولة مستقلة، بعناوين الاستقلال كافة، ودخلنا في حرب حاولت النيل من ثوابت ومقومات هذا الاستقلال، وخرجنا بانتصار، لذا فإن الحديث عن نجاح أو إنجاز أو عدم إنجاز، له شجون خاصة.

كل طريق تسلكه، له أهداف ونهاية، وعندما تسلكه وتحقق هدفك، سيكون هناك طريق آخر من التجديد والإبداع والتطوير، وهذا واقع المؤسسات، حيث لا يمكن لأي دولة أن تنجز كل ما هو مطلوب منها، فما بالك اليوم ونحن في ظل حرب إرهابية شرسة جندت لها المرتزقة ومئات مليارات الدولارات لتدميرها، ورغم ذلك تمكنت الدولة أن تنتصر وتبقى حية؛ هذا أمر يجب ألا يغيب عن ذهننا.

كحكومة عملنا بمنهجية معينة، إلا أن الثابت أننا استطعنا أن نصمد وننتصر كدولة، وهذا له أسباب عديدة، وركائز؛ أولها القيادة النوعية والحكيمة لرئيس الجمهورية بشار الأسد التي أذهلت العالم بفعل تصديه للحرب، إضافة إلى التضحيات العظيمة للجيش العربي السوري، وتضحيات أبناء الوطن، الذين كانوا رديفاً حقيقياً للجيش العربي السوري، كل ذلك كان بتكامل مع ما تقوم به مؤسسات الحكومة.

إن المؤسسة الوحيدة التي ارتقت إلى مستوى الطموح في الدولة هي مؤسسة الجيش العربي السوري، ونحن كحكومة نطمح أن نرتقي بأدائنا إلى مستوى ما تحققه مؤسسة الجيش، لذا لا أقول إننا نجحنا، مع التأكيد أن الفشل ممنوع، ولكن أقول إننا أنجزنا وحققنا شيئاً مما هو مطلوب، ففي بداية أيام الحكومة كان عملنا يرتكز على الاحتياجات اليومية لتأمين استمرارية وصمود الدولة، كمقومات الطاقة والغذاء، ثم انتقلنا من العمل اليومي إلى الإستراتيجي، والتقييم يبقى للإعلام وللمواطنين وللجهات المعنية، إذا ما كانت الحكومة نجحت أم لا في مهامنا.

في العمل الإستراتيجي، لدينا عناوين عديدة، فقد قمنا بإعداد مشروع لسورية ما بعد الحرب، كما بدأنا بملفات كبيرة وعديدة، منها 30 مشروعاً للوزارات بهدف تطوير عملها وعمل مؤسساتها، حيث وضعت كل وزارة رؤية لعملها للمرحلة القريبة، إضافة إلى رؤية مستقبلية، لكن تبقى الركيزة الرئيسة في مشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه رئيس الجمهورية، وهو ما نقلنا إلى حكومة تعمل بإستراتيجيات حقيقية.

على التوازي من ذلك، لا يمكن القول إننا فقط نضع الخطط، إذ كانت هناك خطوات عديدة مكّنتنا من تجاوز العقدة الأساسية للتداعيات الاقتصادية التي أفرزتها الحرب، فعندما أعدوا للحرب على سورية، استهدفوا تدمير كامل مقومات الدولة السورية، وبدؤوا بعناوين مزيفة، وأولى استهدافاتهم كانت التدمير الممنهج للبني التحتية والاقتصادية ولخدمات الدولة، كما راهنوا على سقوط الاقتصاد السوري خلال فترة قصيرة، وبأن الحكومة سوف تسقط خلال شهر أو اثنين لكونها غير قادرة على الاستمرار وتأمين النفقات، ولكن تم تجاوز كل ذلك، وصمدنا بفعل عمل المؤسسات، والركائز الثلاث المتمثلة في: رؤية القائد النوعية، والجيش والشعب العظيمين.

الكهرباء والمشتقات

إن الحكومة وبعد تحرير أي منطقة بأيام؛ تقوم بإعادة الخدمات إليها، وكلنا يتذكر واقع تقنين الكهرباء قبل عامين، وواقع المشتقات النفطية والمستلزمات الغذائية، فهل يقارن ذلك الواقع بما هو قائم اليوم؟ الجواب لديكم.

إن ملف الشهداء مهم جداً وله أولوية في العمل الحكومي، وهو باهتمام خاص من رئيس الجمهورية، إضافة إلى ملفات التنمية البشرية والاجتماعية، وتطوير التعليم، ومعالجة الواقع الاجتماعي وكل ما هو متعلق ببناء الإنسان.

رغم المعاناة من الحصار والاعتداء على اقتصادنا وظروف الحرب والتدمير الممنهج المتواصل، فسأتحدث عن مؤشرات لواقع عمل الحكومة، كأمثلة، فقد تمت إعادة تأهيل 800 مدرسة مدمرة في المناطق المحررة، وتم صرف 37 مليار ليرة على البنى التحتية والخدمات والتنمية في شرق حلب، و22 ملياراً في محافظة دير الزور.

إنه وفي اليوم الثاني لتحرير أي منطقة؛ يدخل المخفر والمستوصف ومؤسسات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وخاصة الخبز، ألا يعطي كل ذلك دلالات على قوة الدولة، وقدرة الحكومة على استثمار هذه القوة بعمل مؤسساتها؟

استطاعت الدولة بتكاتف جميع أبنائها دعم استقرار الاقتصاد، وتحقيق بنية خصبة لدعم الإنتاج، وتأمين البنية التشريعية ومحفزات الإنتاج والعمل في القطاع الصناعي، واليوم نحن أمام عودة 16 ألف منشأة للإنتاج في عام واحد، وأشير إلى أن إعفاءات الصناعيين من نصف الرسوم الجمركية لمدخلات الإنتاج بموجب المرسوم 172 بلغت 11 مليار ليرة سورية خلال عام، الأمر الذي عزّز مقومات الإنتاج.

لقد عاد 50 ألفاً للعمل خلال عام في المناطق الصناعية، وهناك عشرات المناطق الصناعية تبنى عبر القطر، مع عودة العديد من المعامل الحكومية إلى العمل، وكل ذلك لم ينجز من لا شي، بل بفضل تكامل جهود مؤسسات حكومة، وفضل انتصارات الجيش، والعديد من رجال الأعمال أخبرونا بأن منشآتهم كانت تعمل بأقل من وردية، والآن أصبحوا يعملون بثلاث ورديات على مدار اليوم.

الابتعاد عن السياسة الانكماشية

لا ننسى الجدل حول السياسات المالية والنقدية والتسليفية والتجارة الخارجية ومحددات الاستيراد والتصدير، حتى قيل إن الاقتصاد سوف ينهار خلال سنتين، لكن النتيجة كانت مخالفة تماماً، حيث تحسن الوضع الاقتصادي، وتحسنت السيولة والعمالة واستقرّ سعر الصرف، إضافة إلى الابتعاد عن السياسة الانكماشية، فهناك مناطق صناعية تبنى وطرقات يتم شقها وتشغيل للشركات الحكومية، وغيرها، ومثالنا على ذلك مؤسسات الإنشاءات التي كان تدفع سنوياً رواتب لعمالها بقيمة 30 مليار ليرة من الخزينة، فحولنا إليها مشاريع مكنتها من دفع الرواتب وبدأت المؤسسات بالعمل والتطوّر.

في المجال الزراعي ومستلزمات القطاع، منحنا إعفاءات رغم ظروف الحرب، في ظل سياسة غير انكماشية لتحريك دورة رأس المال، وهذا ما تحققت نتائجه خلال أقل من عام.

تتمثل رؤيتنا كحكومة اليوم بأن الفشل وعدم الإنجاز ممنوع، كما نطمح لأن يكون الغد أفضل، وأن نكون أقوى، فقدوتنا هو الجيش العربي السوري، وفي النهاية المواطن السوري هو من يقرر أننا نجحنا أم لا.

ضعاف النفوس

تحدثت في فقرات مهمة ومتشعبة، أبرزها الحفاظ على بنية الدولة وإمكانياتها، وفي هذا المجال تحديداً؛ ربما بعض ضعاف النفوس يسعون، بشكل مقصود أو غير مقصود، للإساءة لإنجازات الجيش العربي السوري، عبر تدمير البنى التحتية سواء للمواطنين أو لمؤسسات الدولة، وذلك بعد عمليات استعادة السيطرة على بعض المناطق، والمواطن يطالب بأن يرى إجراءات على الأرض تحد من مثل هذه الظواهر، فكيف يمكن تنفيذ ذلك؟

إن تلك الأعمال من مفرزات الحرب، التي ولدت الفوضى والفساد، علماً بأن ضعاف النفوس استفادوا من تلك الفوضى، وأؤكد أن الدولة تدخلت بشكل مباشر، وعالجت الموضوع، لذا لم تلاحظ تلك العمليات في الجنوب، وهي حالات فردية، ونتائج فوضى الحرب، والمؤسسات الرسمية وخاصة الجيش، هي من قامت بمعالجة هذا الواقع.

البعض من ضعاف النفوس ادعوا أنهم مرتبطون بالحكومة، وهذا غير صحيح، وكانوا يسرقون الخردة في بعض المناطق، إلا أن هذا الواقع تغير، ولم نلاحظه في الجنوب، وكانت تلك ظاهرة مرحلية، ذهبت ولن تعود، وأؤكد أن سيطرة القانون تفرض في كل المناطق التي يحررها الجيش العربي السوري.

القروض المتعثرة

في إطار بحث الدولة عن مصادر التمويل واستعادة الأموال المهدورة، بدأت الحكومة بمشروعات مثل إعادة النظر بأملاك الدولة المؤجرة والقروض المتعثرة، فما نتائج العمل على تلك الملفات؟ وكم استرجعتم من حقوق للخزينة؟

إن كل ما قمنا به في ملفات القروض المتعثرة واستثمارات أملاك الدولة هو تطبيق القانون الناظم لكل ملف، وهنا أؤكد أن أحد أهم عناوين مكافحة الخلل والفساد هو تطبيق القوانين، وهذا ما نسعى إليه، من دون أي استثناءات، وهناك ثغرات معينة استغلها البعض، لذا استطعنا عبر تطبيق القوانين من تحقيق إيرادات كبيرة.

في ملف القروض المتعثرة، لا نجور على أي متعثر، ولكن طبقنا القانون، وطلبنا من القادرين على السداد بالمبادرة وتسوية أوضاعهم، وتمكنا من تحصيل أكثر من 120 مليار ليرة، وكذلك الأمر في ملف استثمارات أملاك الدولة حيث زادت بأكثر من 30 مليار ليرة، كما تم تحصيل نحو 8 مليارات ليرة من تصويب العمل بقطاع التأمين، إضافة إلى تصويب العمل في العديد من الملفات والقطاعات المشابهة.

مليارات السيارات

العملية الأساسية خلال «وضع القطار على السكة» هو تطبيق القانون كما ذكرتم، وفي هذا السياق، جرى الحديث خلال الفترة الماضية عن وجود خلل في موضوع تجميع السيارات، حيث دخلت أنواع فارهة برسوم جمركية أقل من الواجب تسديدها، فأين وصلت التحقيقات في هذا الملف، وهل هناك عمل لإيجاد تشريع ناظم وتطبيقه لضبط العملية؟

كان هناك خلل في ملف تجميع السيارات، وتمت معالجته بشكل كامل، بما يحقق تنمية حقيقية، وفائدة للمستثمر، وضماناً لحقوق الخزينة.

بالفعل دخلت سيارات على أنها قطع ليتم تجميعها في الصالات المرخصة، ولكن العملية كان يشوبها الفساد والخلل، وكان أصحاب بعض التراخيص يستفيدون من ثغرات في آلية تطبيق القوانين الناظمة للموضوع.

إن المعالجة النوعية لحالات الخلل التي تم كشفها في موضوع تجميع السيارات وتطبيق القانون عليها أدى إلى تأمين حقوق للخزينة بمبالغ وصلت مليارات الليرات من المخالفين بموجب القانون.

إستراتيجياً، قمنا بإجراء تعديلات على الضوابط لعملية تجميع السيارات بهدف تفعيل صناعة التجميع بما يخدم التنمية وتشغيل اليد العاملة، واليوم لا نسمح باستيراد أي من مكونات تجميع السيارات إلا بموجب الرخصة الممنوحة للمستثمر من وزارة الصناعة.

هل اقتصرت محاسبة المخالفين في ملف تجميع السيارات على العوائد التي تم تأمينها من رجال الأعمال المخالفين؟ أما كانت هناك إجراءات أخرى؟

إن تطبيق القانون كان كفيلاً باستعادة حقوق الخزينة، وقد التزم المخالفون بدفع الأموال المستحقة عليهم بفعل القانون.

التهريب

هناك ترشيد للاستيراد للحفاظ على استقرار العملة، إلا أن أغلب المواد الممنوع استيرادها متوافرة في الأسواق والمولات عبر التهريب، فما آلية عمل الحكومة لمحاربة هذه الظاهرة، وهل هناك نية لفتح باب الاستيراد؟

لنفصل بين وجود تشريعات تحقق المصلحة الوطنية، وأشخاص يستغلون هذه التشريعات عبر التلاعب والفساد لتحقيق مصالح فردية خاصة، فهؤلاء ظاهرة عابرة سوف تنتهي، كما أن التهريب أيضاً ظاهرة عابرة، وسوف تنتهي، ولا يعني وجود التهريب أن نقوم بتعديل القوانين بما لا يخدم المصلحة العامة، فلا يمكن تعديل الأنظمة مثلا للسماح باستيراد الكماليات وهناك من يقول بإنها منتشرة تهريباً.

إن التهريب تجب محاربته، وهناك تطوّر في هذا الملف، فقد تراجع مقارنة بالفترة قبل ثلاث سنوات مثلاً، وعندما وضعنا لوائح للاستيراد، ورؤية للتصدير؛ كان الهدف دعم الاقتصاد الحقيقي بما يراعي متطلبات التنمية في البلد.

الاحتكار

في إطار حديثك يتبين أن اللائحة الاقتصادية التي وضعتموها كان أحد أسبابها محاربة الاحتكار، فهل استطعتم إنجاز تقدم في هذا الموضوع؟ وهل تم ذلك فقط بالبنية التشريعية؟ وهل لجأ كبار التجار المحتكرين إلى أساليب السوق لاستمرار احتكاراتهم؟

اليوم بعد مرور أكثر من سنتين على الحكومة أقول: إن منع الاحتكار تحقق، وكانت خطواتنا من الاجتماعات الأولى لمجلس الوزراء نحو منع الاحتكار، وكنا نعلم في فترة من الفترات أن بعض المستوردات مخصصة للشركة أو المؤسسة الفلانية أو الشخص الفلاني، وبعض المواد يعطى منها 200 طن حاجة البلد ولا يمنح غيرها، وهذا بالكامل أصبح من الماضي ولن يعود، كما انتهى اليوم الذي يستطيع فيه متنفذ في مؤسسة عامة أو خاصة أو رجل أعمال، فرض شيء لاحتكار السلطة أو احتكار القرار.

واجهنا في الحكومة مقاومة كبيرة من بعض الجهات المتضررة في طريق القضاء على الاحتكار، سواء من مؤسسات أو رجال أعمال كانوا متفردين باحتكار قرار أو مادة معينة، وأؤكد أننا لن نسمح لمؤسسة أو رجل أعمال أن يحتكر شيئاً من خطة عمل الدولة في تأمين متطلباتها للمواد التي تمس بالنتيجة لقمة المواطن.

إن الآلية التنفيذية للقضاء على الاحتكار لم تحتج لمرسوم جديد وإنما احتاجت لخطوات من الحكومة ليكون كل شيء شفافاً، لقد كان استيراد الأعلاف والسكر والشاي والزيت محصوراً بجهة معينة وللأسف كذلك بعض المواد الأولية الخاصة بالصناعات، فتم السماح بالاستيراد لمن يريد وبالكمية التي يريد طالما يهدف لتحقيق التنمية.

منذ أيام كنا باجتماع في وزارة الزراعة، ومادة الأعلاف كان يباع الكيلو الواحد لها للدواجن بسعر 340-350 ليرة، وبعد إجراءات بسيطة عبر منع التقييد وإعطاء الشفافية، انخفض السعر إلى 225 ليرة، وهذه المئة ليرة كانت تذهب إلى جهة معينة توضب الدولارات وتحتفظ بها في بنوك خاصة في مجال آخر ما يؤثر في القطع وفي المنتج النهائي.

القروض الخارجية

بمناسبة الحديث عن القطع الأجنبي فقد كانت سورية معروفة بأنها من أقل الدول مديونية قبل الأزمة، فهل هذا الوضع ما زال كما هو؟

نحن كدولة حوربنا لأننا مستقلون بكل عناوين الاستقلال السياسية والاقتصادية، دولة ذات سيادة كاملة دون استثناء، وكانت مؤشرات التنمية لدينا قبل الحرب، تضاهي أوروبا الوسطى.

كنا دولة بلا ديون، ووفق دراسة أعدت عام 2004 كنا رابع دولة في العالم بمعدل تطور النمو بالتنمية الاجتماعية، وهي تنمية شاملة، وأثبتنا أن القائد والجيش والشعب الذي استطاع أن يصمد في ظل أكبر حرب في تاريخ العالم، يستطيع أن يدير موارده مهما كانت محدودة في الإطار الصحيح ويستطيع أن ينسج علاقات مع دول شاركتنا بتضحياتنا وبدمائها.

لا ننكر وجود معاناة ولكن طوال فترة الحرب لم يتوقف صرف راتب موظف، واستطعنا من خلال إجراءات استثنائية في التنمية في ملف الطاقة وفي ملف احتياطي خزينة الدولة خلال السنوات الماضية أن نكون في الإطار الصحيح.

سألتني من أين تأتي الدولة بمواردها وأقول: من خلال اعتمادها على ذاتها بشكل كبير جداً ومن خلال دعم الأصدقاء والدول الحليفة التي بنينا معها علاقات تعتمد على احترام السيادة.

الحرب كلفت خزينة الدولة مبالغ ضخمة ولكن هل كلفتنا قروضاً جديدة، وإن كانت كذلك فهل ستؤثر في استقلال القرار السوري السياسي والاقتصادي؟

نحن كنا دولة غير مديونة، وكل الدماء التي ضحينا بها ودفعناها كانت لنبقى دولة مستقلة غير تابعة، وحلفاؤنا الذين تعاونا معهم وتلقينا دعمهم كإيران وروسيا، بنيت علاقاتنا معهم على الايمان بالآخر وبسيادته ولا يمكن أن يكون هناك تنازل، والقروض والدعم من الدول الصديقة مبني على أسس تعاون اقتصادي حقيقي يحقق الفائدة للطرفين.

استنزاف الخزينة توقف

قبل الحرب كان التقارير تتحدث عن أن لدى خزينة الدولة من القطع الأجنبي ما يتجاوز 20 مليار ليرة فكم استهلكت الحرب من هذه الخزينة؟

ليس بالسهولة من قبلنا ولا من أي دولة أخرى، التكلم عن مكوناتنا من احتياطي العملة الصعبة، ولكن أطمئنك بأن إدارة هذا الملف تتم بعناية كبيرة ولدينا ما يمكننا من الصمود سنوات، صرفنا من الاحتياط ولا يمكن لأحد أن ينكر، لأننا مررنا بظروف صعبة.

اليوم الاحتياطي أصبح بعناية نوعية، والاعتماد الأكبر على الإنتاج ويمكن ملاحظة ذلك في القطاع الصناعي والزراعي، فصادراتنا العام تضاعفت مقارنة بعام 2015 عشر مرات.

هل نستطيع أن نقول: إن استنزاف الخزينة قد توقف وبدأ الترميم أم إن معدل الاستنزاف قل؟

إن استنزاف الخزينة توقف، وهذا مؤكد، ونحن كحكومة مسؤولون عن هذا الكلام وبدأنا الاعتماد على الموارد الذاتية والإنتاج.

سعر الصرف

لوحظ نتيجة السياسات الاقتصادية الحكومية استقرار سعر صرف الليرة عاماً ونصف العام وربما عامين، فهل سياسة الحكومة ستبقي على ثبات سعر صرف الليرة لتشجيع رجال الأعمال وتشجيع الاستثمار أم إنها ستذهب باتجاه دعم الليرة وتحسين قيمتها لدعم الحياة المعيشية للمواطن؟

إن ثبات الليرة السورية وتحسنها بنسبة تزيد على 20 بالمئة خلال عمر الحكومة يعود الفضل الأول والأخير فيه للجيش العربي السوري، ولكن هناك إجراءات متوازية متلازمة قامت بها الحكومة من خلال مؤسساتها في هذا المجال.

صراحة نسعى إلى استقرار أكثر لسعر الصرف، وفي ظروف الحرب قد يخرج الأمر أحياناً عن نطاق الإمكانية، وكان منهجنا وصمام الأمان لنا أننا قمنا بتنفيذ الأسس والمبادئ الصحيحة للتنمية الاقتصادية، ومثالنا على ذلك خطوات السياسة النقدية التي اتبعناه بمنع التدخل ومنع تمويل المستوردات ومنع شركات الصرافة من التدخل.

خلال فترة الأزمة أنفق ما يقرب من خمسة مليارات دولار للتدخل عبر شركات الصرافة للحفاظ على سعر الصرف وتعرفون النتيجة، ونحن قررنا مهما حصل ومهما وصل سعر الصرف فلن نتدخل وأنه علينا أن ننسج سياسة نقدية حقيقية بمصرفنا المركزي ومصارفنا العامة والخاصة وعلينا أن ننتهج في التجارة الخارجية سياسة تأطير المستوردات، وإن كان هناك ألم فهو ألم مرحلي، وعندما رفعنا هذا العنوان كانت النتيجة هذا الاستقرار.

إن جميع الخطوات التي اتخذت في مجال الاقتصاد والسياسة النقدية كانت صحيحة مئة بالمئة ولمسها المواطن السوري ولمسها متابعو الاقتصاد، واليوم رجال الأعمال وهم من أكثر الذين يرصدون الخطوات التي تقوم بها الحكومة، معظمهم مرتاحون لسياستنا.

نحن نسعى لاستقرار سعر الصرف في الظروف الحالية ولدينا خطوات ليكون واقع الاقتصاد أفضل، ولن تكون هناك خطوات لتغير سعر الصرف باتجاه الارتفاع خارج إمكانية الدولة، أما هبوط أسعار الصرف فسيتم بإمكانيات الدولة وبما يحقق تنمية تجارة خارجية صحيحة وتنمية صادرات وتنمية إنتاج وصناعة صحيحة.

ويمكن الحديث عن إدارة سعر الصرف بما يحقق التوازن العقلاني لكافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتغيراته.

الرواتب

ما تتفضل به بالتأكيد يساعد على منافسة المنتج السوري في الأسواق العالمية، ولكن المواطنين السوريين الذين قسم كبير منهم يعولون على راتبهم نهاية الشهر، يعانون، وما يتقاضونه لا يغطي متطلبات الحياة اليومية، وتقول إننا سنحافظ على مستوى صرف الليرة لتشجيع الاستثمار وحركة دوران الاقتصاد، ولكن ألا يتطلب ذلك أيضاً تحسين مستوى الدخل للعمال والموظفين وخاصة أن البعض يذهب باعتبار انخفاض الأجور والرواتب كأحد أبرز مسببات الفساد والإفساد؟

هذا سؤال يومي نتعرض له كحكومة، ولكن لا توجد حكومة في العالم لا تتمنى تحسين الوضع المعيشي للمواطن، ومن الأيام الأولى لعمل الحكومة قلنا لهذا المواطن الذي صمد وعانى وتكامل مع الجيش، بأن اهتمامنا سينصب على تحسين دخله، ولكن هل نكون مندفعين متهورين في خطواتنا في سبيل خلق شعبية مرحلية مؤقتة؟ مؤكد لا، وأعلنا أن هذا الملف يجب أن يكون ملفاً صادقاً وليس مجرد شعار.

طلبنا من زملائي في الحكومة العمل بشكل منهجي مرتب لتحسين دخل المواطن، ويتم ذلك إما بتخفيض الأسعار أو زيادة الرواتب، وبدأنا والخطوات التي أخذناها أمنت 50 ألف فرصة عمل في المناطق الصناعية ساهمت بتأمين مدخول لعائلاتهم، وتمكنا من وقف استنزاف رواتب شركات القطاع العام لخزينة الدولة، إذ أصبحت تلبي ذاتها بمشروعات تنموية، ودعمنا زراعات التبغ والحمضيات والقمح والمباقر والدواجن عبر خطوات هدفت إلى تحقيق اقتصاد أقوى ينعكس بالفائدة في مجال الدعم الحكومي لكل مفاصل التنمية.

كان يمكن أن نزيد الرواتب بطبع كمية من النقود، فيشعر بها المواطن إلى فترة وبعد ذلك تتلاشى بارتفاع الأسعار، ولكن إذا أخذنا التجربة التي أجريناها مع القوات المسلحة عبر زيادة الرواتب للجيش الباسل، نجد أنه لم تتم زيادة في سعر أي مادة، لا وعلى العكس انخفضت بعض الأسعار، وهذا ما نريد أن نحققه لجميع أبناء الوطن.

لقد حصل انخفاض في الأسعار من خلال رؤية تنموية بدأنا بها، كانخفاض أسعار بعض الألبسة ومواد التنظيف وبعض المواد الغذائية مثل السكر والرز، وقلنا: إن الأولوية للإنتاج وموارد الإنتاج بهدف تحقيق ديمومة للفائدة وإلا فإن المبالغ التي دفعناها للتبغ والقمح، والـ11 مليار ليرة التي دفعناها للتنمية الاقتصادية الصناعية، ككتلة، تستطيع تحقيق استقرار لسنة وتمنح زيادة رواتب لسنة، ولكن بعد السنة ماذا يحدث ونعمل؟

كان هناك اجتماع يخص تحسين دخل الموطن، ولكن هذا لا يعني أن هناك زيادة رواتب، فنحن بشكل دائم ندرس المكونات التي تحقق زيادة الرواتب، وهناك بنود على طاولة زملائنا المختصين لدراسة نتائج زيادة الرواتب وذلك لن يستغرق سنوات ولكن لن ينتهي غداً، إنما هي أشهر قليلة لتنضج الرؤية بشكل كامل بعد أن حقق جيشنا الانتصار.

في إطار هذه الرؤية والآلية، هل يمكن أن يتم تحسين دخل قطاع محدد دون قطاعات أخرى، فكما بدأتم من الجيش هل من الممكن أن يكون القطاع التالي في المدرسين مثلا أو القضاء والداخلية كقطاعات أساسية لها علاقة بالمواطن، وبما يسهم بمكافحة الفساد؟

 

أؤمن أن المدرس، ليس له فرص عمل أخرى، وجميعنا يعلم ظروفه وكنت آمل أن تكون له الزيادة في المرحلة الثانية، ثم للعاملين في القطاع الإنتاجي ثم الوظائف الإدارية، هذا لم يتخذ به قرار بعد، ولكنه نظرية صحيحة، فهناك قطاعات يجب أن يستهدف القائمون عليها بزيادة رواتب قبل قطاعات أخرى.

إعادة الإعمار

الموضوع الآخر الذي يهم المواطن كثيراً نتيجة هذه الحرب التي دمرت المنازل في قسم من الريف السوري وبعض المدن الكبيرة وبنسب عالية، كيف يمكن أن تعمل الحكومة لإعادة إحياء القطاع العقاري؟

هذا من أهم الملفات التي وضعت على طاولة الحكومة، فاليوم تدمرت مئات آلاف المنازل بفعل الإرهاب، وتهجر الكثير، ولكن هل يمكن لدولة تستعد لكل شيء في عملية إعادة الإعمار وإعادة البناء، أن يكون قطاع البناء وقطاع السكن المنزلي غائباً عن ذهنها، مؤكد لا.

لقد بدأنا ووضعنا عناوين مهمة فهناك إجراءات تشريعية وأخرى تخص التمويل وثالثة تخص الدراسات والخطط التنفيذية، وعقدنا أكثر من عشرة اجتماعات في هذا المجال بهدف إعادة بناء القطاع السكني.

أول خطوة أعلناها، أن كل منطقة تضررت من الإرهاب يجب أن يكون لها مخطط تنظيمي جديد، بدءاً من الوحدة الإدارية وصولاً إلى المدينة.

هذه التجربة بدأنا بها بداية العام الماضي ومن خلال الاستطلاع الميداني في مدينة حلب وجدنا أفضل خطوة لتحقيق تنمية حقيقية هي في إعداد مخطط تنظيمي جديد لمناطق المخالفات والمناطق المتضررة بفعل الإرهاب والمناطق الآمنة والبنية التجارية، وتم إنجاز مخطط تنظيمي حضاري وعصري يحقق تنمية حقيقية، وهذا أهم إنتاج للحكومة في حلب.

لقد وضعنا رؤية تطويرية عمرانية جديدة تحقق تنمية على الصعيد التجاري وشارك فيها كل أبناء حلب من الجامعة والإدارة المحلية ومجلس المدينة ونقابة المهندسين وغرفة الصناعة وغرفة التجارة، كلهم شاركوا بوضع المخطط التنظيمي، وهذا المثال نسقطه على جميع المحافظات السورية، حيث يجب أن يكون لدينا مخطط تنظيمي جديد يحقق تنمية عمرانية شاقولية وخاصة في المناطق الزراعية التي أوقفنا فيها الانتشار الأفقي.

500 ألف منزل

الخطوة الثانية هي في الحاجة لإعادة بناء نحو 500 ألف منزل تضرر بسبب الإرهاب، وهذا يحتاج إلى ترليونات من الليرات السورية، وهي مبالغ ليست موجودة حالياً، لكن لدينا بدائل أخرى.

الدولة هي المعني الوحيد بإعداد التشريعات لهذا القطاع ويتم العمل على ذلك من خلال تطوير القوانين الناظمة للأدوات التي تقوم بإعادة البناء كاتحاد التعاون السكني وشركات التطوير العقاري التي كان لنا لقاء معها.

إن جزءاً من البناء ستقوم به مؤسسات الدولة كالمؤسسة العامة للإسكان، والجزء الآخر ستقوم به شركات التطوير العقاري، فالقطاع الخاص هو شريك فاعل لتخفيف العبء عن الدولة.

إننا بصدد البدء بتأهيل هذه الشركات وبصدد تطوير القانون لإعطائها القروض والأراضي في حال الرغبة لتكون الجزء الأهم في تأمين المساكن وإعادة إعمار المناطق.

الخطوة الثالثة تتعلق بالاتحاد التعاوني السكني، فالجمعيات السكنية كانت على مدى أربعين سنة أحد مداخل تأمين المنزل للمواطن السوري بسعر مناسب، وحتى نعيد لها الفعالية بشكل إيجابي بعيداً عن الفساد الذي شاب القطاع في الأزمة وقبل الأزمة، أوقفنا الجمعيات لفترة وتتم مراجعة كل جمعية للتأكد إن كانت جادة أم لا.

لدينا 2600 جمعية ولو كانت جميعها جادة لما كانت هناك أزمة سكن، لذلك نعمل لنعلم من الجاد والفاعل ليكون شريكاً معنا، وبعد أن انتهت وزارة الأشغال من إعداد الدراسة اللازمة وتقييم الشركات، فإن العمل بنظام الجمعيات السكنية سينطلق في الأسابيع القريبة القادمة.

هذا طمأنة لكل مواطن سوري بأنه لا يمكن أن نترك قطاع السكن الذي تضرر بشكل كبير ليكون عشوائياً، ولا أن نترك المواطن وحده، ونحن نعرف معاناته، وسنساهم بشكل منظم، وخلال سنوات قليلة وسريعة ستكون المدخلات الثلاثة لإعادة قطاع الإسكان في مناطق المدمرة في الإطار الصحيح.

هل يمكن أن نعلم ما حجم الباب المفتوح في عملية إعادة الإعمار أمام شركات الدول الصديقة والحليفة؟ وهل هناك شركات عالمية قد تحاول الدخول في مشروعات ضخمة لمنافسة الشركات المحلية لتخفيض الأسعار في سورية؟

الدولة التي استطاعت أن تنتصر بالحرب تستطيع أن تنسج علاقات مبنية على الاحترام المتبادل مع الحلفاء والدول التي وقفت مع الشعب السوري في تصديه للحرب.

وبحسب المقولة الأساسية للرئيس بشار الأسد، سنعتمد في عملية إعادة الإعمار على رأس المال السوري داخل البلد وخارجه ونعول عليه بشكل كبير، وهذا لا يعني أنه لا دور للدول الصديقة والحلفاء فهم لهم جزء واهتمام حكومي كامل.

أما الدول والجهات التي ساهمت في سفك الدم السوري فلن يكون لها دور من قريب ولا من بعيد ولا ظاهرياً ولا بشكل مختبئ في مؤسسات ظل.

الأموال المهاجرة

بما أنك تحدثت عن الأموال السورية وأنها ستكون عاملاً أساسياً في إعادة الإعمار، فهناك قسم كبير من هذه الأموال وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات، هاجرت سواء للدول القريبة أم البعيدة، فكيف تفكرون في إعادة استقطابها؟

نحن كدولة جادون بإعادة أولاً رأس المال البشري الذي غادر بسبب الإرهاب، وهناك جهود كبيرة لاستعادتهم، لأن الاستثمار الأهم والأغنى هو في الإنسان، والدولة التي وضعت خططاً لعودة العقول وعودة أبنائها المهجرين قادرة أن تضع رؤى اقتصادية تتعلق بالنظام المصرفي لاستعادة رأس المال الذي خرج من البلد، والنظام المصرفي السوري ورغم العقوبات هو أكثر ضياء من جهة التسهيلات والإجراءات والتشريعات، ومؤخراً بدأ الحديث عن شهادات الإيداع بالعملة الأجنبية.

في المقابل هناك من يشوش، وما إن أعلنا عن خطة تطوير المصارف الذي عملنا عليها لأشهر حتى دخلت صفحات صفراء للتشوش، وهذا لا يعنينا، وما يعنينا هو ثوابتنا والمواطن السوري الذي يقرأ إجراءات الحكومة بحقيقتها في تطوير النظام المصرفي.

 

إذا راجعنا تاريخ عمل المصارف السورية من عشرات السنين نرى أنه لا دولة لديها استقرار وثوابت بالحفاظ على أموال القطاع الخاص كالدولة السورية.

خطواتنا كبيرة وغنية واليوم المصارف السورية تشهد حركة وتطوراً سريعاً في الخدمة في الأتمتة والتواصل والحضور على الصعيد المحلي والإقليمي، ورغم العقوبات فإن رجال الأعمال المؤمنين بسورية، لا يجدون أماناً في أي دولة على الصعيد الإقليمي أو العالمي، كالأمان الذي في المصارف السورية وباعترافهم جميعاً.

المعابر الحدودية

انتصارات الجيش العربي السوري قلبت الموازين في المنطقة وخصوصاً مع دول الجوار، ومؤخراً استعاد الجيش السيطرة على معبر نصيب مع الأردن، وقبل ذلك سيطر على قسم كبير من الحدود مع العراق وعلى معبر البوكمال، وهناك وفود زارت سورية من الأردن والسفير العراقي أجرى اجتماعات لإعادة دوران العجلة الاقتصادية بين البلدين، فما مصير هذه المعابر؟ وهل يمكن أن نشهد عودة قريبة لعملها؟

باعتراف الجميع، والصديق وغير الصديق وعلى الصعيد الدولي أنهم رأوا الانتصار العظيم الذي حققه الجيش العربي السوري، ونحن معنيون بشكل كبير لأن نكون حكومة تكاملية مع انتصار جيشنا.

كل خطوة سنقوم بها عبر التبادل التجاري والعلاقات مع الدول الصديقة ودول الجوار مبنية على تحقيق الفائدة وبما يحفظ تضحيات الجيش، وكل ما يحقق لنا الفائدة الاقتصادية في المعابر وفي العلاقات مع الدول الصديقة والدول الإقليمية سيكون تحت عنوان الوطن والفائدة والمصلحة الوطنية، هناك خطوات في إعادة المعابر وخطوات مع دول الجوار وسيعود المعبر للعمل عندما تتحقق المصلحة المحلية بشكل خاص.

الجامعات الخاصة

كمؤشر يمكن قياسه حول دعم الاستثمارات الخاصة، هناك حديث يدور حول الجامعات الخاصة والهزة التي مرت بها، بسبب قرارات صدرت من مجلس التعليم العالي، ونحن في سورية تم فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في الجامعات بهدف استقطاب أموال كانت تذهب إلى دول أخرى، والآن هناك قرارات صدرت حولها إشارات استفهام، فمن الجهة التي أصابت أو أخطأت، هل هي الجامعات الخاصة أم الجهة المخولة بإدارة الملف؟ وما الرسالة التي تريد أن توصلها الحكومة للمستثمرين في كل القطاعات الأخرى؟

أسأل: الدولة التي ضحت وبذلت في سبيل الحفاظ على مكوناتها من الطاقة البشرية، هل يمكن أن تضحي بمكون مادي وبشري كالجامعات الخاصة؟

قد يحدث خطأ ويصوب أو تحدث ثغرة سلبية وتسد، ولكن لا يمكن للحكومة أن تمارس عملاً يكون ضدها، وهذا يحتاج إلى مزيد من التواصل والوضوح، والجامعات الخاصة مكون من مكونات بناء الإنسان السوري ولا يمكن أن نكن لها إلا كل التقدير ولا يمكن إلا أن نعتبرها شريكاً حقيقياً للدولة ولمؤسسات التعليم العالي.

اليوم هناك مزج وخلط وهناك قسم كبير من الجامعات الخاصة تستخدم المنشآت الحكومية وكادرها التدريسي من الجامعات العامة، وأريد أن أزيل أي لغط بأن الحكومة أو وزارة التعليم العالي تقوم بإجراءات تحبط أو تخرب رؤية الدولة السورية بالحفاظ على الجامعات الخاصة، ولكن أليس من الضروري أن يكون هناك مزيد من التواصل والحوار لبيان الأمر؟

تقييم الجامعات الخاصة والميزات التي تعطى لها يجب أن تكون مبنية على أسس ومؤشرات، فهناك جامعة عندها بناءان صغيران متفرقان، وهناك جامعة لديها صرح كبير وتملك المخابر وتخصص موازنة واستثمارات كبيرة تختلف عن الجامعات الأخرى، والقرارات تسبب ضرراً لبعض الجامعات دون جامعات أخرى وهذا ما هو بحاجة للتصويب، وأرى أن يعاد تقييم مستوى الجامعات ومدى منح الدعم الحكومي لها من خلال الإمكانات المخصصة من القائمين على الجامعة.

هناك جوهر أساسي يجب ألا نختلف عليه، وهو المنتج وهو الطالب، وهو ما نسعى إليه كدولة، وضعنا منذ أكثر من عام من خلال اللقاء مع زملائنا القائمين على التعليم العالي، المؤشرات التي تعزز مستوى حضور جامعاتنا بين جامعات العالم، لترفعها درجات عديدة، ونعمل عليها وبدأنا بتحقيق متطلباتها، وهناك خطوات ستظهر قريباً.

الدولة تصرف مليارات الليرات على الجامعات الحكومية والخاصة في سبيل أن يكون لدينا منتج جيد من الطالب السوري، والدول التي استقبلت المهجرين، استقبلتهم بإغراء لا يصدق للطالب والخريجين السوريين، ولو كانت جامعاتنا ليست بمؤشر صحيح، لما كانت استقطبتهم.

الحكومة والقطاع الخاص

اعتاد الشارع على تقييم الحكومة وتوجيه الانتقاد لأدائها، ولكن في المقابل ألا يوجد تقييم من قبل الحكومة للقطاع الخاص، أي كيف تنظرون لهذا القطاع على مختلف مستوياته بما فيها الاتحادات، وتحديداً خلال الحرب ودوره في صمود الدولة السورية؟

القطاع الخاص مكون من مكونات الدولة السورية وخاصة الاقتصادي منه، واليوم هناك قطاعات خاصة عديدة معنية ليس بالاقتصاد ومكوناته بل أصبحت معنية بالتنمية البشرية، كالجامعات والمدارس الخاصة.

ننظر للقطاع الخاص بكثير من التقدير، والحكومة معنية بشكل كبير بتقديم الدعم لهذا القطاع، ولا أستطيع أن أسرد لك كل ما قامت به الحكومة الحالية بخطوات نوعية كبيرة في سبيل التواصل مع القطاع الخاص بكل مكوناته، فقد وصلنا إلى مرحلة سميناها «الشريك»، ما يؤكد إيماننا به، وقسم من القطاع الخاص ملتزم ويعتبر هدفه وبوصلته الأساسية الدولة، وقسم يعتبر هدفه الربح والفائدة، والقسمان لهما كل التقدير ولكننا نقدّر القسم الأول بشكل أكبر لكونه يتبنى الرؤية الأسمى.

القطاع الخاص معني كما الدولة والحكومة معنية، بالتنمية، وله حقوق ومن واجبنا أن نقدمها له وعليه أن يلتزم بالقوانين والأنظمة، والقطاع الخاص قطاع هام وننظر له بإيجابية وبعين من الرضى بشكل نسبي لما بذله وما قدمه في الأزمة وبما هو مطلوب منه بعد الأزمة.

استعادة المهجرين

أعلنت الحكومة أكثر من مرة استعدادها لاستعادة «اللاجئين»، بالمصطلح الغربي، والمهجرين، بالمفهوم السوري، فإلى أي مستوى تتوافر لدى الحكومة الإمكانية لاستعادة وتوطين المهجرين خارج سورية أو النازحين داخل البلاد؟

الدولة التي استطاعت أن تحمل رؤية والتي وثقت بنفسها من الأيام الأولى للحرب، هي معنية ومسؤولة عن عودة هؤلاء، وهي مارست هذه المسؤولية بنوعية متميزة تجاه أبناء الوطن داخل البلاد، وشكلنا هيئة تنسيق لتسهيل عودة المهجرين.

من الأيام الأولى التي حصل فيها تهجير من المجموعات الإرهابية المسلحة لأبناء وطننا في الداخل أو خارج سورية، خطت الدولة خطوات بهذا الاتجاه، وصدرت مراسيم لتسهل عودة من غرر بهم إلى حضن الوطن، ونحن معنيون بأبنائنا، وكما قلت قبل قليل: لا أستطيع إعادة بناء 500 ألف منزل خلال عام، ولكن نستطيع تأمين سكن مؤقت لجميع المهجرين وإن كانت ليست بمستوى ما كانت عليه منازلهم.

هذا يحتاج إلى تضافر جهود كل مكونات أبناء الوطن وإلى دعم دولي من الدول الصديقة والحليفة المعنية بهذا الملف، ونحن جاهزون من جهة البنى التحتية والتشريعات والتسهيلات مثالية ولدينا خطوات ولم يغب وزير من المعابر والمطارات، ولقد شهد معبر جديدة يابوس عودة 40 ألفاً خلال الأشهر القليلة الماضية، وعند وصول قواتنا المسلحة إلى معبر نصيب عاد جزء من عشرات الآلاف من المهجرين من الأردن، ومسؤوليتنا أن نحافظ على كرامة كل مواطن سوري.

كان بين أحد أسباب الحرب على سورية، تفريغ الدولة من كوادرها، والحرب أدت إلى تهجير كوادر مهمة ربما صرفت الدولة عليها المليارات، فهل من الممكن أن تكون هناك مزايا تفضيلية لاستعادة هذه الكوادر؟ وما مستوى التنسيق مع الدول الصديقة وخصوصاً أن روسيا تقوم حالياً بدور مهم في هذا الإطار؟

الأصدقاء الروس مشكورين يبذلون جهوداً كبيرة في سبيل نقل حقيقة سورية تجاه أبنائها المهجرين سواء من أصحاب الخبرات أم من المواطنين العاديين الذين تهجروا، وهذا عزز رؤية عودة من هاجر، وعما يتعلق بمنح ميزات معينة لأصحاب الخبرات فهذا عنوان ملف موضوع على طاولة الحكومة يتضمن إصلاح البنية الوظيفة، والحكومة لا تؤجل شيئاً، وإنما تسير بملف تلو الآخر.

يسعى الغرب إلى تخويف المهجرين السوريين من العودة وهناك تصريحات أطلقت أخيراً بأنه لا أمان بالعودة، فهل يمكن أن نعطي السوريين في الخارج طمأنات للعودة إلى بلدهم؟

هذا جزء من الدعاية والحرب على سورية، وبمراجعة سنوات الحرب نقول: ألم يقدم الشهداء من الجيش العربي السوري دماءهم للدفاع عن المدنيين من الإرهاب؟ أي هل يمكن للدولة التي دفعت خيرة أبنائها للدفاع عن المدنيين، أن لا توفر الأمان لهم عند عودتهم، مع التأكيد أن كل التشريعات الصادرة عن رئيس الجمهورية تساهم في عودة المهجرين.

الانتخابات المحلية

يبدو أن الدولة جادة في إشراك المواطن في رسم مستقبل بلده عبر التشجيع على المشاركة في انتخابات مجالس الإدارة المحلية القادمة، فلماذا تتم الانتخابات الآن؟ وما الرسائل ومدلولات هذه الانتخابات؟

أقولها صراحة: لأننا انتصرنا، الإدارة المحلية والوحدات الإدارية والقائمون عليها هي المحرك الأساسي لعمل الحكومة، وعملية إعادة الإعمار، تنطلق من عندهم.

لدينا قانون متطور نريد تطبيقه ونحن بحاجة إلى أشخاص نوعيين وستكون انتخابات نوعية، ويقع على عاتقنا أن نساعد المواطنين على اختيار الأشخاص النوعيين للتطبيق ولمشاركة الدولة والحكومة في إعادة الإعمار بالإطار الصحيح.

هناك بعض المساحات مازالت خارج سيطرة الدولة فكيف سيتم التعاطي معها في انتخابات المجالس المحلية؟

القانون والتشريع ناظم لذلك، والأمر ليس بالجديد، وسابقاً إذا كانت هناك منطقة فيها ثغرة فسيستمر المجلس المحلي بعمله، وفي هذه الأيام باتت تلك المناطق محدودة، وهي حالات خاصة، وخلال الفترة القادمة سيعود كل متر من سورية، ولكننا على التوازي سنمضي إلى حين الانتهاء من تلك الحالات.

هناك مطالب بإعادة النظر في قانون انتخابات مجالس الإدارة المحلية من بعض الشرائح والحديث هنا يدور عن السوريين الأكراد تحديداً، فأين تتجه الأمور؟

ننظر لكافة المواطنين السوريين على حد سواء وبقدر إيمانهم بوحدة وسيادة بلادهم، وعندما نعمل على تعديل قانون الإدارة المحلية ونطوره بما يحقق المصلحة السورية، وبعض مواد القانون بحاجة إلى تعديل ولكن ليس لأجل شريحة معينة وإنما نطور القانون لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.

الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock