على قدر التوقعات جاءت مخرجات «سوتشي»، ووفق المأمول خرج البيان الختامي حاملا بذور نجاح حوار سوري سوري مستقبلي على أسس واقعية بعيدة عن التدخلات وطموحات الطامعين.
«سوتشي» التي اختارت بعناية شعار مؤتمرها «السلام للشعب السوري»، ستكون بلا شك نقطة الانطلاق الحقيقية لرسم ملامح السلام المنتظر، وستشكل الدافع الجدير بالثقة لإعادة إحياء مسار جنيف المتوقف.
ساعات الحوار الماراتونية أفضت في نهاية يوم أمس إلى الخروج ببيان ختامي أكد على الالتزام الكامل بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة سورية أرضا وشعبا، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية ويبقى الشعب السوري متمسكاً باستعادة الجولان السوري المحتل بجميع الوسائل القانونية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
البيان شدد على أن الشعب السوري هو من يحدد مستقبل بلاده بشكل مستقل وبطريقة ديمقراطية عبر الانتخابات، ويمتلك الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مؤكداً أهمية المحافظة على الجيش والقوات المسلحة وأن يقوم بواجبه وفقا للدستور بما في ذلك حماية الحدود الوطنية والشعب من التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب وحماية للمواطنين حيثما يتطلب ذلك، على أن تركز المؤسسات الأمنية والاستخباراتية على الحفاظ على الأمن الوطني وتعمل وفقاً للقانون، ومعرباً عن الرفض الكامل لمختلف أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والتفرقة الدينية، والالتزام بمحاربتها بشكل فعال إضافة.
وأشار البيان الختامي إلى أن سورية دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على مبادئ التعددية السياسية والمساواة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والجنسانية، بحيث تكون فيها سيادة القانون مضمونة بشكل كامل إضافة إلى مبدأ فصل السلطات واستقلال النظام القضائي، وتلتزم الحكومة بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية الشاملة والمتوازنة مع التمثيل العادل في سلطات الإدارة المحلية.
البيان دعا أيضاً إلى احترام المجتمع السوري وهويته الوطنية وتاريخه وقيمه الغنية التي ساهمت فيها جميع الأديان والحضارات والتقاليد التي مرت على سورية، كذلك محاربة الفقر والقضاء عليه ودعم المسنين وغيرهم من الفئات الهشة من ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب إضافة إلى توفير ضمانات بالأمن والمأوى لجميع اللاجئين والمشردين داخليا وحماية حقوقهم بالعودة الطوعية والآمنة إلى بيوتهم.
وكانت أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري انطلقت صباح أمس بمشاركة نحو 1500 شخص، بعد تأخير لنحو ساعتين من الموعد المقرر عقب خلافات نشأت بين روسيا وتركيا والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على خلفية تهديد بعض الفصائل المسلحة بالانسحاب احتجاجاً على العلم الوطني وشعار المؤتمر.
وبحسب متابعين فإن مقررات البيان الختامي لم تختلف كثيراً عن المسودة التي جرى تداولها أول أمس، غير أنه لوحظ إدخال عبارة «ولا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية»، كذلك جرى استبدال عبارة «بناء جيش وطني» بعبارة «المحافظة على الجيش والقوات المسلحة»، في تدخل حمل دلالات وإشارات مهمة.
ووجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح المؤتمر، رسالة إلى المشاركين، تلاها وزير الخارجية سيرغي لافروف: رأى فيها «أنه تتوافر الآن كل الظروف الملائمة لإنهاء هذه الصفحة المؤلمة في تاريخ الشعب السوري، وهناك حاجة ملحة الآن لإقامة الحوار السوري الشامل، في سبيل تسوية الأزمة في سورية برعاية الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254».
الوزير لافروف عقب انتهاء مؤتمر الحوار صرح في مؤتمر صحفي أن «النقطة الأهم تكمن في التمسك الصارم بالمبدأ الأساسي لبيان 2254 لمجلس الأمن الدولي، والذي ينص على أن السوريين أنفسهم فقط هم من سيقررون مصير بلادهم، وما سعينا إليه في هذا المؤتمر هو تهيئة ظروف ملائمة من أجل ذلك وأعتقد أن هذه خطوة أولى وبالغة الأهمية ونجحت بشكل عام».
وأكد لافروف اتخاذ قرار في سوتشي «بتشكيل «لجنة دستورية»، ستضم مندوبين جرى اختيارهم في المؤتمر، وستشمل أيضاً ممثلين عن المجموعات التي غابت عن المؤتمر نظرا لأسباب مختلفة»، مشدداً على أن «تشكيل اللجنة الدستورية، سيحال إلى الأمم المتحدة بالتوافق مع قرار 2254»، لافتا إلى أن «تنظيم عمل هذه الهيئة الجديدة، التي ستقوم بإعداد الدستور السوري، سيجري في جنيف».
من جهته قدم دي ميستورا تفسيره الشخصي لصلاحيات «لجنة مناقشة الدستور» التي جرى إقرارها، وقال: «إن اللجنة المذكورة ستعتني بالإصلاح الدستوري في سورية». مشيراً إلى أن تشكيلة اللجنة ستكون واسعة إلى أقصى حد ممكن، «فيجب أن تضم على الأقل، ممثلي الحكومة والمعارضة الذين يشاركون في المفاوضات السورية السورية في جنيف، وخبراء سوريين وممثلين عن المجتمع المدني السوري إضافة إلى قبائل ونساء، ولا بد من ضمان التمثيل الملائم للمكونات العرقية والدينية».
بدوره شدد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينيتييف، على أن الوثائق التي تم إقرارها في مؤتمر سوتشي ستحال إلى دي ميستورا، لمواصلة العمل بها، معتبراً أن «نجاح «سوتشي»، سيكون حافزاً لنجاح عملية التسوية السورية في جنيف».
الوطن