مسار جنيف
الوطن: سيدي الرئيس، أنتقل إلى مسار جنيف والمصالحات، اليوم هل نستطيع القول إن العملية السياسية دخلت في سبات حتى وصول إدارة أميركية جديدة؟
إذا قلنا إنها دخلت في سبات فهذا يعني أنها كانت على قيد الحياة، هي لم تكن كذلك، فهي منذ البداية لم تُبنَ على أسس واضحة، العملية السياسية ليست حواراً سورياً سورياً بحسب ما بُنيت عليه. ولم يكن بيان جنيف بياناً سورياً بل كان بياناً دولياً أممياً، لم تُبنَ على مكافحة الإرهاب، على العكس، كان واضحاً لنا أن هذه العملية لم تكن سوى وسيلة لكي يحقق الإرهابيون ما لم يتمكنوا من تحقيقه في الميدان، هي لم تُبنَ على مفاوضات بين سوريين وطنيين وإنما بين سوري وطني وسوري عميل.. كل ما سبق جعل من العملية مولوداً ميتاً منذ البداية.
الوطن: إذاً لماذا شاركنا؟
شاركنا فيها لكي نسد الذرائع ولكي نثبت للجميع بأن الدول التي تتحدث عن حل سياسي – الغرب تحديداً – هو غير صادق، نحن نعرف اللعبة، وشاركنا فيها لفضحها، خاصة لمن كان يعتقد أن هناك أفقاً لحل عبرها، أيضاً بالنسبة لبعض الدول الصديقة التي كانت تشك في البداية بأن لدينا رغبة بالحل العسكري – كما يقولون بحسب المصطلحات المستخدمة – وأن هذه الدول الداعمة للإرهاب وبمجرد دخولنا بهذه العملية السياسية فهي ستتوقف عن دعم الإرهاب، كان هناك قناعات من هذا النوع، مشاركتنا في هذه العملية بكل مبادراتها المختلفة – وكلها كانت سيئة اتجاه مصلحة الشعب السوري – أثبتت بأن هذا الكلام غير صحيح.
المعارضة
الوطن: لنتحدث عن المعارضة قليلاً، قلتم إنهم عملاء يعملون لمصلحة دول، من المعارضة التي ترونها مقبولة لتجلس على الطاولة ونصل إلى حلول سياسية؟
ليست كل معارضة هي عميلة، وإنما كنا نتحدث تحديداً عن المعارضة التي كُلفت الحوار مع سورية من تلك الدول، هذه هي المعارضة العميلة، هذا كلام غير قابل للنقاش بالنسبة لنا وأعتقد أن أغلب الشعب السوري يعرف هذا الكلام.
المعارضة لها تعريف واضح، أولاً معارضة سياسية لا تحمل سلاحاً، ولا تدعم إرهابيين، قواعدها – إذا كان لها قواعد – سوريّة من الشعب السوري، لا تعمل من أجل أجندات أجنبية، فإذاً أي معارضة من هذا النوع نحن نقبل بها.. أما بهذه الأزمة فأن نقول هناك معارضة يجب أن نتواصل معها فهذا يعتمد أيضاً على وزن هذه المعارضة وتأثيرها في الأزمة، يعني أن نجلس مع معارض فقط لأنه معارض وأن نتناقش حول كيفية حل الأزمة وهو ليس له تأثير، هذا إضاعة للوقت.. أما إذا أردنا أن نتحدث عن تصوّر لسورية المستقبل فنحن نجلس مع كلّ المعارضة ومع كلّ الأطياف السورية ليس فقط المعارضة. الحوار السياسي لا ينحصر بين الدولة والمعارضة هناك أطياف في الوسط وهناك تيارات مختلفة في المجتمع السوري ليس بالضرورة أن تكون تيارات سياسية وحزبية تشارك أيضاً بالعملية، فنتحاور مع الجميع حسب الموضوع.
الوطن: لكن هناك منصّات مختلفة: منصّة موسكو، منصّة دمشق، منصّة القاهرة، أي منهم ترونها مقبولة؟
كلّ منصّة لا تدعم الإرهابيين، ولا ترتبط بالدول نتحاور معها، أما ما هي نتيجة الحوار، كيف يستمر هذا الحوار، وما نتيجته فهذا يعتمد على قدرة هذه المنصّات والأفكار التي تحملها.
المصالحات
الوطن: هناك مصالحة يقوم بها الجانب الروسي داخل سورية، وآخر رقم أعلنته حميميم ربما تجاوز ألف قرية وبلدة وقّعوا على المصالحة مع الدولة السورية، ومؤخراً كان هناك داريا والمعضمية، وأمس الأول الكسوة وقبلها قدسيا والوعر، كل هذه المصالحات تغني عن حوار جنيف، أم إنه مسار مختلف كلياً؟
صحيح هو مسار مختلف، وهو حل حقيقي وعملي، فيه سلبيات وفيه إيجابيات، ولكن هو الحل الوحيد المتاح بالتوازي مع ضرب الإرهابيين، وأثبت نجاعته خلال السنتين أو ثلاث السنوات الماضية وبدأ يتسارع.. وهو حلّ حمى المدنيين، حمى البنية التحتية ضمن الممكن أو لنقل أوقف المزيد من تدمير البنية التحتية، فتح المجال لكثير من المسلحين للتحول والعودة إلى حضن الدولة، فماذا نريد أكثر من ذلك؟ الحل السياسي ليس بالبيانات والمصطلحات البراقة، هو الواقع الذي يعيشه المواطن، وإذا كانت هذه المصالحات حسّنت واقع المواطنين فيعني أنها جيدة.
الوطن: لكن هناك انتقادات من الشارع السوري حول هذه المصالحات، ليس كل الناس توافق على خروج إرهابيين أو قتلة من مناطق محددة وكأن شيئاً لم يحصل؟
صحيح، عندما يكون هناك دماء يكون هناك استقطاب شديد في المجتمعات، الحالة الوسط تصبح غائبة تقريباً، وأستطيع أن أقول إن الأغلبية مع هذا الموضوع، لكن لنكن واضحين: إن من له اليد العليا في معارضة مثل هذا الموضوع إذا كان معارضاً هو إما المقاتل الذي يقف على الجبهة ويعرّض نفسه وحياته للخطر والموت، وإما الجريح وعائلات الجرحى وعائلات الشهداء وعائلات المقاتلين الذين يرسلون أبناءهم للقتال، وليس بعض المنظّرين الذين يحبون الدردشة العامة في المقاهي ولا الذين يريدون أن يحاربوا الإرهابيين من خلف شاشات الكمبيوتر، من ثم أنا أقول بالنسبة للجيش والقوات المسلحة والمقاتلين وعائلاتهم، هم يشعرون بالراحة تجاه المصالحات لأنها لا تحمل فقط حماية للبلاد، وإنما في جانب منها هي حماية لأبنائهم.
الوطن: البعض اتهم الدولة السورية بأنها تسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي وبدأ هذا الطرح مع تحرير داريا، ويتكرر الآن حول كفريا والفوعة والزبداني ومضايا، كيف تنظر الدولة إلى هذه الاتهامات؟ هل تأخذونها على محمل الجد؟
هذا امتداد للحملة التي بدأت في بداية الحرب، وبداية الحملة الطائفية، وعندما أخفقوا بإيجاد شرخ كبير في المجتمع كما كان متوقعاً، بدؤوا بطرح مفاهيم أخرى، فالتغيير الديموغرافي يأتي في إطار الصراع الطائفي نفسه، عملياً لو أردنا أن ننظر من بعيد، ليس كمواطنين سوريين وإنما كأشخاص ينظرون من خارج سورية لهذا الموضوع، ونفكر بشكل حيادي، يجب أن نقول: ما الأدوات التي ستستخدمها الدولة السورية للقيام بهذا التبديل الديموغرافي؟ هذه المناطق هي مناطق منظّمة وليست مناطق مخالفات ومن ثم هناك ملكيات لمواطنين سوريين، ولو أرادت الدولة أن تغيّر ديموغرافياً فعليها أولاً أن تقوم بالاستملاك، لكي يمكنها لاحقاً بنقل هذه الملكيات لأشخاص آخرين، من دون هذه الآلية لا يمكن أن يُطبّق هذا الشيء، وهذا ما لم يحصل، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن تهجير هؤلاء الأشخاص حصل عندما دخل الإرهابيون وليس عندما دخل الجيش… عندما دخل الجيش خرج جزء بسيط، معظمه من عائلات الإرهابيين، وهذه العائلات تعيش الآن في كنف الدولة وليس في كنف الإرهابيين. هذا من جانب، من جانب آخر: ما مصلحة الدولة بأن تقوم بمثل هذا التبديل الديموغرافي المزعوم؟ الاستقرار في سورية هو بالدرجة الأولى استقرار اجتماعي ينعكس استقراراً أمنياً وسياسياً، أنا أتحدث عن استقرار عمره عقود وهو تراكم لاستقرار عمره قرون مبني على علاقة اجتماعية، بنية اجتماعية، تركيبة اجتماعية عمرها قرون، اللعب بهذه البنية الاجتماعية بشكل أو بآخر، يعني نسفاً لهذا الاستقرار، فإذا افترضنا جدلاً أن هذه الدولة لا تسعى إلى المصلحة الوطنية وتنظر فقط لمصالحها الخاصة فهي ليس لها مصلحة في ضرب هذا الاستقرار، بل على العكس هي تسعى إلى تعزيزه لأن ذلك يضمن استمراريتها إن كان كدولة أو كحزب أو كحكومة، فكيف إذا كانت هذه الدولة بالأساس هي دولة تسعى إلى المصلحة الوطنية وتسعى إلى استقلال القرار الوطني، فهي بكل تأكيد بحاجة، وبشكل كبير، للحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي ذكرتُه، والذي تكوّن عبر قرون، لذلك علينا ألا نضيع وقتنا في هذه المصطلحات، فهي أساساً لم تلقَ آذاناً مصغية من المجتمع السوري، وإن تأثرت بها مجموعات بسيطة ولأيام قليلة.
المخطوفون والمعتقلون
الوطن: سيادة الرئيس لا يزال هناك الكثير من المختطفين والمعتقلين لدى الفصائل الإرهابية والمسلحة، دائماً هذه الفصائل تروج مقولة إن الدولة لا تهتم بهم ولا تسأل وهي تهتم أكثر بالمختطف الإيراني، على سبيل المثال، ما الإستراتيجية التي تتبعها الدولة للإفراج عن السوريين؟ وهل هناك فعلاً أي تقصير اتجاههم؟
لا، على الإطلاق في كل مصالحة حصلت كان موضوع المخطوفين هو الأساس والدليل المصالحة الأخيرة في خان الشيح وخروج المسلحين إلى خارج المنطقة، تم تحرير نحو 25 مختطفاً، هذا الموضوع أساسي وهذه أولوية لنا لأنها مشكلة اجتماعية وإنسانية كبيرة، لا يمكن للدولة أن تتغاضى عنها، لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن نغضّ النظر عنها لأن تأثيراتها نراها في كل مكان.. لذلك نحن نعمل بشكل مستمر على البحث عن مفقودين أو مخطوفين، مفقودين لا نعرف عنهم شيء، أو مخطوفين نعرف مكانهم ونبحث عن آليات أو أقنية للتواصل مع الإرهابيين من أجل تحريرهم ونحن مرنون جداً بهذا الملف حرصاً على عودة المخطوفين أحياء إلى عائلاتهم.
الوطن: طوال فترة الاختطاف أو الفقدان هل الرواتب لا تزال مستمرة للمقاتلين، وخاصة أن العديد منهم معيل لعائلته؟
طبعاً، قانوناً هي مستمرة، طبعاً المخطوف غير المفقود، المخطوف هو حالة نعلم بأن هذا الشخص هو على قيد الحياة، أما بالنسبة للمفقود فهو غير معروف إن كان حيّاً أم ميتاً، وهناك إجراءات خاصة بالمفقودين تتعلق برواتبهم والمدة التي يبقى اعتبارهم أحياء فيها.
منتدى وطني في دمشق
الوطن: هناك حديث عن إقامة منتدى وطني وحوار في دمشق وإقامة منصّة دمشق يشارك فيه معارضون من الداخل والخارج، هل أنتم مع إقامة هذا المنتدى في دمشق؟
أي شخص سوري يريد أن يأتي إلى سورية، يخضع للقانون السوري، إذا كان عليه ارتكابات فهو خاضع للقانون السوري، فأن نضمن سلامته شيء، وأن نجعله فوق القانون شيء آخر، فضمان السلامة له معان عدة: إذا كان المقصود بأن الدولة ستعتقل شخص لم يخرق القانون فهذا كلام غير صحيح، بكل تأكيد الدولة لن تعتقله وبهذا المعنى ستضمن أمانه وسلامته.
الوطن: هم يريدون نوع من الحصانة؟
لا حصانة من القانون هناك عدم اعتقال لأي شخص لم يخرق القانون السوري.
الوطن: لكن من حيث المبدأ، أنتم مع إقامة هذا المنتدى؟
طبعاً، نحن مع الحوار كمبدأ الحوار نحن مع أي حوار بين السوريين، عندما يكون حواراً سورياً سورياً، بين سوريين لا ينتمون لأجندات خارجية ولا يدعمون الإرهاب، نحن نؤيد أي حوار بهذا المنحى.
الوطن: وإن كان في دمشق؟
في أي مكان، لا مشكلة، وحصلت حوارات سابقة لقوى معارضة لم نتدخل من يأتي ومن لا يأتي ولم نمنع دعوة معارضين من الخارج لكن الأغلبية لم تشأ القدوم لأسباب مختلفة.