مقالات وآراء

مصيبة الجَزَعْ

ما لا شك فيه أن سلسلة الحرائق التي استهدفت الوجه الأخضر للساحل السوري والتي بلغ عددها وفقاً لوزارة الزراعة 156 حريقاً ،هي كارثة وطنية بكل معنى الكلمة لم يشهد الساحل السوري مثيلاً لها خلال القرن الماضي، إلا أن تفاعل بعض الناس مع كارثة الحرائق كان كارثياً، وأنا هنا لا أعني الأوغاد الشامتين، فهؤلاء ليسوا خارج الإنسانية وحسب، بل خارج كل حساب! من أعنيهم هنا هم الصحفيون والكتاب ، الذين مارسوا الجَزَع وسوّقوه. وقد سبق لأجدادنا أن عبّروا في أقوالهم وأمثالهم عن موقفهم الواضح من الجزع- نقيض الصبر- فمن أقوالهم: “الجزع من المصيبة مصيبة أخرى”، و”الجزع أتعب من الصبر” و”المصيبة بالصَّبر أعظم المصيبتين”.

وقد روى الزمخشري في كتابه “ربيع الأبرار” عن ابن السَّماك قوله: “المصيبة واحدة، فإن جَزِع صاحبها فهما اثنتان.” وقيل للأحنف بن قيس: إنَّك لصبورٌ على الجَزَع! فقال: “الجَزَع شرُّ الحالين، يباعد المطلوب، ويورث الحسرة، ويُبقي على صاحبه النَّدم “.

ومن مظاهر الجزع ضرب الخدود وشقُّ الثَّياب ونشر الشُّعور والدّعاء بالويل والثبور، وقد يبلغ الجزع ببعض الناس أنهم يتمنون الموت.

في كتابه “عدة الصابرين” يذمُّ ابن القيِّم الجوزية الجزع إذ يقول: “الجَزَع قرين العَجْز وشقيقه… فلو سُئِل الجَزَع: مَن أبوك؟ لقال: العَجْز”.

كما أطنب أجدادنا في مدح الصبر، كقولهم: “من صبر ظفر” و”عاقبة الصبر الجميل جميلة”، و”إذا كان الصبر مرّاً فعاقبته حلوة ” .وقد أصاب ابن حزم الأندلسي كبد الحقيقة إذ قال: “كل مصيبة تصيبني في مدرسة الدهر ولا تقتلني إنما هي قوة جديدة لي”. وهذه الفكرة لا تزال على ألسنة الناس حتى اليوم: “الضربة التي لا تكسر ظهرك تقوّيه”.

نعم الحرائق التي استهدفت وجه سورية الأخضر في الثامن من تشرين الأول الحالي هي الأكبر في تاريخ بلدنا إذ وصل عددها إلى 156 حريقًا، وفقاً لوزارة الزراعة، وطالت 11 ألفاً و500 هكتار وأدت إلى وفاة ثلاثة مواطنين وإصابة 87 آخرين.

إن عدد الحرائق وتزامنها يعطي الكثير من المصداقية لمن يرجحون بأن الحرائق تمت نتيجة عمل منسّق ومدبّر، وقد قرأت مقالاً لأستاذ في علوم الفضاء يتّهم أميركا بحرائق سورية ، والحق أنني لا أستبعد هذا إذ سبق لي أن كتبت في هذا الركن غير مرة عن مشروع هارب الأميركي للتحكم بالمناخ، كما كتبت عن فيلم هوليودي عنوانه “حرب العواصف”، وأنا مقتنع تماماً بأن الساسة الأميركان مجردون من الضمير ولا يملكون أي أخلاق، إلا أن النزاهة تقتضي أن نعترف بأنه لدينا إهمال وقصور في معدات الإطفاء، وأن الحرائق تحدث في كل أرجاء العالم بما فيها أميركا.

يرى الإخصائيون أن الطبيعة قادرة على أن ترمم نفسها شريطة عدم استغلال الحرائق من التجار وضباع العقارات.

في الختام أرى أن أوجب واجبات الدولة الآن تشكيل لجان متخصصة لتحديد المناطق الحراجية ومسح غير الممسوحة منها، لمنع التعدي عليها بكل صرامة وحزم، على أن تقوم في الوقت نفسه برعاية الفلاح الفقير الذي احترقت أشجاره، واستشهد ابنه في الحرب ضد الإرهاب، وعليه رعاية كنّته وأن يكون أباً وجدّاً لأحفاده اليتامى.

بقلم : حسن م. يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock