لجنة لإحداث صندوق دعم الطاقات المتجددة
لم يتم تنفيذ أي مشروع من مشروعات الطاقة المشملة في سورية منذ عام 1991، وعددها 12 مشروعاً، بتكلفة استثمارية إجمالية تبلغ نحو 1796 مليار ليرة سورية، وذلك لتعثر هذه المشروعات بالعديد من المعوقات، وذلك
بحسب بيانات هيئة الاستثمار، اليوم وبعد أن باتت الظروف مواتية للدخول في هذا المضمار، وتم تبسيط الإجراءات لمشاريع القطاع الخاص في استخدام الطاقات المتجددة كرديف للمصادر التقليدية، بما يؤمن متطلبات الإنتاج من الطاقة، ويدعم الاقتصاد الوطني، وقد بات من الملح البحث عن أسباب إحجام القطاع العام عن الاستثمار في هذا المجال.
مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة في وزارة الكهرباء يونس علي بيّن لـ«الوطن» أنّ قانون الكهرباء رقم 32 للعام 2010 شكّل قفزة نوعية بإتاحة القطاع الخاص للاستثمار في الكهرباء، بالطرق التقليدية أو المتجددة، إلا أن صدور القانون في ظروف استثنائية أثر في إقبال المستثمرين في القطاع الخاص على هذا النوع من الاستثمارات.
وأشار إلى أنّ الظروف تغيرت اليوم وأصبحت مواتية للدخول في هذا المضمار، ويتم الترخيص وفقاً لإجراءات مبسطة، ويتم تقييم ذلك من خلال عدد من المشروعات المحلية التي رخصت وقيد الترخيص، وخلال المرحلة المقبلة يتم العمل على توجّه القطاع الخاص إلى استخدام الطاقات المتجددة كرديف للمصادر التقليدية، ما يؤمن متطلبات الإنتاج من الطاقة، ويدعم الاقتصاد الوطني، لكون حوامل الطاقة ما زالت مدعومة من الحكومة، بما ينعكس إيجاباً على المستهلك، وعلى الاقتصاد، لأن تخفيف الاعتماد على المصادر التقليدية يوفر كمية المشتقات النفطية التي يتم استيرادها، ويقلص الاعتماد على القطع الأجنبي لتأمين هذه المستلزمات.
وكشف علي عن تشكيل لجنة من كل قطاعات الحكومة مهمّتها اقتراح صكٍّ تشريعي لقانون أو مرسوم لإحداث صندوق لدعم الطاقات المتجددة (مشابه لصندوق دعم السّخان الشمسي) ولكن أوسع وأشمل ويحقق نتائج أكبر، بهدف تشجيع مستهلكي الطّاقة التقليدية بشكل مباشر أو غير مباشر في القطاع التّجاري والصناعي والخدمي والزراعي وحتّى المنزلي، للتوجه نحو استخدام الطاقات المتجددة، مبيّناً أنّ اللجنة في طور الانتهاء من مسودة الصك ليصار رفعه إلى الجهات المعنية.
وأوضح علي أنّ الدراسات الموجودة تضمن وجود كمون كبير يمكن البناء عليه في المستقبل للمساهمة في تأمين الأمن الطاقي في سورية، مشيراً إلى أنّ الكمون النظري من الرياح حوالي 40 ألف ميغا واط منها 8 آلاف ميغا واط قابلة للاستثمار، وسورية من البلدان المشمسة 300 يوم في السنة، ومتوسط كمية الطاقة الشمسية تعادل 500 كيلو واط ساعي على المتر المربع في اليوم، وهو مؤشر ممتاز للاستثمار في الطاقات الشمسية، بالإضافة إلى الكتلة الحيوية بحسب إحدى الدراسات؛ تشكل 2.3 مليون طن مكافئ نفطي، يمكن الاستفادة منها.
وبيّن أنّه تم تحديد خارطة الطاقات والكمون الريحي ليتم رصد 17 محطة لإقامة عنفات لتوليد الكهرباء، لافتاً إلى أول إعلان لإنشاء مزرعة ريحية كانت في السخنة بريف حمص بالتشاركية، وبعدها تم الإعلان عن مزرعة ريحية أخرى ريادية في قطينة، ولكن لم يستكمل التعاقد مع الشركة الأوروبية المتقدمة للإعلان بسبب الحرب التي بدأت على سورية، ما أدى إلى انسحاب الشركة، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.
قصة فيول وغاز
مديرة تنظيم القطاع والاستثمار في وزارة الكهرباء هيام الإمام أكّدت أنّ المشكلة اليوم في الاستثمار هي بمشروعات الطاقات التقليدية، وذلك لكونها تعتمد على الفيول والغاز، لذا يبتعد المستثمرون قليلاً عن الاستثمار في الطاقات التقليدية، مع صعوبة تأمين النفط أيضاً لتشغيل المجموعات البخارية، مشيرة إلى أنّ تأخير دراسة موجودة لإنشاء محطة توليد تقليدية «بخارية» حالياً يعود إلى صعوبة تأمين المواد الأساسية للتشغيل وخاصة الفيول.
وأوضحت الإمام أنّ القانون 32 سمح للمستثمرين باستيراد الوقود الخارجي اللازم لتشغيل محطاتهم أو بشرائه محلياً من وزارة النفط، مضافاً إليه هامش الربح في حال توافره، مع استخدام البنية التحتية الموجودة في وزارة النفط كالشبكات والصهاريج في حال إعلان الوزارة، مبينة أنّ المشروعات المرخصة وفقاً للقانون 32 لا يستفيد صاحب المشروع من مزايا قانون الاستثمار رقم 8، إلا بعد تشميل مشروعه بهيئة الاستثمار السورية.
وأكدت أنّ القانون سمح لمؤسسة نقل الكهرباء الشراء من المستثمرين بحسب حاجتها، وسمح للمستثمرين بنقل الطاقة المنتجة منهم عبر شبكات المؤسسة، سواء لبيعها محلياً أم لتصديرها إلى الخارج، مبينةً أن الاتفاقيات لا تكون في هذه الحالة طويلة الأجل.
تعديل قانون الكهرباء
رأى الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش أنّ قانون الكهرباء يحتاج إلى إعادة صياغة وتعديل من جديد، مبيناً أنّ عملية قانون الاستثمار بشكل عام لم تبصر بشكل واضح، لكون قانون الاستثمار الجديد لم يصدر بعد، مبيناً أنّ قانون الاستثمار أفرد في مواده بنوداً خاصة تعفي المستثمرين في قطاعات الطاقات الجديدة والمتجددة من الضرائب، وهذا ما سوف يشجّع العملية الاستثمارية في الطاقات المتجددة.
وأوضح عربش أنّه من المفترض أن تكون الفكرة الجوهرية في قانون الكهرباء تشجيع الاستثمارات في قطاع الطاقات المتجددة، مبيناً أنّه حتى الآن لم يكن هناك محفّزات وعوائد مجزية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الكهروشمسية.
ولفت إلى قناعة الكثيرين بأن تكلفة الكيلو واط الساعي المنتجة عبر الطاقات المتجددة أغلى بكثير من الكيلو واط المنتج عبر الطاقات التقليدية «الطاقة الاحتراقية» مهما كانت عنفات غازية أم بخارية، مشيراً إلى أنّه خلال 20 عاماً الماضية؛ انخفضت تكلفة إنتاج اللواقط الشمسية كثيراً، وما زالت تتجه نحو الانخفاض، مبيناً أنّ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية والصين والدول الناشئة كلها ما زالت تستثمر في الطاقات المتجددة، مع لحاق بعض الدول العربية بها، التي تعمل على مشروعات إنتاج الكهرباء عبر مزارع شمسية 300– 400 ميغا واط بسهولة، كمصر وتونس والمغرب (مشروع 500 ميغا واط)، والتسخين الشمسي، ما يساعد على رفد الشبكة الكهربائية بكميات كبيرة من الكهرباء.
وأشار إلى أنّ البعض يرى أنّ الطاقات المتجددة رافد بسيط للطاقات التقليدية، ولكن القناعة تغيرت خلال السنوات السابقة بسبب التطور التكنولوجي وانخفاض التكاليف وباستخدام الوسائل الحديثة، إذ أصبحت الطاقات الجديدة والمتجددة مربحةً، وإذا أردنا النظر إليها من جانب قطاع الطاقة فهي ما زالت غير منافسة للفيول والغاز، ولكنها من المنظار الكلّي توفّر أمناً طاقوياً، ولا تحتاج إلى تكاليف احتراق يوميّة، لكون الطاقة الشمسية لا تحتاج إلى مادة أولية تحرق بشكل يومي للحصول على الكهرباء، إلا أنّها استثمارات ثابتة على الرغم من حجمها الكبير.
ومن ناحية ثانية رأى عربش أن عوائد التشغيل والعوائد الاقتصادية والبيئية التي تحققها الطاقات الشمسية والاستقلال الطاقوي وخاصة تنفيذها في المناطق النائية أفضل من التوليد التقليدي الذي يحتاج إلى تكاليف كبيرة وتمديد شبكات ضخمة، ما يسبب هدراً في الشبكة وفاقداً فنياً كبيراً أيضاً، ما يشير إلى أنّ الطاقة الشمسية في هذه الحالة هي الطريقة الأمثل، إلا أنها تحتاج إلى منظومة متكاملة للولوج في الاستثمارات.
وأكّد عربش أنّ إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة التقليدية هو الحل الأمثل، إذا تمت استعادة جميع الحقول، موضحاً أنّ حرق برميل نفط لتوليد الكهرباء غير مجدٍ إن لم يكن هناك عائدية كبيرة من الطاقة المنتجة، ومردود اقتصادي واضح، فالطاقات الجديدة والمتجددة هي الخيار الأفضل والمستدام على المسار الطويل.
وقال: «إذا صدر قانون التشاركية، وتم إعطاء إطار قانوني مفصل وشفاف لوجود استثمارات القطاع الخاص بما فيه التشاركية بين القطاعين العام والخاص من خلال الاستثمار في الشبكة أو في جزء من الإنتاج فهذا سيعطي دفعة كبيرة جداً».
ورأى عربش أنّ التخطيط الإقليمي والتنمية الإقليمية هي مدخل رئيس للتخفيف من الهدر وزيادة الاستثمارات، لأن بعد المحطات التقليدية للكهرباء عن المناطق المستفيدة يسبب ضياعاً وهدراً كبيراً وإجبارياً، فالهدف هو التخفيف من هذا الضياع، من هنا يتم تحقيق وفورات للتنمية المستدامة، معتبراً أنّ الطاقات التقليدية أو الجديدة يجب أن تكون مدروسة ومناسبة حسب الطلب مع استدراك كمية الطلب على المدى الزمني الطويل.
وأكّد عربش أهمية موضوع سعر الطاقة، مبيناً أنّ الكهرباء في سورية أصبحت «ملطشة» نتيجة الاعتماد الكبير عليها، سواء بالتدفئة أم غيرها، ما يجعل الكهرباء بسعرها القليل جداً هي المنافس الشديد لبقية مصادر الطاقة، الأمر الذي يتطلب دراسة أسعار الطاقة بشكل متكامل كي لا يكون هناك عملية إحلال على المصادر الأخرى، كالفيول والمازوت وغيرهما، أي أن يكون هناك إحلال متكامل فيما بينها.
وبيّن أنّ السياسة المتكاملة تحتاج إلى دراسة الأسعار والتكلفة الحقيقية لإنتاج الكيلو واط من كل مصادر الطاقة، بعد ذلك يتم تسعيرها وتوجيه الدعم سواء بالزيادة أم النقصان، بالإضافة إلى تحرير أسعار الطاقة لكونه خيارَ مجتمعٍ، لا خيارَ خبيرٍ واحدٍ.
قصي أحمد المحمد