مقالات وآراء

غباء سياسي..

بقلم: وضاح عبد ربه

منذ أيام، ونحن نتابع مسلسل المقالات والتحليلات والفرضيات التي تتحدث عن خلافات سورية روسية، وعن تبدلات في المواقف والتحالفات، ونشاهد ونسمع المحللين السياسيين والإستراتيجيين، الكل يدلي بدلوه، وكأن أياً منهم يمتلك المعلومة “المؤكدة” التي تثبت وجهة نظره، فيصبح مثل المنجم الذي يعتقد أنه قادر على التنبؤ ومعرفة المستقبل!!

وفي الحديث عن العلاقات السورية الروسية التي باتت حديث الساعة، فمن الغباء السياسي “التنبؤ” بوجود أي خلاف بين موسكو ودمشق. فالعلاقة التي تربط بين البلدين وبين الزعيمين الأسد وبوتين، ليست علاقة وليدة الحرب، أو علاقة يمكن أن تشهد تباينات في المواقف وخلافات كما يحلو للبعض تسميتها.
هي علاقة إستراتيجية، عمرها عقود من الزمن، مبنية على احترام القانون الدولي والسيادة الوطنية للدول ومكافحة الإرهاب.

هي علاقة نُسجت عبر التاريخ وترجمت في العقدين الأخيرين بعدة زيارات رسمية وغير رسمية، ولقاءات بين الرئيس الأسد والقادة والمسؤولين الروس، ولعل صور استقبال السيد الرئيس في سوتشي أو صور استقبال الرئيس بوتين في دمشق خير دليل على عمق العلاقة التي تربط البلدين والقائدين، وخاصة إذا ما قارناها بصور استقبال روسيا لباقي رؤساء وقادة العالم، وكذلك استقبال دمشق لكل من يزورها.

يطول الحديث عن العلاقة التي تربط بين دمشق وموسكو، ولسنا بصدد تفنيد كل التصريحات الصادرة عن الرئيسين وكبار مسؤولي البلدين عن مواقفهم من العلاقة الإستراتيجية بين سورية وروسيا، والمصالح المشتركة التي يمكن تلخيص أهمها بالقضاء على الإرهاب، ومنع دول الغرب من التدخل بشؤون الدول عامة، ومنع الهيمنة الاقتصادية، وتأسيس تحالفات دولية جديدة تقاوم غطرسة الغرب وما تمارسه من إرهاب اقتصادي، مع ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها.

الآن ولأسباب سياسية مفضوحة، تنشط عدة دول وأحزاب وشخصيات لها مصالح مكشوفة مع أعداء سورية وروسيا، على نشر “أحاديث” عن خلاف روسي سوري، وعن تبدل في الموقف الروسي، إضافة إلى روايات هوليوودية تظهر هنا وهناك عن تدخل روسي في شؤون سورية الداخلية والاقتصادية..
ومنذ سنوات، عندما استخدمت روسيا والصين اول فيتو مزدوج لمصلحة سيادة واستقلال سورية، خرجت “جوقة” آنذاك، تشبه تلك التي تتحفنا هذه الأيام بتحليلاتها، ل”تبشرنا” أن موقف روسيا هذا لن يستمر، وعلى دمشق ألا تعول على مواقف موسكو وبكين في مجلس الأمن لكونها “عابرة”.. وتلا الفيتو الروسي الأول، ١١ فيتو آخر، وعلى الرغم من ذلك، لم يقرأ هؤلاء حقيقة العلاقة التي تربط البلدين، ليس لأنهم لا يجيدون القراءة، بل لأن دورهم المكلفين فيه هو نشر مثل هذه المقالات وتسويقها على أنها من “مصادر مؤكدة”!!
في الأيام الأخيرة، تجدد عمل هذه الجوقة، وزاد عددها قليلاً، ولقطع الطريق أمام صناع الروايات ولكي لا يذهبوا بعيداً في تخيلاتهم، وأمنياتهم، اضطر الكرملين للتذكير عدة مرات، أن موقف موسكو من دمشق ثابت ولم يتبدل، وأن كل ما ينشر هنا وهناك لا يعبّر عن الموقف الروسي الحقيقي.. ومن يتابع الحركة الدبلوماسية والعسكرية الروسية في سورية يمكنه ببساطة التأكد من أن موقف روسيا لم يتبدل بالفعل، بل يزداد صلابة، مع تصميم روسي لعودة سيطرة الدولة السورية على كامل ترابها، والقضاء على الإرهاب، ووضع خطط اقتصادية تسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري على المدى القصير والمتوسط.
بكل تأكيد ليس كل ما يعرف ينشر، وللدول حساباتها ومصالحها، وربما يبتسم الرئيسان الأسد وبوتين حين تصلهما التقارير الصحفية عما ينشر من خلافات روسية سورية، لكن المعروف والمعلن، أن لا أساس لكل هذه المقالات والتحليلات، وأن من يقف خلفها دول ومعارضات تريد الاستثمار في هذه الأنباء قبل الاستحقاقات الانتخابية السورية المرتقبة، والتشكيك بعمق العلاقة التي تربط سورية بروسيا وبين الرئيسين على الصعيد الإستراتيجي والشخصي.

وربما من المفيد التذكير، أن روسيا لم تتدخل يوماً في أي شأن داخلي سوري، بل حاربت دولاً في مجلس الأمن لمحاولاتها التدخل في الشأن الداخلي السوري، وهي تنسج علاقات دولية مبنية على الاحترام المتبادل والندية واحترام القانون الدولي، وهذا أيضاً ما تفرضه دمشق في علاقاتها مع دول العالم الحليفة أو الصديقة، وكل من حاول التدخل في شأنها الداخلي وتقديم لائحة إملاءات لتنفيذها كان مصيره الإخفاق في طموحاته للسيطرة على القرار الوطني، وبإمكان من يشكك في مواقف دمشق العودة إلى التاريخ القريب، وما قُدم لدمشق من إغراءات لقاء تنفيذ إملاءات، والتي رفضها الرئيس الأسد، لإدراكه المسبق أن العلاقات الدولية تبنى على الندية واستقلالية القرار، فهذا ما تطمح إليه الشعوب وتنتخب قادتها من أجله، لا من أجل الخنوع والاستسلام..

فرجاءً أوقفوا هذا الغباء السياسي، وأوقفوا الحديث غير الواقعي عن خلافات وغضب وكل ما يحلو لكم من مصطلحات.. فسورية وروسيا معاً في حلف لم يؤسس ليخسر، بل لينتصر في وجه كل ما يمارس من الإرهاب محلياً وإقليمياً ودولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock