بهدوء.. احتجاجات «الكرامة» في «حرملك» السيناتور الأميركي.. هل تكون اللامركزية هي الحل؟
بقلم: فراس عزيز ديب
تتسارعُ الأحداث على المستوى الداخلي بموازاةِ جمودٍ مرعبٍ في الحراك العربي والدولي فتحَ الباب مشرَّعاً نحو الكثير من التكهنات وصولاً إلى الخوفِ المتصاعد من المجهول بعدَ أن اقتربنا من طيِّ العام الثالث عشر للحرب، فعلياً ليس بالزمن القليل، فهل تسعفنا لعبة الرهان على الوقت؟
وقت الأزمات فإن الرهانَ على الوقت غالباً ما يكونُ ناجعاً في إفراغِ جعبةِ الطرف المعتدي ما يمنح الطرف الذي يتلقَّى الصدمات هامشاً كبيراً لإعادة لملمةِ الصفوف، في الحالة السورية وإن كنا متفقين على فكرة أننا في وقت تقتلنا فيهِ المجاملات أو مساحيق التجميل التي تجمِّل حراكاً هنا بسبب ما يسمى «خصوصية هذه المنطقة أو تلك» أو تعاطياً حكومياً هناك بسبب السعي لامتصاصِ الغضب الشعبي لا تأجيجه، فإن فكرةَ الرهان على الوقت إن وجدت، بدأت تأخذُ شكلَ السلاح ذي الحدين، والسبب هنا واضح وصريح لأننا عملياً لا نخوض حرباً تقليدية، لا نواجهُ عدواً واحداً، لا نحاربُ على جبهةٍ واحدة، الأهم من ذلك أننا لا نتعاطى في النطاقِ الداخلي مع أطراف متِّحدة على المصير كما هو حال معظم شعوب دول العالم لكنها مختلفة على إدارة البلاد، للأسف نحن نتعاطى مع مفاهيم متناقضة حتى في النظرةِ إلى العدو، حتى في استيعابِ العلمانية وقبول الآخر لدرجةٍ كنا نسخرُ فيها من حركةٍ يسارية قاتلت تحت راية الإخوان المجرمين يوماً ما فوصلنا اليوم إلى جهةٍ يُعتد بعلمانيتها باتت تدعو للجهاد لوقفِ ما يسمى «المد المذهبي»، هل سينصفنا التاريخ عندما يدرك بعض من كان يهاجمنا عندما نقول إن فصل الدين عن الدولة في هذا البلد هو أول نقاط الحل على المستوى الداخلي؟
مع كل هذهِ التناقضات التي لا تتسع لها سطور هذه الزاوية فإن لعبة الوقت باتت خطيرة وتهدِّد سلامةَ المجتمع وسلامة الأراضي السورية، والتعاطي معها بالكثير من الصبر والهدوء سيعني حكماً «شرقَ فراتٍ آخر»، مع فارقٍ بسيط هنا أن المولود المسخ الجديد سيكون مفتوحاً على ممراتِ دعمٍ وإسناد إسرائيلية مباشرة، لم يعد بإمكانِ أحد إخفاء هذه التفصيلة ولا تجميلها، حتى من يعترض ليقول إن الأغلبية العظمى من المدينة ليست مع هذا الخيار، سنقول له حكماً نثق بكلامك وبكلامهم لكن أينَ هم؟ ترك الساحات بهذهِ البساطة لشرذمةٍ تدعو مباشرة للتقسيم والانفصال برضى إسرائيلي ومباركة أميركية هو أشبه بالموت البطيء، نحن لا نتحدث هنا عن مشكلة بين عشيرتين ولا عائلتين لنترك المجتمع الأهلي يتعاطى مع الحلول المقترحة، نحن نتحدث عن جزء كامل من البلد يريد الانقسام أو «الاستقلال»! كخطوة أولى ومن ثم خلق كانتون مذهبي يشكِّل واجهة أمامية لفلسطين المحتلة ثانياً.
لكن على الجهةِ المقابلة لا بدَّ من رمي حجرٍ في المياهِ الراكدة تحديداً بما يتعلق بالحل السياسي في سورية الذي يجب أن يكون بأيادٍ سورية وليسَ عبرَ اتصالاتٍ مع سفيرٍ أميركي هنا أو سيناتور أميركي هناك! ولعل أحد أكثر الملفات حساسية في موضوع سورية هو ادعاء البعض برغبته في تشكيل مجالس محلية مستقلة تُدير الأوضاع كتعويضٍ عما يسميه الفشل الحكومي، بالتأكيد يبدو هذا الادعاء كلام حق يُراد به الباطل، لأننا نستطيع أن نطالب بما نريد ضمن منطق الدولة وليس ضمن منطق الفوضى تحديداً عندما تكون هذه المجالس المفترضة قادرة على تأمين كل الاحتياجات بما فيها «مناسف» لمتظاهري ثورة الجياع! فبدلَ الحديث عن مجالس إدارة ذاتية لنتحدث عن قانون الإدارة المحلية كتسمية أو شكل إدارة المناطق كتوصيف، هذا الموضوع يبدو حساساً نوعاً ما لكن فكرةَ الوصول إلى صيغةٍ مشتركة مقبولة من الجميع لن تكون صعبة، لكن مشكلتهم بأنهم يتربصون خلفَ ما تمليهِ عليهم الأجندات الخارجية ومن ثم يعودون لمعزوفة «النظام لا يريد حلاً»، مشكلتهم ادّعاء الحديث باسم الشعب السوري ولا ندري من وكَّلهم ومن ثم تراهم يقدِّمونَ طروحات أميركية وباعترافهم، فهل تكون اللامركزية فعلياً هي الحل؟
مبدئياً دعونا نتفق بأن الأغلبية العظمى قد تجهل فعلياً مصطلح «اللامركزية الإدارية»، هناك قسم لا يستهان بهِ من المؤيد لخيار الدولة يرى فيها تقسيماً ناعماً للمناطق السورية، أما الثلة المرتهنة للأميركي أو التركي فترى فيها تحقيق حلم الانقسام عن الدولة بمنظورها السياسي لتكون بعيدة عن الرقابة أولاً ولتضمن استقلالية التعاطي مع الموارد ثانياً، لذلكَ من المفيد هنا التوضيح بأن مصطلح اللامركزية الإدارية هو شكل من أشكال إدارة المناطق يقوم على التعاون بين السلطة المركزية وسلطة محلية منتخبة، مجلس بلدي مثلاً، بحيث تقوم السلطة المركزية (وزارة- إدارة عامة) بنقل بعض من صلاحياتها إلى هذه الإدارات ليسَ تنازلاً وإنما تفويض، هذا الشكل يعطي للدولة الكثير من الحيوية في اتخاذ القرارات والتقليل من الروتين وقطع شبكات الفساد بالحدود الدنيا، اللامركزية الإدارية ليست شكلاً من أشكال التقسيم هناك من يخلط عن قصد أو من دون قصد بين الفيدرالية واللامركزية، في الوقت ذاته فإن البلديات تُنفق من خلال المداخيل الخاصة بكل بلدية التي تأتي من خلال ضرائب الملكية السنوية والنظافة والتراخيص وغيرها ولا تحتاج في المشاريع الصغيرة لموافقة «المركز»، هذا النظام متَّبع في الكثيرِ من الدول كفرنسا مثلاً التي تُعتبر رمزاً للدولة اللامركزية رغمَ ما تعانيهِ من بيروقراطية، على الجهةِ المقابلة لا يمكن اعتبار اللامركزية شكلاً من أشكال الخروج عن الدولة أو الاستقلال عنها كما يهلوس البعض، فالمنطقة أو الناحية أياً كانت الجهة التي فازت بقيادتها كمثال تكتل حزب البعث الحاكم أو تكتل معارض آخر فإنها تخضع لقوانين الدولة وليست لها قوانين خاصة، أو علم خاص ومحاكم على هواها، نستثني هنا بعض التعليمات المحلية التي يتم فيها التعاطي مع خصوصيةِ كل منطقة كمثل ساعات الإغلاق للفعاليات التجارية أو قيمة الضرائب أو المخططات التنظيمية وغيرها، هذا التطبيق الفعلي لا يعني فقط تجسيد حقيقي لمفهوم الديمقراطية فحسب ومشاركة المواطنين فعلياً باختيار ومعاقبة من يدير شؤونهم لكنها تضمن الكثير من العدالة في انفاق التحصيلات الضريبية وتوزيعها.
ختاماً، قد تكون اللامركزية فعلياً سبباً لإعادة تقسيم بعض المحافظات، لكنَّ هذا التقسيم الذي نتحدث عنه ليسَ كما يراهُ من يخاف التقسيم أو ذاكَ الذي يروج له، هذا التقسيم سيكون لأهداف إدارية يُبعد عن كاهل المحافظات الكبرى عبئاً إدارياً ومالياً ويتيح لأطراف هذه المحافظات بعضاً من الحيوية في اتخاذ القرارات، ولكي تتضح الصورة مثلاً تعالوا لنتخيل بأن مدينة تدمر بصحرائها الشاسعة المترامية الأطراف تتبع لمحافظة حمص! هذا التوزيع في المسؤوليات يساعد المناطق الأقل نمواً على أخذ الفرصة بتحقيق هذا النمو بالموارد الذاتية أو المركزية بما يتعلق بالمشاريع الكبرى كالمدن الصناعية والطرقات السريعة، كل هذا الكلام مرتبط فقط بالتوزيع الإداري، ما المانع أن يكون لدينا عشرون محافظة مثلاً؟ لا شيء يمنع ما دام الهدف يخدم الجميع ليصبح السؤال الآن: ما الذي يلزمنا لتحقيق اللامركزية؟
دعونا نعترف بأننا امتلكنا الكثير من القوانين التي شدَّدت على فكرةِ اللامركزية الإدارية لكن كالعادة فإنها قوانين ضاعت بين الأدراج والتطبيق، على هذا الأساس فإن اللامركزية يجب أن تكون سلة متكاملة، تبدأ قبلَ كل شيء بقانون إدارة محلية عصري يُراعى فيهِ الكثير من النقاط أهمها آلية انتخاب أعضاء المجالس المحلية لأننا عشنا سنوات طويلة من آليةِ انتخاب كرَّرت نفسها حتى باتت مملة لدرجة يمكننا أن نقول إن فشلها كانَ له دور غير مباشر بحالةِ الغضب الشعبي المتزايدة، تُرى هل نملك إحصائية ما لعدد المراسيم التي صدرت في الأعوام الأخيرة تم بموجبها إنهاء مهام بعض المجالس المحلية لأسباب كثيرة أهمها الفساد وضعف الأداء؟ ثم تمر عبرَ إعادة توزيع المناطق والنواحي والمدن والمحافظات وصولاً إلى تشكيل هيئة مراقبة مستقلة تتعاطى رقمياً معَ ما يردها من شكاوى واستفسارات، القضية ليست معقدة لكن التعقيد سيزداد كلما مر الوقت ومازالت المياه راكدة، عندها لن ينتج عنها إلا ديدان تعتاش على فساد هذه المياه لتخرج وتحدثنا عن «إدارة ذاتية» وتقسيم، ولمن سينزعج من توصيفات كهذه كما انزعج من الزاوية قبل أسبوعين سأقول له باختصار أنا أمتلك الجرأة لأقدم رؤيتي لحلٍّ ما عندما أستشعر الخطر على بلدي بمعزل إن تم الأخذ بها من عدمه لكني أقوم بواجبي تحت سقف هذه الدولة لأن كرامتك وكرامتي من كرامة هذه الدولة، وبمعنى أدق: الكرامة ليست مصطلحاً نهتف بهِ صباحاً وفي المساء نجالس هاتفياً سيناتوراً أميركياً يدافع عن قانون قيصر الذي يمتص دماء هذا الشعب!