الصراحة مفيدة ولكن…
غالباً ما نردد أن الصراحة جارحة، فإذا كانت الصراحة كذلك فماذا عن الجرح الذي يخلفه الكذب أو المراوغة أو الطعن في الظهر وسوى ذلك؟
إن القاعدة في الحياة أن يداري أحدنا الآخر عندما لا تقتضي مسألة قيد الحوار أو المناقشة موقف الفصل فيها. ولكن ماذا عن المسائل التي لا تحتمل أي شكل من أشكال المداراة أوالمهادنة أو حتى المسايرة؟
إن بعضاً من الناس يرون أن الصراحة سبب من أسباب فقدان شعبية ومكاسب قائلها. وربما لهؤلاء عذرهم، لأن كثيرين من الناس لا يحتملون ثقل الصراحة على كاهلهم حتى إذا استخدمت في الوقت المناسب، ومع ذلك تبقى الصراحة وجراحها في تقدير البعض، فوق كل اعتبار لأنها إذا مورست بموضوعية وشفافية وأيضاً بدبلوماسية غير مؤذية، تعبر عن احترام القائل لذاته وللمخاطب في آن.
ويحتاج الإنسان إلى الصراحة في الأزمنة الصعبة التي يتعرض لها، وخصوصاً عندما يرى البعض من مثل هذه المناسبة فرصة لحماية مصالحه على حساب المصالح العامة، سواء كان في السلطة أو خارجها، من مستوى القادر على فرض شروطه إلى مستوى البائع الذي يقسم الأيمان بأن ما يجنيه من الربح لا يتعدى واحداً أو اثنين بالمئة بينما تتخطى هذه النسبة أضعافاً مضاعفة، ودائماً تكون الحجة ارتفاع الدولار وإن تكن بضاعته لا علاقة لها بارتفاع أو انخفاض الدولار، ولكنها الحجة التي يستثمرها التاجر أو حتى سائق سيارة النقل وسوى ذلك ممن يتقنون معرفة من أين تؤكل الكتف.
في الأزمنة الصعبة يحتاج الإنسان إلى قول كلمة الصدق، وأيضاً يحتاج إلى قول كلمة صريحة حتى يلبى طلبه، وتحديداً عندما يكون بحاجة إليها على ألا تكون جارحة تحت أي حجة، ومن هنا كثيراً ما يصاب المجتمع بداء الأنانية وبأعلى درجاتها الفساد في الأخلاق قبل التشريعات بل قبل أي شيء آخر.
يقول الشاعر والكاتب الإيطالي جاكومو ليوباردي (1798- 1837): إن الصراحة مفيدة عندما نستخدمها ببراعة ونضيف إليها الإيمان.
وهنا تكمن المشكلة، بمعنى غياب الإيمان على الأغلب، فيما نعتقد، كان السبب فيما حدث.
د. اسكندر لوقا