أسبوع الأكاذيب بين القضاء الفرنسي ورسالة ابن لادن لدعم فلسطين.. غوبلز عادَ من جديد!
بقلم: فراس عزيز ديب
لم تكن عبارة مسؤول الدعاية النازية جوزيف غوبلز بأن اكذبوا واكذبوا حتى يصدق الناس لتعيشَ كل هذهِ العقود لو لم يكن هناك من يطبقها بأساليبَ مختلفةٍ لكن بذات السياق النازي الذي ينهي كذبه بجرائم أو إباداتٍ لا تنتهي، وإن كان غوبلز اعتمد فرضية السيطرة على العقول عبر التركيز على جانبٍ واحد من الحدث وتجاهل ما تبقى منه فإن النظرية الحديثة المنبثقة عن هذا الغوبلز، هي اختراعُ قصةٍ جديدة يجعل المتلقي يتجاهل الحدث الأهم، على هذا الأساس يمكننا ببساطةٍ أن نصفَ الأسبوع المنصرم بأسبوع الكذب المستند لتلك النظرية لكنهُ وبالتخصص يمكننا تسميتهُ بأسبوع الكذب القضائي والإعلامي فكيف ذلك؟
نبدأ من القضاءِ الفرنسي الذي أصدرَ ما سماها مذكرةَ توقيفٍ بحق الرئيس بشار الأسد وشقيقه اللواء ماهر الأسد بما يسمونها قضية استخدامِ السلاح الكيميائي في ريف دمشق، بالتأكيد لن نعقِّبَ هنا على القرار الذي لا يساوي الحبر الذي كُتبَ فيهِ قانونياً عندما أعطت محكمة النقض الفرنسية القضاء الفرنسي حق النظر بقضايا ارتكبت خارج الأراضي الفرنسية على مبدأ «مدَّاح نفسه كذّاب»، وبصورةٍ أدق لكي نفهم أهمية هذه المذكرة تذكروا مذكرة الاعتقال التي أصدرتها قطعان المعارضات السورية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ المذكرتان لا تختلفان إلا باللغة التي كُتبت بِهما، لكن ولكي نفهم كيفَ يتعاطى قادة الغرب الإنساني مع الأحداث الجارية دعونا نناقش هذهِ المذكرة من حيثُ توقيت صدورها وهنا علينا التركيز على نقطتين مهمتين:
أولاً، جاء الكلام عن هذه المذكرة بصورةٍ متزامنة مع قيام النيابة العامة الفرنسية بإطلاق سراح الشرطي الذي قام بقتل المراهق الفرنسي من أصولٍ جزائرية «نائل»، الجريمة التي ارتكبها الشرطي بدمٍ بارد وأدى الفيديو الذي تم تسريبه عنها إلى احتجاجاتٍ عنيفة على جميع الأراضي الفرنسية، أما حدث إطلاق سراح الشرطي بصورةٍ مستغربة رغم اجتماع الأدلة التي تدينه، فقد مرَّ مرور الكرام عبرَ تجاهل الحديث عنه والتركيز على الدور الإنساني لفرنسا بملاحقةِ من يسمونهم «مجرمي حرب»! أكثر من ذلك فإن الساسة الفرنسيين يعرفون تماماً التركيبة التي خرجت تحتج على مقتل «نائل» وهي التركيبة ذاتها التي تسيطر عليها الدعاية البيترودولارية على مسار الأحداث في سورية.
ثانياً، حاول الساسة الفرنسيون التخلصَ من الضغوطات الشعبية التي باتت ترفع الصوت عالياً لدفعِ فرنسا لتغيير موقفها من المذبحة المفتوحة في قطاع غزة، بما فيها التماهي الكامل مع الرواية الإسرائيلية والدعوة لتشكيل ما سماه الرئيس إيمانويل ماكرون تحالفاً دولياً للقضاء على حركة حماس بوصفها ذراعاً إرهابية، الموقف الرسمي الفرنسي باتَ منبوذاً حتى على المستوى الرسمي ذاته وهو ما نقلته صحيفة «لوفيغارو» بحديثها عن مذكرةِ احتجاجٍ قدمها ديبلوماسيون فرنسيون لوزارة الخارجية قالوا إن الموقف الفرنسي لا يمثل القيم الأخلاقية للجمهورية الخامسة ويشوه صورة فرنسا التي ناضلت للتخلص من الماضي الاستعماري، فجأة نجحت الدعاية الإعلامية الفرنسية بسحب الحديث عن مذكرة الاحتجاج الديبلوماسية ومذكرة إطلاق سراح الشرطي، وبات الشغل الشاغل لهم الحديث عن شجاعة القضاء الفرنسي بملاحقة مجرمي الحرب، فجأة اختفت صور القصف النادرة على غزة التي يقوم الإعلام الفرنسي بنشرها لتعود صور أولئكَ الذين عرفوا بأن الجيش العربي السوري استخدم السلاح الكيميائي لأنهم استنشقوا روائح غريبة! أليس هذا الأسلوب مستنسخاً عن التجربة الإعلامية لغوبلز؟
أسبوع الكذب متواصل، حيث وجَّهت «النيابة العامة في إسطنبول»، إلى وزارة العدل التركية طلباً لفتحِ قضيةٍ جنائية ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتُهمة ارتكاب أعمال «الإبادة الجماعية» في قطاع غزة، ربما كان يجب علينا أن نصفق لشجاعةِ النظام التركي لكننا فجأة اكتشفنا تناقضين اثنين: التناقض الأول، أن القضاء التركي المدفوع بالدعاية الرسمية لخليفةِ الإرهابيين، حالهُ يشبه حال بعض الشعوب العربية المنتفضة ثأراً لغزة والتي تطالبُ بفتحِ الحدود لمساعدةِ الفلسطينيين فيما سفارات الاحتلال تبعد عنها عشرات الأمتار ولم ترمها بحجر، حتى إن التحرك التركي المدروس بعناية بدا وكأنهُ موجه تحديداً ضد شخص المجرم بنيامين نتنياهو، وهذا منطقي لأن الجميع بات مدركاً بأن نتنياهو وبمعزلٍ عن نتيجةِ هذه الحرب فهو لن يكمل في منصبهِ، بل إن بعض استطلاعات الرأي بدأت بتحديد البدائل المتاحة فلماذا لم نرَ هذه المراجل التركية عندما كانت قطعان المستوطنين تعيث فساداً في الأقصى؟ لماذا لم يكن هناك ردات فعل على السفارات نفسها؟
التناقض الثاني، مرتبط باستمرار العلاقة التجارية بين الكيان الصهيوني وتركيا والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولار سنوياً، لم يجرؤ الجانب التركي والذي يتمتع بعلاقاتٍ تجاريةٍ متينة على اتخاذ أي إجراء يوقف الإمدادات الأساسية القادمة من تركيا، كل ما فعلهُ الجانب التركي هو إيقاف خطط التنقيب المشترك عن الطاقة مع دولةِ الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأبيض المتوسط وتصدير الغاز إلى أوروبا، لكن من قال إن التنقيب بهذا الوقت ممكن؟! ذات الأسلوب وذات التكتيك بالتعمية على الحدث الأساسي المتمثل بكون تركيا الأردوغانية هي الصديق الصدوق للكيان والتركيز على مذكرةٍ قضائية لا معنى لها.
ختاماً، يبدو وكأنه من السهل علينا الوقوع بفخ الدعاية الغوبليزية المستحدثة، حيث اختتم هذا الأسبوع بقيام بعض المواقع الغربية بإعادة نشر رسالة لزعيمِ تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الذي أخفته أو اغتالته الولايات المتحدة الأميركية «لا أحد يعرف»! هذه الرسالة عمرها من عمر أحداث الحادي عشر من أيلول يقوم فيها ابن لادن بالربط بين عمليات التنظيم الإرهابية والسلوك الأميركي الداعم للكيان الصهيوني، بمعنى الثأر لفلسطين عبرَ ضرب الولايات المتحدة تحت الحزام، اللافت هو قيام بعض المواقع بتفسير إعادة نشر هذهِ الرسالة على أنها تنبيه للولايات المتحدة من الأخطار القادمة في حالِ استمرار نهج الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني فإن الولايات المتحدة ستعود لتدفع الثمن، لكن في واقعِ الأمر تبدو هذه المقاربة ساذجة إلى الحدِّ الذي يمكننا فيهِ اعتبار تنظيم القاعدة أساساً مستقلاً بأهدافهِ، أو أن الإعلام الغربي قامَ بهذهِ الخطوة بصورةٍ بريئة ومنفصلة عن ما تريده الدعاية الغربية، مبدئياً لماذا لم يقم هذا التنظيم بأي عملية ضد الكيان الصهيوني مثلاً؟ أكثر من ذلك، لماذا ارتبطت أجنحة التنظيم في سورية بعلاقاتٍ ممتازة مع الكيان الصهيوني جعلتها تدمِّر أول ما تدمره منصات الدفاع الجوي التابعة للجيش العربي السوري.
إن إعادة نشر هذهِ الرسالة له هدف وحيد تعمل عليه الدعاية الغربية منذ بدء الحرب على غزة، المقاومة هي داعش، هذهِ الفكرة فشلت فكان البديل الأقرب للمنطق أن المقاومة هي القاعدة، وقريباً قد يصبح كل من يدعم الحق الفلسطيني هو داعم للتنظيمات الإرهابية، وبمعنى آخر رسالة ابن لادن توجب علينا مواجهتها لا التطبيل لها لأن الحرب المفتوحة اليوم في غزة أثبتت أنها ليست مجردَ حربٍ عسكرية، هي حرب هدفها اقتلاع كل شيء بما فيها المفاهيم القيِّمة، فمتى سنكف عن الوقوع في هذه الفخاخ المميتة؟
في الحقيقة لا جواب، طالما أن الغرب قادر على أن يجدد نفسه وخطابه وتكتيكاته في كل مرة فيما مازلنا نحن حتى في خطابنا المدافع عن حقوقنا نمتلك الكثير من الهفوات ليسَ أقلها اعتبار التركي مدافعاً عن الحق، واعتبار تنظيم القاعدة قام يوماً بالثأر لفلسطين!
كاتب سوري مقيم في باريس