مهربات وبضائع مستعملة مشكوك بمصدرها في “سوق الفيسبوك”
احتلت سورية بحسب إحصائيات عرضها موقع متخصص بالدراسات الإعلامية «wee doo» على المرتبة السابعة عربياً لعام 2017 من حيث عدد مستخدمي «فيسبوك» الذين بلغ عددهم أكثر من 6 ملايين مستخدم أي ما يقرب من 40 بالمئة من السكان. كما أنه ووفق موقع «Alexa» وهو موقع إلكتروني تابع لشركة أمازون متخصص بترتيب مواقع الإنترنيت؛ تبين أن «فيسبوك» يأتي في المرتبة الأولى من حيث استخدامه في المجتمع السوري متفوقاً على محرك البحث «Google».
إذاً، يبدو أن «فيسبوك» يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام ووقت المواطنين السوريين عامة، ويضم طيفاً واسعاً منهم ما جعل البعض يستخدمونه لغايات مختلفة من التسلية وملء وقت الفراغ ومعرفة آخر الأخبار والتواصل مع الآخرين.. فحولوا الموقع إلى ما يشبه سوقاً من المحال التجارية الافتراضية على شكل صفحات أو مجموعات مغلقة.
«الوطن» رصدت هذه الظاهرة، وجالت بين العديد من الصفحات التجارية التي أصبح بعضها يشبه «المول» الافتراضي، لكثرة من تروج له من بضاعة، منها محلية الصنع، وأكثرها أجنبية، غير مسموح باستيرادها، وذات منشأ تركي كالألبسة وملحقاتها من إكسسوارت إضافة إلى المكياج ولوازمه، وتتشعب بعض الصفحات لتروج للسيارات والعقارات والسلع الكمالية، حتى أصبح هناك نوادٍ افتراضية للعديد منها، إضافة إلى انتشار صفحات تروج لبضاعة مستعملة أغلبها مجهولة المصدر، ما يجعلنا نشكك في مصدرها، مع التنويه بأنه وسط الحرب انتشرت صفحات تروج لبيع القطع الأثرية المسروقة في سورية والعراق وترتبط بشبكات تهريب في تركيا وبعض الدول الأوربية.
رواج افتراضي
عند البحث عن تلك الصفحات التي تلقى رواجاً تسويقياً في المجتمع السوري اليوم نلاحظ أنها متابعة من عدد يصل في بعض الأحيان إلى الآلاف أو أكثر، ويتم توصيل الطلبات التي تباع عبر المحادثات الفيسبوكية إلى مناطق مختلفة، ويبدو أن أسعار السلع المبيعة المنخفضة مقارنة مع ما يباع في الأسواق الحقيقية هو سبب رئيس في رواجها، إلا أن المشكلة تبقى في ضمان جودة هذه البضاعة، وهذا ما سألت عنه «الوطن» بعض المسؤولين عن تلك الصفحات، فكانت الإجابة بأنه لا داعي للشراء إذا كان هناك شكوك في النوعية!
إلى جانب إيجابية الحالة، من توسيع دائرة التسويق للمنتجات، وتأمين فرص عمل منزلية للكثير من السوريين؛ هناك محاذير كثيرة تلف الموضوع، مثل استخدام تلك «المتاجر الزرقاء» لإخفاء نشاط شبكات التهريب والسرقة، دون أن تباع في الأسواق المعروفة، مع صعوبة ضمان الجودة والصلاحية للمنتجات، لغياب الرقابة واستعداد الجهات الحكومية المختصة للتعامل مع هذه الظاهرة، كما يفوت على الحكومة عائدات ضريبية.
مشروعات صغيرة.. ولكن؟
عزت خبيرة التسويق الإلكتروني والأستاذة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق ريم رمضان الانتشار الواسع لمثل هذه الصفحات إلى العلاقات الاجتماعية على مواقع التواصل التي أسهمت بشكل كبير في الترويج للعديد منها، ثم زيادة عدد المتابعين والمتعاملين معها، منوهة في تصريح لـ«الوطن» إلى نقطتين بارزتين حول هذا النوع من التجارة الإلكترونية عبر «فيسبوك»، أولاً أنها تحمل العديد من الإيجابيات حيث يمكن اعتبارها مشروعات صغيرة على حد تعبيرها لتأمين سبل العيش بعيداً عن الطرق غير القانونية، كما أنها تسهم في زيادة حركة البيع والشراء إلى حد ما، وتعد مجالاً جيداً لتأمين فرص عمل، مقترحةً تشجيع الحكومة لها من خلال رفع الضرائب عنها مما سيدفع التجار إلى البيع بشكل علني بعيداً عن السرية، محذرةً من أن تلك الصفحات يمكن أن تكون نافذة يستغلها البعض لبيع ما لديه من مسروقات وخاصة خلال الحرب التي تتعرض إليه سورية ولم يتمكن من إنفاقها بشكل علني، مما يدفعه للجوء إلى أكثر مواقع التواصل الاجتماعي متابعة من السوريين للترويج لتلك المسروقات، وخاصة في ظل انعدام الرقابة على مثل هذه الصفحات الافتراضية، معتبرةً ذلك شكلاً من أشكال شرعنة غير مباشرة للأنشطة غير الشرعية.
مشيرةً إلى أنه من الممكن أن تشكل هذه الصفحات أو المجموعات المغلقة خطراً على المستهلك لأنها لا تخضع لرقابة على مدى صلاحيتها للاستهلاك أو مدى جودتها، إضافة إلى أنه قد يتعرض في بعض الحالات لممارسات غش وخاصة أن البضاعة تعرض على شكل «صور» قد لا تعكس شكل السلعة على حقيقتها.
قانون بلا تعليمات من أربع سنوات!
مسؤول حكومي أكد لـ«الوطن» أن ضبط وتنظيم هذه التعاملات الإلكترونية إنما يرتبط بإنجاز التعليمات التنفيذية لقانون التعاملات الإلكترونية التي تعمل عليه عدة وزارات حالياً، ويتوقع إنجازها خلال فترة قريبة هذا العام، وبذلك يتم توفير آليات قانونية واضحة لكل من يمارس أي نشاط تجاري عبر الإنترنت مهما كان الموقع المستخدم، ويتم ضمان الجودة ومعروفة مصدر البضاعة وآلية البيع والشراء وتنفيذ الصفقات وتسديد الحقوق.. إلخ.
علماً بأن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعمل على التعليمات الخاصة بحماية المستهلك عبر التعامـلات الإلكتــرونيــة وفي في المراحــل الأخيـرة.
وفي تصريح لـ«الوطن» أشار معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب إلى خطورة انتشار تلك الصفحات لجهة عدم القدرة على التحقق من مصدر البضاعة ومراقبة جودتها وصلاحيتها.. إلخ، منوهاً بأن الوزارة ريثما تصدر تعليمات قانون التعاملات الإلكترونية؛ يمكنها أن تتعامل مع أي شكوى من المواطنين حول الصفقات التجارية التي تتم عبر تلك الصفحات لجهة التلاعب بالسعر والمواصفة، وتطبق قانون التموين بعقوباتها ومخالفاته كما لو كانت تتعامل مع أي محل في السوق، داعياً إلى الشكوى على أي ممارسات مخالفة لتتم معالجتها وفق قانون التموين، مشيراً إلى أنه حتى الآن لم ترد إلى الوزارة أي شكوى حول تلك الصفحات.
تساؤلات ختامية
إذاً تنظيم كل ما يتعلق بالتجارة الفيسبوكية ومراقبتها من تهريب وسرقات ومخالفات إنما مرتهن بصدور تعليمات قانون المعاملات الإلكترونية الذي صدر في عام 2014، ويضم سبع مواد تخص حماية المستهلك، إضافة إلى فصول أخرى تتناول موضوعات الأسناد التجارية والدفع الإلكتروني والتعاقد الإلكتروني.. وغيرها، ليبقى السؤال: لماذا هذا التأخير في إنجاز تعليمات لقانون صادر منذ أربع سنوات تقريباً؟ ومن المستفيد من هذا التأخير؟.. نترك الإجابات في ذمة المسؤولين عن هذا الواقع.