خبير: مطلوب اتفاقيات للتعامل بغير الدولار لمواجهة العقوبات الأميركية
الحرب الاقتصادية اليوم هي العنوان الأبرز لوصف المرحلة التي دخلتها الحرب على سورية، بعد ثماني سنوات، حرب تقليدية، وغير تقليدية، ولعل «السلاح» الأبرز في هذه الحرب اليوم هو تشديد وتوسيع
مروحة «العقوبات الاقتصادية» الأحادية الجانب، لذا أصدر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديد استهدفت رجال أعمال سوريين يعملون في مجالات العقارات والتجارة، وهناك محاولات لتمرير مشروع قانون «قيصر» في أميركا لتشديد الحصار الاقتصادي على سورية، ساهمت بتقليص التوريدات من المواد الأساسية إلى سورية، فحدث نقص كبير فيها، وسط ارتباك في الشارع السوري لانخفاض مستوى الخدمات والمواد الرئيسة.. أمام هذا الواقع؛ طرحت «الوطن» العديد من التساؤلات على الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال الدكتور نبيل سكر في محاولة للتعرف على آثار تلك المستجدات وتقييم التعاطي الحكومة معها، في محاولة لاستخلاص الطريقة المطلوبة للتعامل معها.. فكان الحوار التالي:
أصدر الاتحاد الأوروبي مؤخراً حزمة عقوبات جديدة شملت قائمة من رجال الأعمال العاملين في شتى المجالات وخاصة العقارات والاستيراد، فكيف تقرؤون أسباب ذلك بالترافق مع تحرك جديد نحو سورية بدأته الإمارات العربية المتحدة للتعاون الاقتصادي والمساهمة في الاستثمار وإعادة الإعمار؟ وكيف تقيمون آثاره في الاقتصاد السوري بشكل عام وفي قطاع الأعمال بشكل خاص؟
تضمنت عقوبات الاتحاد الأوروبي هذه تجميد أصول عدد من رجال الأعمال السوريين ومؤسساتهم في المصارف الأوروبية (إن وجدت) ومنعهم من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهم 11 فرداً و4 مؤسسات عائدة لهم حصلت على عقود من الحكومة في مشروعات عقارية وتجارية، وخاصة في مشروع خلف الرازي وفي مجال توريد الأقماح والزيوت ومواد غذائية أخرى، ولا أعتقد أن لهذه العقوبات أثراً كبيراً في الاقتصاد الوطني أو في قطاع الأعمال، فهناك آخرون في قطاع الأعمال يمكن منحهم فرصاً للدخول في هذه النشاطات من خلال مناقصات شفافة تجريها الدولة، كما لا أعتقد أن المقصود من خطوة الاتحاد الأوروبي هذه التأثير في توجه الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى للتقارب مع سورية، ولكن المقصود منها معاقبة أفراد مقربين من الحكومة على غرار العقوبات السابقة للضغط على الحكومة.
ولكن ترافقت العقوبات الأوروبية هذه بتمرير قانون في الولايات المتحدة الأميركية لفرض عقوبات موسعة على سورية «قانون قيصر» تستهدف كل من يتعامل مع السوريين اقتصادياً وسياسياً، كيف تقرؤون أسباب ذلك وآثاره في الاقتصاد وقطاع الأعمال في سورية؟
أولاً قانون قيصر لم يتم إقراره بعد، وقد مر في مجلس النواب ولم يمر في مجلس الشيوخ بعد، ولم يصدره الرئيس الأميركي. لكن هذا القانون إذا صدر، ومدته عشر سنوات، سيكون له تأثير كبير في الاقتصاد الوطني أكثر من أي قوانين عقابية سابقة. فقوانين العقوبات الأميركية والأوروبية السابقة شملت مؤسسات حكومية وأفراداً في الحكومة وآخرين مقربين منها، أما «قانون قيصر» فهو يضيف إلى العقوبات الحالية عقوبات على المتعاملين مع الحكومة السورية حيث يتضمن القانون إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية إنزال عقوبات على من يقدم سلعاً أو خدمات مالية وغير مالية إلى الحكومة السورية ومؤسساتها، بما فيها مصرف سورية المركزي، أياً من كانت هذه الدول وجنسيات الأفراد والمؤسسات ونوعيات عملهم، سواء كانوا صناعيين أم تجاراً أو مقاولين أو مستثمرين، وخاصة إذا كانوا إيرانيين وروساً كما يحدد القانون. أما العقوبات فهي من نوع جديد، وتتضمن الحظر على التصرف بالممتلكات العقارية وغير العقارية لهؤلاء الأفراد والمؤسسات في الولايات المتحدة (وليس مصادرتها) إذا تم التعامل مع سورية في حالات حددها القانون، وكذلك الحظر على سفر هؤلاء الأفراد إلى الولايات المتحدة، ولا يشمل القانون مشاريع القطاع الخاص غير المتعاملة مع الدولة.
أما الحالات التي شملها القانون فهي تقديم السلع والخدمات في مجال عملية إعادة الإعمار، وفي مجال الإنتاج في قطاعي النفط والغاز في الداخل السوري وإمدادات النفط والغاز إلى سورية من الخارج. وفي مجال النقل الجوي وقطاع الاتصالات، إضافة إلى تطبيق العقوبات على كل من يتعامل مع الأشخاص والمؤسسات المعاقبة سابقاً من قبل الولايات المتحدة وكل من يقدم التمويل لهؤلاء الأشخاص والمؤسسات، وهذا يطول الداخل المصرفي.
ما غايات مشروع قيصر في رأيكم وما آثاره على الاقتصاد الوطني؟
قانون قيصر له استهدافات سياسية أراد المشرّع الأميركي الوصول إليها من خلال الضغوطات الاقتصادية التي ذكرناها، أما الأهداف السياسية، كما أراها، فهي أولاً منع الحكومة السورية من الاستفراد بالحل السياسي وحدها، أي دون اتفاق مع المعارضة والجهات الخارجية الداعمة لها، وثانياً دخول الولايات المتحدة في عملية التفاوض للحل السياسي، حتى وإن انسحبت عسكرياً من سورية، فالقانون يتيح للرئيس الأميركي تعليق العقوبات التي يختارها خلال عملية التفاوض للتأثير على مجراها ومكوناتها، ولتحقيق هاتين الغايتين السياسيتين يسعى القانون إلى الضغط على الحكومة من خلال إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية اتخاذ إجراءات الضغط الاقتصادي متعددة الجوانب وبالغة التأثير التي ذكرناها.
وأعتقد أن الأطراف العامة والخاصة التي شملها القانون في مختلف الدول البعيدة والقريبة ستضطر للامتثال للإجراءات التي يمكن أن يتخذها الرئيس الأميركي رغم عدم شرعيتها الدولية، تحاشياً للعقوبات من قبل دولة مثل الولايات المتحدة التي لازالت تهيمن على العالم سياسياً واقتصادياً رغم صعود قوى أخرى منافسة لها.
كيف يمكن احتواء آثار استهدافات القانون وعقوباته وما نصائحكم للحكومة؟
يجب التذكير أولاً أن أي إجراء يتخذه الرئيس الأميركي في ظل القانون لن تبدأ آثاره قبل نهاية هذا العام الجاري أو بداية العام القادم. فإذا افترضنا موافقة مجلس الشيوخ على القانون وإصداره من قبل الرئيس الأميركي في أواخر الشهر الحالي أو أوائل شهر آذار المقبل، وفي حال رغبة الرئيس الأميركي اتخاذ أي إجراء ضمن القانون، فهناك العديد من الإجراءات المحددة في القانون للتحقيق ثم التنفيذ، مما سيأخذ وقتاً، وبالتالي لن يكون أثر لأي إجراء قبل نهاية العام على الأرجح.
أما بالنسبة لما يمكن عمله من قبلنا لاحتواء آثار القانون فأعتقد أن علينا مواجهة القانون بجدية وبحكمة وبتعقل، وذلك من خلال عمل سياسي ودبلوماسي من جهة وعمل اقتصادي وتمكيني من جهة أخرى، بعيداً عن الكلام الحماسي.
بالنسبة للشق السياسي أعتقد أولاً بضرورة إنضاج المحور السياسي من «البرنامج الوطني التنموي» الذي تعده الحكومة والذي يتضمن، كما تقول الحكومة، خمسة محاور هي: المؤسسي والخدمي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك لكي نسد الطريق على ما يمكن أن يتخذه الرئيس الأميركي من إجراءات ولإعطاء أسباب لمن لا يريد الالتزام ببعضها، وقد قرأنا في الصحف بعض محتويات المحاور الأربعة الأولى التي يتضمنها البرنامج، ولكننا لم نقرأ شيئاً عن المحور السياسي، وهنا تستطيع الحكومة إدراج بعض الإجراءات تحت بنود التعددية السياسية وسيادة القانون والحكم الرشيد ومكافحة الفساد وإصلاح القضاء وغيرها كجزء من برنامجها هي، وليس تنازلاً لضغط العقوبات عليها وعلى المتعاملين معها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك حاجة للإسراع بالوصول إلى اتفاق مع الأكراد لتسريع استعادة السيطرة على المنطقة الشرقية من البلاد وهي المنطقة الغنية بالنفط والغاز وموارد الغذاء.
أما اقتصادياً، وإضافة لما تعده الحكومة من إجراءات يمكن طلب الحكومة من الدول الصديقة التي ساعدتنا خلال الأزمة والتي فتحنا قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة لاستثماراتها ولمقاوليها، الطلب منها الاتفاق على فتح أسواقها لمنتجاتنا الصناعية والزراعية من دون رسوم جمركية ومن دون معاملتنا لها بالمثل، على غرار الاتفاق الذي تم بيننا وبين الاتحاد الأوروبي في العام 1977، وكذلك الإسراع بعقد اتفاقيات للتعامل بغير الدولار مع إيران وروسيا والصين والهند وغيرها من الدول على غرار ما بدأت تعتمده روسيا وإيران في مواجهة العقوبات الأميركية عليها.
كيف تقيمون خطة الحكومة للتعامل مع اشتداد الحصار الاقتصادي؟
أعتقد أن خطة الحكومة وتوجهاتها والتي سمعنا عنها جيدة من حيث المبدأ، وهي محصورة بالشق الاقتصادي وتقع تحت عنوان الاعتماد على الذات، بما فيه تحفيز الإنتاج الصناعي والزراعي وإحلال الواردات وترشيد استهلاك الوقود وغيرها، وهي إجراءات تقليدية وطويلة الأمد ولازلنا نسمعها منذ أربعين سنة، المهم التنفيذ، ولم نقرأ عن خطط تنفيذية كل إجراء وكيفية تمويله وتنفيذه ودور كل من القطاع العام والخاص في ذلك، وكيف ستتم متابعته؟
نحن بحاجة لبلورة كل هذا وبحاجة لإجراءات قصيرة الأجل وسريعة الأثر، وبحاجة للإبداع في كل الإجراءات والحلول، وبحاجة لإدخال التكنولوجيا الجديدة في كل نشاط، ليس فقط لمواجهة الحصار الاقتصادي ولكن لإعادة بناء الوطن وما حل فيه من دمار للبنى التحتية والإنتاجية والاجتماعية، وهناك العديد من الدول التي خلقت من أزماتها في الداخل وحصارها من الخارج فرصاً للإبداع والنهوض بمشاركة الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني فيها، ولكننا لم نر هذا في سورية بعد.
الوطن