بدأت زوبعة «الكيميائي»، التي أثارتها واشنطن، تتلاشى سريعاً قبل أن تترك أي أثر، واضطرت الولايات المتحدة إلى التراجع وحفظ ماء وجهها، بعد التأكيدات الروسية والإيرانية بالرد على أي هجوم أميركي، في حين قابلت سورية عواصف التهديدات الغربية باللا مبالاة وعدم اكتراث واضحين.
ولم يمض سوى يومين منذ استنفرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاءها الغربيين والإعلام الدولي، زاعمةً أن الجيش السوري يستعد لشن «هجوم كيميائي جديد»، مهددةً «بثمن باهظ ستدفعه سورية»، حتى تعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برد مناسب ومكافئ إذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءات استباقية ضد قوات الحكومة السورية، وفي مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني، أعرب لافروف عن أمله إلا تستخدم أميركا مزاعمها بخصوص تخطيط سورية لهجوم كيميائي «ذريعة لأعمال استفزازية» ضد الجيش السوري.
بدورها وصفت الخارجية الروسية المزاعم الأميركية بـ«الدعوة الموجهة» إلى «الإرهابيين» تحثهم على «فبركة» هجوم سلاح كيميائي، وحذرت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا واشنطن من أي عمليات مستقبلية متهورة على غرار الهجوم على مطار الشعيرات.
من جهتها، حذرت طهران أميركا من «اللعب بالنار»، مشيرةً إلى «رد مقابل»، وقال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني: «لا شك أن التصرفات الحمقاء والمغامرات الأميركية في سورية هي بمثابة لعب بالنار»، وأضاف في تصريح نقلته وكالة «سانا» للأنباء: أن «الميدان السوري ومجرياته كفيل بإنهاء استمرار العدوان الأميركي الأحادي على سورية، والإفلات من تلقي الرد المقابل وتغيير هذه المعادلة».
وفيما بدا أنه نزول أميركي عن شجرة التصعيد بذريعة الكيميائي، اعتبر وزير الدفاع جيمس ماتيس أن سورية «استجابت لتحذير واشنطن»، وقال للصحفيين المسافرين معه إلى بروكسل لحضور اجتماع لوزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي: «يبدو أنهم أخذوا التحذير على محمل الجد، لم يفعلوه»، ولم تكشف الولايات المتحدة عن مصادر معلوماتها بخصوص تحضيرات الهجوم الذي زعمت أنها رصدتها في مطار الشعيرات الذي تعرض لاعتداء أميركي في نيسان الماضي على خلفية مزاعم مشابهة.
وتبدو المؤسسة العسكرية الأميركية مركزة فقط على «المواجهة المفتوحة والصعبة» مع ما تسميه «تمدداً إيرانياً» في شرق سورية وخطط طهران لربط إيران والعراق وسورية ولبنان عبر البادية الشامية، لكن الفشل هناك، جعل الأميركيين أكثر واقعية، ودفع ماتيس إلى استدراج وساطة روسية تمكنه من تحديد «قواعد اشتباك» مع حلفاء طهران في سورية والمنطقة، بغرض «ضبط» الدور الإيراني، ليتراجع عن هدفه الأساسي المتمثل في مواجهة ودحر النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، والذي سبق أن روج له خلال الشهور الماضية.
واستبعد وقوع تصعيد عسكري بين الأميركيين والقوات المدعومة من قبل إيران «إلا في حال هجوم الميليشيات الإيرانية علينا»، مبيناً أن بلاده «لا تخشى المقاومة الإيرانية في سورية لأنها لا تهاجمنا»، نبه إلى أن إيران «تدير اللعبة بلا شروط في سورية»، واستطرد مرجحاً أن روسيا «تحاول وتسعى من وقت إلى آخر إلى ممارسة الضغط على إيران للحد من نفوذها في سورية عبر المنظمات المسلحة التابعة لها».
وأوضح ماتيس قواعد الاشتباك الخاصة بالجانب الأميركي، مبيناً أن قوات التحالف الدولي الذي تقوده بلاده، ستركز في سياق عملياتها العسكرية بسورية «على مناطق تواجد العدو»، ويقصد تنظيم داعش.
كما شدد على رفض بلاده «الانجرار إلى معركة هناك في خضم ما سماها «الحرب السورية الأهلية»، مبيناً أن بلاده تسعى جاهدة لـ«وضع حد لها عبر الجهود الدبلوماسية».
الوطن