تحت عنوان مثير: «هل نحن ننتصر في هذه الحرب؟.. قادة الغرب لم يعودوا يخفون الحقيقة»، وفي تحليل نشره في مجلة «ذي أميركان كونسيرفاتيف» في 19 كانون الأول الجاري، قال عضو مجلس إدارة «معهد الأفكار الأميركية» جورج أونيل إن رئيسة المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي اورسولا فون ديرلاين كشفت «منذ وقت قريب في تغريدة في حسابها في تويتر أن أوكرانيا تكبدت خسائر بشرية في قواتها المسلحة بلغت 100 ألف من الجنود و20 ألفاً من غير الجنود وأن ثمن الدمار والخراب في أوكرانيا يكلف كثيراً، ثم بعد ساعات قليلة من انتشار هذا الخبر تم حذفه من موقع تويتر الخاص بفون ديرلاين ومن حسابها من جميع المواقع الالكترونية الأوروبية حتى بعد أن انتشر في الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، ويبدو أن القرار بحذفه جاء بعد الغضب الشديد الذي أعرب عنه قادة أوكرانيا لأنه يتناقض كلياً ويزيد بشكل هائل عن عدد خسائر الجيش الأوكراني البشرية الذي كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن عنه حين قال بموجب ما نشره أونيل 50 جندياً في كل يوم، وهذا يعني أن العدد الإجمالي أصبح بعد عشرة أشهر هو 15000 ألف؟! بدلاً من المئة ألف التي كشفت عنها رئيسة الاتحاد الأوروبي، وإذا أضيف لهذا العدد من أصيب بجراح من الجنود وغالباً ما يقدر بضعفين أو ثلاثة أضعاف عدد القتلى فسوف تظهر صورة خسائر الجيش الأوكراني كبيرة جداً»، ويتساءل أونيل: «كيف تعد كييف أنها تحقق مكاسب في هذه الحرب على حين احتل الجيش الروسي نسبة 20 بالمئة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة أوكرانيا قبل شباط الماضي والتي تعد 22 بالمئة من الأراضي الزراعية؟! ناهيك عن بقية الخسائر المذهلة في الاقتصاد والبنى التحتية المدمرة ودون أن يتوقف القتال ولمدة عشرة أشهر، فما بالك لو استمرت هذه الحرب الأميركية الغربية باستخدام أوكرانيا لسنتين أو أكثر»؟
بالمقابل، أصبحت بعض الدول والقادة السياسيين الأوروبيين أكثر إدراكاً وأكثر صراحة على الأقل فيما بينهم بأن هذه الحرب الأميركية الامبريالية التي شنتها واشنطن على روسيا، لم تستخدم فيها أوكرانيا فقط، بل كل من جرته معها إلى هذه الحرب من الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا وبولندا، ولاسيما بعد أن تبين أنهم الذين يدفعون ثمن حرب لم يخوضوها بجيوشهم ولكنهم دفعوا ثمنها باهظاً قبل استخدام تلك الجيوش، ولا شك أن ثمن اشتراكهم بها بجيوشهم مباشرة ستفرض عليهم دفع أضعافاً هائلة من الأثمان على حين لم تدفع الولايات المتحدة أي ثمن يذكر بالمقارنة مع أرباح حققتها على حساب الدول الأوروبية وما باعتهم خلال الحرب من أسلحة وما سوف توظفه من استثمارات جديدة بدولارها الذي تحمله أينما تريد.
السؤال الذي يطرح نفسه حول ما كشفته علناً رئيسة الاتحاد الأوروبي أن هذه السيدة لم يزلَّ لسانها في الكشف عن هذه الأرقام، بل هي أدركت أن الأوروبيين حين يصغون لبيانات زيلينسكي عن انتصارات وهمية وخسائر بشرية قليلة جداً، قد يظن معظمهم أن استمرار الحرب أصبح لمصلحته ومصلحتهم، وهي ليست أبداً بموجب ما تعرفه قيادة الاتحاد، ليست لمصلة زيلينسكي ولا أوروبا، فقررت عرض هذه الحقيقة بخطاب أمام الناس ونشرتها في موقعها، ثم جرى لأسباب توفيقية مع زيلينسكي شطب ما ذكرته، لكن بعد أن قرأ الكثيرون ما أعلنت عنه لأنها في الواقع لم تصدر بياناً يبرر شطب ما ذكرته.
ومع ذلك لن يكون من المستبعد في أغلب الاحتمالات أن يدفع قادة أوروبا الذين اشتدت حماستهم بالاصطفاف إلى جانب واشنطن في هذه الحرب ضد روسيا، ثمناً آخر هو سقوط عدد منهم بعد اعتمادهم على زيلينسكي وعلى الرئيس الأميركي جو بايدين، وبعد أن تبين مما كشفته فون ديرلاين أنهم كانوا يعرفون حقيقة هذه الهزيمة منذ وقت، ولكنهم استمروا بإخفائها على أمل أن يتغير الوضع الحربي لمصلحتهم في أوكرانيا كلما طالت الحرب، ولكن دون جدوى، فقد تبين أن استمرار حربهم لمدى أطول سيكلفهم ثمنا أكبر مما دفعوا حتى الآن بمراهنتهم على مهرج ظنوا أنه سيتقن دور القائد الحربي أمام روسيا، فظهر أنه ما زال مهرجاً حتى حين لبس دور رئيس أوكرانيا، ولذلك لم يتمكن من كتب له السيناريو والمنتج والمخرج وهم الذين اختاروه لهذا الدور، من تحويله إلى ما يقنع الجمهور بدوره الجديد.